احتجاجات كبيرة تزيد من شعبية إمام أوغلو
يشكل اعتقال رئيس بلدية إسطنبول ومرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو نقطة تحول في المشهد السياسي التركي، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة ترتيب الديناميكيات الانتخابية.
إسطنبول – تنذر الاحتجاجات المتصاعدة في تركيا على خلفية توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بتهم فساد وإرهاب بإعادة تشكيل المشهد السياسي، إذ يرى محللون أن مساعي حزب العدالة والتنمية الحاكم لإقصاء المنافس الأكثر شعبية من السباق الرئاسي المرتقب قد يزيد من شعبية المعارضة بدل إضعافها.
ورغم توقيف إمام أوغلو تعهد حزب الشعب الجمهوري المضي قدما في الاقتراع الذي سيجريه الأحد والذي سيعلن فيه رسميا ترشيحه لخوض انتخابات 2028.
ويرى مراقبون أن الحكومة قد تسعى لعرقلة الاقتراع الحزبي لمنع المزيد من التأييد لإمام أوغلو.
وقالت رئيسة برنامج الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن غونول تول “إذا صوّت عدد كبير من الناس لإمام أوغلو، فسيُضفي ذلك شرعية أكبر عليه في الداخل.” وأضافت “قد يدفع ذلك الأمور في اتجاه لا يريده أردوغان.”
وقال حزب الشعب الجمهوري إنه سيفتح العملية أمام أي شخص يرغب في الاقتراع، وليس فقط أمام أعضاء الحزب مؤكدا “تعالوا إلى صندوق الاقتراع وقولوا +لا+ لمحاولة الانقلاب.”
وأوقف إمام أوغلو الذي يحظى بشعبية ويعتبر أكبر منافسي الرئيس رجب طيب أردوغان، فجر الأربعاء قبل أيام قليلة من ترشيح حزب الشعب الجمهوري، أبرز أحزاب المعارضة، له رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2028.
موجة الاحتجاجات العارمة تبدو فرصة لمزيد الترويج لشعبية إمام أوغلو وبالتالي لحزب المعارضة الذي ينتمي اليه
وندد حزبه بتوقيفه بوصفه “انقلابا” وتعهد بمواصلة التظاهرات التي بحلول الخميس كانت قد امتدت إلى 32 محافظة على الأقل من أصل 81 محافظة في تركيا.
وأثار اعتقال السياسي المحبوب احتجاجات في مدن متعددة، وهو حدث نادر في تركيا خلال العقد الماضي. كما تزامن مع انخفاض بنسبة 7 في المئة في سوق الأسهم التركية، حيث اعتبره المستثمرون على ما يبدو مؤشرا على عدم الاستقرار السياسي.
ونزل المحتجون إلى الشوارع الجمعة ، رغم تحذير وزير العدل من أن مثل تلك “غير قانونية ومرفوضة.”
وأعلن أردوغان الجمعة أن تركيا لن ترضخ لإرهاب الشارع بعد دعوة حزب الشعب الجمهوري المعارض لمواصلة الاحتجاجات.
واتهم أردوغان حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو باستغلال التحقيقات كذريعة للدفع بالبلاد في أتون الفوضى.
وقال أردوغان في احتفالية عيد النيروز في إسطنبول “لن نتساهل مع أي تعطيل للنظام العام. كما لم نرضخ لإرهاب الشوارع من قبل، فإننا لن نستسلم للتخريب الآن.” واتهم حزب الشعب الجمهوري بالفساد والتحريض على الاضطرابات.
اقرأ أيضاً:
اعتقال إمام أوغلو يثير الشكوك حول مساعي السلام مع الأكراد
وبعد ظهر الجمعة أمر حاكم اسطنبول بإغلاق جسري غلاطة وأتاتورك اللذين يعبران مصب القرن الذهبي وهما الطريقان الرئيسيان المؤديان إلى شبه الجزيرة حيث يقع مبنى البلدية.
وتحدت حشود كبيرة قرارا بمنع التظاهرات وتجمعت أمام مبنى بلدية اسطنبول دعما لرئيس البلدية فيما مددت السلطات الجمعة القرار ليشمل العاصمة أنقرة ومدينة إزمير الساحلية الواقعة غربا.
وأطلقت الشرطة ليل الخميس الرصاص المطاط والغاز المسيل للدموع خلال مناوشات مع الطلاب قرب مبنى البلدية.
وفي أنقرة، استخدمت شرطة مكافحة الشغب رذاذ الفلفل والرصاص المطاط وخراطيم المياه لتفريق قرابة 1500 شخص.
وأوقفت الشرطة 88 متظاهرا على الأقل بعد إعلان وزير الداخلية علي يرلي كايا على إكس توقيف53 شخصا.
وأضاف الوزير أن 16 شرطيا أصيبوا بجروح وأوقف 54 شخصا آخرين بسبب منشورات على الإنترنت اعتُبرت “تحريضا على الكراهية.”
ورددت الحشود شعارات مناهضة للحكومة وعلقت لافتات تحمل صور إمام أوغلو والزعيم المؤسس لتركيا مصطفى كمال أتاتورك وأعلاما تركية.
وما يميز إمام أوغلو هو امتلاكه شعبية واسعة بين مختلف الكتل الانتخابية. إنه قادر على جذب أصوات الأكراد مع الحفاظ على علاقات قوية مع السياسيين القوميين من خلال كاريزمته وحديثه العام.
والأهم من ذلك، أنه قادر على استقطاب الناخبين العلمانيين والإسلاميين على حد سواء. فهو يحظى بدعم شريحة من المجتمع التركي تلتزم بالرؤية العلمانية التي وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. وفي الوقت نفسه، يستطيع التقرّب من الناخبين المتدينين، مثل تلاوته لآيات من القرآن الكريم علنا.
وساعدت هذه القدرة على توحيد الدوائر الانتخابية المتنوعة إمام أوغلو على هزيمة حزب أردوغان في إسطنبول مرتين عام 2019، فبعد الهزيمة الأولى، رفض أردوغان قبول النتيجة، وألغى المجلس الأعلى للانتخابات.
إذا صوّت عدد كبير من الناس لإمام أوغلو الأحد، فسيُضفي ذلك شرعية أكبر عليه ما يدفع في اتجاه لا يريده أردوغان
إذا صوّت عدد كبير من الناس لإمام أوغلو الأحد، فسيُضفي ذلك شرعية أكبر عليه ما يدفع في اتجاه لا يريده أردوغان
وعززت إعادة انتخاب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول عام 2024 سمعته كسياسي بارز قادر على هزيمة أردوغان في صناديق الاقتراع.
وتبدو موجة الاحتجاجات العارمة فرصة لمزيد الترويج لشعبية إمام أوغلو وبالتالي لحزب المعارضة الذي ينتمي اليه.
ويقول محللون إن اعتقال إمام أوغلو قد يؤدي إلى تعبئة الشارع المعارض ضد الحكومة، مما قد يشكل تحديا أمام حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة.
ويشير المحللون أنه في صورة ما أدين إمام أوغلو بعد استكمال التحقيقات وهي نتيجة مرجحة، فإن عددا كبيرا من مناصري الديمقراطية والحريات في البلاد سيصوتون لمرشح المعارضة البديل لإمام أوغلو فيما يشبه التصويت العقابي لحزب العدالة والتنمية.
وقوبل اعتقال إمام أوغلو باستهجان واسع من جانب جميع أحزاب المعارضة التركية، ودعوات إلى توحيد الصفوف للفوز بأغلبية البرلمان في الانتخابات المقبلة، وممارسة الضغط التشريعي على السلطة الحاكمة.
ويقول مراد سومر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوزيجين في إسطنبول، “إذا سمحوا للمعارضة بالمشاركة الكاملة في الانتخابات، فسوف يخسرون إنهم يدركون ذلك،” مضيفا أن “أردوغان يسعى على الأرجح إلى إقصاء المعارضة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة وتغيير الدستور،” وأضاف سومر أن الرئيس التركي “كان يستعد له من خلال استمالة السياسيين لدعم الفكرة.”
وإلى جانب التداعيات السياسية لإيقاف رئيس بلدية إسطنبول ،يخشى مراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي، مما قد يؤثر على تدفقات رأس المال والاستثمارات المباشرة. وقد تواجه تركيا ضغوطا اقتصادية إضافية إذا استمرت التوترات السياسية، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية.
وشهدت الليرة التركية تراجعا فور الإعلان عن اعتقال إمام أوغلو، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار وسط مخاوف من عدم الاستقرار السياسي. كما تراجعت مؤشرات البورصة التركية، مما يعكس قلق المستثمرين من تداعيات الأزمة السياسية.