قدم الصحفي المخضرم والمراقب السياسي العراقي كامران قره داغي، تحليلاً للتطورات الداخلية في تركيا، بعد التظاهرات التي اكتسحت إسطنبول خلال الأيام الماضية إثر اعتقال رئيس البلدية، والانهيار الكبير في عملة البلاد، والمفارقة الكردية في سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، مستعرضاً السيناريوهات المحتملة على تركيا وما عرف بـ”الصفقة التاريخية” للتصالح مع عبد الله أوجلان، إلى جانب ما يعني ذلك للوضع السوري الجديد.
تشهد تركيا مرة أخرى توترًا في السياسة والمجتمع عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بتهم متعددة تشمل الفساد وتزوير شهادته الجامعية، والأغرب من ذلك اتهامه بالتواصل مع حزب العمال الكردستاني. يرى العديد من المراقبين أن هذه الاتهامات مسيسة وتهدف إلى إضعاف أحد أبرز منافسي الرئيس رجب طيب أردوغان على الساحة السياسية.
توقيت هذا الاعتقال أثار تساؤلات عديدة حول استقرار قيادة أردوغان، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. فقد ضخ البنك المركزي التركي خلال الأيام الماضية نحو 12 مليار دولار في الأسواق لمحاولة إنقاذ الليرة التركية من مزيد من الانهيار أمام الدولار واليورو. لكن يبقى السؤال حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستوفر استقرارًا طويل الأمد.
السؤال الساخن في أنقرة حالياً هو: هل سيتراجع أردوغان عن موقفه؟ يرى المحللون أن تراجعه غير محتمل، فبينما قد يجلب له ذلك استقرارًا مؤقتًا، إلا أنه سيضعف موقفه على المدى البعيد. ومن المتوقع أن يعمد إلى تشديد قبضته أكثر وربما تبني إجراءات استبدادية على غرار ما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون أن يحظى بشعبيته.
وفي خضم هذا التوتر، يبرز سؤال حول مستقبل عملية السلام مع الكرد. الشهر الماضي، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، عبد الله أوجلان، حزبه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، ما اعتبره البعض إشارة إلى احتمال تقدم في مسار السلام. لكن الوضع السياسي الحالي قد يهدد تلك الجهود. يتفق المراقبون على أن التصعيد الحالي سيؤثر سلبًا على عملية السلام، لكن مدى هذا التأثير ما زال غير واضح.
خطاب أردوغان الأخير خلال احتفالات نوروز في إسطنبول، الذي اقترح فيه جعل نوروز عطلة رسمية في تركيا، بدا وكأنه غصن زيتون موجه للكرد. لكن هذه المبادرة تبدو متناقضة مع الاتهامات الموجهة لرئيس البلدية إمام أوغلو بالتواصل مع الأكراد.
على صعيد آخر، قد يؤثر انشغال أردوغان بمواجهة الاحتجاجات المتزايدة سلبًا على نفوذه في المنطقة، خاصة بعد أن أصبحت تركيا لاعبًا رئيسيًا فيها كقوة إقليمية كبرى. وقد لعب أردوغان دورًا محوريًا في تحقيق تغييرات جذرية في سوريا، مثل اسقاط نظام الأسد وصعود هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا، إلى السلطة.
انشغال أردوغان بالأزمة الداخلية قد يخفف الضغط أيضاً على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ويدفع الرئيس السوري أحمد الشرع إلى مزيد من التفاهم مع سلطة شمال شرق سوريا لتعزيز الاستقرار من جهة، وتقوية سلطته من جهة أخرى، في ظل غياب أو ضعف التأثير التركي.
وفي وقت يعتقد البعض أن الاحتجاجات التي أثارها اعتقال رئيس البلدية إمام أوغلو ستخمد، يخشى آخرون أن تتعثر عملية السلام حتى يتضح موقف الكرد في هذا الصراع المعقد.