أليستر كراولي وطقوسه الغريبة (غيتي)

يحار المرء في تعريف هذه الشخصية المخيفة والمثيرة للجدل في آن واحد، لا سيما أن اسمه اقترن بالغموض غير المسبوق، منذ مولده في أول الربع الأخير من القرن الـ19، ووفاته في منتصف القرن الـ20.

قرابة ثمانية عقود، ملأ فيها الدنيا وشغل الناس، فهو الكاتب المسرحي والروائي وكاتب السير الذاتية والشاعر والرسام ومتسلق الجبال.

غير أن كل ما تقدم يصطف في جهة، وعلاقته بالعوالم السرية الخفية، من السحر الاسود والقوى الخفية، جانب آخر لا سيما أنه عرف نفسه بأنه “النبي المكلف” بتوجيه الإنسانية إلى عين حورس “، في أوائل القرن الـ20.

يعن السؤال عن سر الاهتمام بهذا الرجل مصرياً أولاً، وعربياً ثانياً؟

هنا يحمل الجواب إشارات أكثر إثارة وربما خطورة، ذلك أن لقاء غامضاً جمعه مع مؤسس جماعة الاخوان  في مصر ، في وقت مبكر، ودارت حوله روايات عديدة، وإن أنكرت الجماعة هذا اللقاء أو ذلك التعاون.

من أين نبدأ القصة؟

كراولي من المسيحية إلى التعاليم الباطنية

تبدأ قصة إدارود ألكسندر كراولي الذي سيشتهر لاحقاً باسم “الستر مراومي ، والذي يصعب حصره في مسمى بعينه في 12 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1875، حين وُلد لأسرة غنية تتبع المذهب “البليموثي”، أحد أفرع المسيحية البروتستانتية، في منتجع رويال ليمنغتون في مدينة وركشير في إنجلترا.

كان من الطبيعي أن ينمو الفتى في أجواء إيمانية مغرقة في التقليدية، وإن شئت الدقة قل الأصولية.

غير أن هذا لم يحدث، فقد كره هذه التعاليم، ومضى متبعاً ما أطلق عليه “تعاليم باطنية غربية”، لكن وجود والده من حوله، قطع عليه طريق الإغراق في هذا الاتجاه الفكري الروحاني.

كان والده إدوارد كراولي، من أشهر المهندسين المعماريين في إنجلترا في ذلك الوقت، ووالدته هي “إميلي بيرثا بيشوب”، التي كانت تعاني على الدوام من تصرفات ابنها الغريبة، وبخاصة منذ أن بلغ الثامنة.

رويداً رويداً، بدأت ملامح العنف والقسوة تغلب عليه، إذ درج على مهاجمة أقرانه، وإحداث إصابات جسمانية بهم، مما قاده وهو حديث السن، لأن يعرف بـ”الوحش كراولي”.

 بدا وكأن الحل بالنسبة لأسرته، وضعه في مدرسة مسيحية محافظة، تتبع النظام الداخلي، أي الإقامة والدراسة معاً، وهو نوع ملتزم إلى حد التشدد، بهدف تعليم الأولاد لا سيما المشاغبين تحسين سلوكهم، ومساعدتهم على اكتساب خبرات الانضباط.

على أن رد فعل الفتى كراولي جاءت مختلفة بالمرة، فعوضاً عن تقويم عوده، كره المسيحية كرهاً شديداً، ورفض كل تعاليمها، واستمر على هذه الحال إلى حين وفاة والده، التي كانت نقطة تحول هائلة في مساره.

ورث “إليتسر” ثلث ثروة والده، فيما لم يكن قد غادر سن المراهقة بعد، ليجد نفسه مالكاً لملايين الجنيهات الاسترلينية.

كانت بداية الطريق المثير، من عند التحاقه بجامعة “كامبريدج” العريقة في إنجلترا، وكان ذلك عام 1895، حيث بدأ الانخراط في دراسة العلوم النفسية والروحانية، وعلوم الأدب الإنجليزي.

 تبدو السيرة الذاتية لكراولي، وكأنها نوع من أنواع الأساطير المخيفة، لا سيما أنه أقبل حكماً على دراسة واعتناق أفكار “القبالاه” والسحر والشعوذة الموجودة في الديانتين البوذية والهندوسية.

غير أن بعض المصادر تتوقف عند جزئية مهمة للغاية، ستترتب عليها أمور مستقبلية لا يزال أثرها ممتداً في الشرق الأوسط خصوصاً، وبقية أرجاء العالم.

هذه الجزئية متعلقة باحتمال تجنيده من قبل الاستخبارات البريطانية الخارجية. ويقول أصحابها إنه ظل طوال حياته عميلاً لهم، وجاسوساً يقوم بتأدية خدمات تقليدية لبلاده.

غير أن البعض الآخر من كتاب سيرته وهم كثر، ينكرون عليه هذه العمالة، وإن لم يقدموا الدليل الشافي الوافي على ذلك.

حين انتهت دراسة كراولي، كان مستقبل مختلف جداً ينتظره، لا سيما بعد انضمامه رسمياً لواحدة من الجماعات المغرقة بدورها في أعمال الماورائيات… ماذا عن هذا؟

كراولي ورهبان الفجر الذهبي

خلال سنوات دراسته الجامعية، كانت ملامح انغماس كراولي في العالم الآخر قد اتضحت تماماً، لا سيما بعد أن تحول من القراءات والتنظير الفكري، إلى ممارسة حفلات أقل ما توصف بأنها شيطانية، فقيل إنه كاد يرى الشيطان وجهاً لوجه أو أنه رآه بالفعل.

من بين الإرث الذي خلَّفه له والده، كان أحد القصور المهجورة، الذي اعتبر “بيتاً للشيطان”، كان يقيم فيه طقوساً غريبة مثل تقديم القرابين من القطط والكلاب، والقيام بطقوس جنسية مخيفة إرضاء للشيطان، كما مضى بعيداً في دراسة وسائل الاتصال بالقوى الشريرة في العوالم الروحانية البعيدة عن البشر.

لكن القرار الذي سيشكل لاحقاً شخصية كراولي، تمثل في انضمامه لواحدة من أخطر الجماعات السرية المنتشرة في الإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت، التي كانت تضم عدداً كبيراً من عبدة الشيطان والسحرة.

عرفت جماعة “رهبان الفجر الذهبي” بأنها تضم مزيجاً من الأفكار والتعاليم المسيحية، إلى جانب كثير من جذور الحضارة الفرعونية القديمة، مع الاستعانة بمخطوطات عصر النهضة، وبدا وكأن سبب انضمامه إليهم، هو رغبته في إنشاء تنظيمه الخاص أو بلورة رؤيته الذاتية للاتصال بالعوالم الخفية.

انضم كراولي بالفعل إلى هؤلاء، وعاصر وعصر أفكارهم وطقوسهم، وتشرب منابع منطلقاتهم، وحين شعر بأنه على درجة كافية من المعرفة السوداء، قرر أن ينفصل عنهم ليستكمل طريقه بنفسه، مستغلاً في ذلك ما توافر له من ثروة هائلة عن والده، وبهدف الرجوع إلى أصل “السحر الأسود القديم”، في الحضارات البشرية السابقة.

كثرت رحلات كراولي قبل أن يتزوج من “إديث روز كيلي” في حدود عام 1904، إلى الهند وإلى الصين وإلى أميركا الجنوبية، حيث القبائل المتبقية من حضارتي الإزتيك والمايا، وكلتاهما كانتا على درجة عالية، من التواصل مع العوالم الخفية، التي يزعم كثيرون أنها كانت شريرة بامتياز لتعاطيها مع السحر الأسود، كذلك زار منطقة أغوار الأردن، وهناك عاش هائماً في الصحراء، باحثاً عن أشياء لم يسمع أحد عنها من قبل لا سيما في الجبال والمغارات وشقوق الأرض.

غير أن القصة الأكثر غموضاً في حياة كراولي، ستكتب في بلد عربي آخر، عميق الصلة بالتاريخ القديم، الذي لا تزال حبات عقده الحضارية غير واضحة المعالم، وبخاصة المنطقة الواقعة بين العلوم الروحانية الإيجابية وتلك الأخرى المعروفة بالسحر الأسود… إلى أين ذهب كراولي؟

كروالي في مصر… سحر الفراعنة

حل كراولي بمصر سائحاً، وقد كان ذلك عام 1904، للاحتفال بشهر العسل مع زوجته “روز”.

كانت مصر في ذلك الوقت خاضعة للاحتلال البريطاني، غير أن إقامته طالت كثيرا جداً عن قضاء شهر العسل، لا سيما بعد أن سكن بين المصريين.

حين عادت زوجته إلى إنجلترا على أمل أن يلحق بها في الرحلة المقبلة عبر البحار، بدأ كراولي مسيرة أقل ما توصف بأنها جنونية، إن لم تكن شيطانية، من دون تهوين أو تهويل.

سكن كراولي بين المقابر، وخصوصاً مقابر الفراعنة، وجدران المعابد الفرعونية القديمة.

في وسط تلك الأماكن التي كانت بعيدة عن اهتمامات المصريين العاديين في ذلك الوقت، وفي ظل الحماية البريطانية، ارتكب كراولي كثيراً جداً من الموبقات في تلك الأماكن التي كانت لها قدسية خاصة لدى المصريين القدماء، إذ أقام عديداً من الحفلات الماجنة المليئة بالخمر، ووزعت فيها المخدرات، ومارس فيها ضيوفه الجنس، ناهيك بكثير من الطقوس الشيطانية.

بدا وكأن كراولي استطاع في مصر ممارسة نوع من أنواع “تناسخ الأرواح”، بمعنى أنه تقمص شخصيات مصرية قديمة، وعليه كان يعيش وسط المصريين كواحد منهم، ومن غير أدنى مقدرة على كشف هويته الإنجليزية.

لكن القصة المثيرة لكراولي مع مصر والمصريين، تبدأ من عند ادعائه بأن الإله حورس، أحد آلهة المصريين القدماء، قد اختاره شخصياً أول الأمر ليحمي قبورهم من السرقات التي كانت تجري من جانب الإنجليز، وفي الوقت عينه يقوم بحماية الطقوس السحرية المكتوبة داخل جدران المعابد الفرعونية.

حين حل كراولي بمصر ادعى هو وزوجته “روز” التي يبدو أنها كانت مساعدة له في أعماله الظلامية، أنهما أمير وأميرة من إنجلترا، وقد تمكنا من استئجار شقة في القاهرة، أقاما فيها غرفة معبد، وبدآ بما اعتقداه استدعاء الآلهة المصريين القدماء له.

في الوقت ذاته كان كراولي يدرس التصوف الإسلامي واللغة العربية، ووفقاً لتصريحاته لاحقاً، فقد بدأت زوجته “روز” تهذي بانتظام، وأبلغته ذات مرة بـ”أنهم ينتظرونك”… من هم هؤلاء الذين ينتظرون كراولي؟

في 18 مارس (آذار) من عام 1904، أوضحت “روز” أن هم، تقصد بها حورس، وهو إله الشمس عند قدماء المصريين، وفي 20 مارس أعلنت عن أن “اعتدال الآلهة قد حان”، وقادته إلى متحف قريب، حيث أرته جثثاً تعود إلى ما قبل الميلاد بنحو سبعة قرون. ويقول كراولي في كتاباته، إن عدد تلك الجثث بلغ نحو 666 جثة، وهو عدد الوحوش التي ستظهر في نهاية العالم بحسب المفهوم المسيحي.

لم يتوقف المشهد عند هذا النحو، فوفقاً لتصريحات كراولي، فإنه في الثامن من أبريل (نيسان) سمع صوتاً مدوياً يدعي أنه “إيواس” رسول حورس… ما الذي أخبره إياه هذا الصوت الغريب والعجيب، وربما المخيف في الوقت عينه؟

عن الروح “أيواس” وكتاب القوانين

يقول كراولي في مذكراته، إنه وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية، استمع إلى هذا الوحي الحورسي، الذي جاء على لسان المرسل ” أيواس”، وأنه من دون كل ما استمع إليه في كتاب، حمل اسم “كتاب القانون”، الذي سيكون له شأن كبير في عالم السحر والسحرة منذ أن وضعه كراولي أوائل القرن الـ20.

اعتبر كراولي أن ما أنزل عليه، هو دين جديد يسمى الـ”ثيليما”، وقد افتتحه بالقول “كل رجل وكل امرأة هو نجم”، ما الذي كان يعنيه كراولي بهذا التعبير؟

 المعنى باختصار غير مخل، أن كل رجل وكل امرأة هو إله، وهي العبارة التي شكلت مفهوماً عاماً سرعان ما انتشر في عديد من الحواضن الغربية، وسار على دربه عدد من الأسماء، الذين أرسوا قواعد عبادة الشيطان من أمثال أنطون لافاي مؤسس ما يعرف بـ”كنيسة الشيطان”، ومغني الروك مارلين مانسون، وكلاهما اعتبر أن ظاهرة “الساتنيزم” أو “الشيطنة”، هي أن تعبد نفسك لأنك أنت المسؤول عن خيرك وشرك.

أصبح كراولي بعد هذا الكتاب، رغم ما جاء فيه من شرور، أيقونة ومصدر إلهام لكثير ممن أتوا بعده، ونشروا أفكاره التي اعتبرتها حواضن عدة، دينية وثقافية، مسمومة، وروجوا لها من خلال السينما والفنون، وقد اعتبر صاحب صيحة شريرة حيث سطر في كتابه هذا قوله: “افعل ما تريد، فهذا هو القانون كله”.

 اعتبر كثير من المؤرخين أن كراولي هو نسخة من “لوسيفر” أي الشيطان نفسه، وقد ورد في “كتاب القانون” القول: “العصيان هو مفتاح السعادة”.

 صارت أقوال كراولي دستوراً للتمرد، والانفلات، والحريات المغشوشة، كما صارت أفعاله تمثل نمطاً حياتياً، تجذر في وعي الأجيال الجديدة في أوائل القرن الـ20، وهناك من يربط بين تلك الأفكار وما عرفته القارة الأوروبية على نحو خاص من حركات اجتماعية، بعد الحرب العالمية الثانية لا سيما بعد أن سادت حقبة من اللامعنى، بعد 70 مليون قتيل بين المعسكرين المتحاربين، النازي والمحور، حركات من نوعية موسيقى الروك التي أعجب القائمون عليها بأفكار كراولي، وتغنت بها ولاكتها ألسنة جماهير الشباب من الهيبز، وبعض من حركات السلام العالمي المغشوشة، حتى تقررت وصارت بمرور الزمن مفاهيم توارثتها الأجيال اللاحقة.

على أن ما هو أهم وأخطر من ” كتاب القانون ” الذي اعتبره كراولي نوعاً من الوحي الذي هبط عليه، ذلك اللقاء السري والغامض الذي جرى على أرض مصر بين كراولي ومؤسس تلك الجماعة الوليدة لاحقاً، التي ستملأ الدنيا تعصباً وراديكالية، ويبقى أثرها فاعلاً على المديين السياسي والروحي لعقود طوال مقبلة… ماذا عن هذا؟

 

عن كراولي ولقائه مع حسن البنا

هل كان إليستر كراولي الساحر الغامض، وربما رجل الاستخبارات الإنجليزية هو الممول الأول والحقيقي لحسن البنا الرجل الذي وضع البذرة الأول لتنظيم الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعلية على شاطئ قناة السويس أواخر العقد الثالث من القرن الـ20؟

في يناير (كانون الثاني) الماضي، كشف الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية في مصر، عن أبعاد لقاء تاريخي جرت به المقادير في العاصمة المصرية، جمع بين إليستر كراولي، الذي وصفه الشيخ الأزهري بالمشعوذ والماسوني وحسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين.

خلال حلقة من برنامج “الحق المبين”، تحدث الشيخ الأزهري عن وثيقة مكتوبة بخط يد عبدالرحمن السندي، مؤسس “التنظيم الخاص” أو “الجناح المسلح داخل الجماعة”، الذي كان يقوم بعمليات القتل والتفجير، تم تدوينها في أكتوبر (تشرين الثاني) من عام 1948، جاء فيها أن هناك لقاء تم بين البنا وكراولي والسندي بأحد فنادق مدينة الإسكندرية، لافتاً إلى أن “كراولي أبدى حبا شديداً للبنا وتحدث عن دور الإخوان المهم في هذه المرحلة”.

ووفق الوثيقة، فقد اصطحب كراولي البنا إلى غرفته ثم نزل ومعه مجموعة من الأوراق. وقال للسندي، إن كراولي هو الشخص الذي تبرع لتأسيس الجماعة، عندما بدأت في الإسماعيلية.

وفي تعليقه على الوثيقة، قال الأزهري، إن هناك “كثيراً من علامات الاستفهام حول لقاء الإخوان بالرجل المحسوب على الماسونية العالمية”، مشيراً إلى التحالفات المريبة والمشبوهة للجماعة منذ تأسيسها.

هل هناك من يؤكد هذا اللقاء أو ينفيه؟

الباحث والكاتب الذي كان يوماً ما عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن ينشق عنها، ثروت الخرباوي، يقول في كتابه “سر المعبد”: “إن البنا تلقى بالفعل تمويلات من جماعات ماسونية، إلى جانب الدعم الذي قدمته له الاستخبارات البريطانية إبان تأسيس الجماعة قبل نحو تسعة عقود”.

غير أنه للموضوعية نقول، إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر نفت نفياً قاطعاً هذا الحديث، ودللت على ذلك بأن “كراولي لم يكن موجوداً في مصر عام 1928، أي وقت تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كما أن الوثيقة المنسوبة إلى السندي، التي لم يعرف عنها أحد منذ وفاة البنا حتى عام 2021، حينما كشف عنها الشيخ الأزهري، بل ربما لم يعرفها أبناء السندي نفسه أو أقرانه أو أصدقاؤه… لماذا لم تكشف خلال هذه السنوات الطويلة، لا سيما أن السندي اختلف مع الإخوان بل اصطدم معهم عام 1953، حتى تم فصله من الجماعة، وأصبح أحد رجالات عبدالناصر، المعروف بعدائه الشديد للإخوان، ووجه لهم ضربة قاسية عام 1962”.

هنا التساؤل: لماذا لم يقدم السندي ما لديه من وثائق مثل هذه ليبرر تنكيل عبدالناصر بالإخوان؟

وفي كل الأحوال، وحتى لو تم نفي هذا اللقاء، فإن هناك خيط رفيع يربط بين كراولي والاستخبارات البريطانية، كرّس البروفيسور الأميركي “ريتشارد سبنس” أستاذ كرسي التاريخ في جامعة إيداهو الأميركية، له وقت طويل من عمله الأكاديمي. وكشف عنه في كتابه “إليتسر كراولي العميل”.

وبالقياس نفسه، فإن هناك خيوطاً ممتدة، وخطوطاً ملتفة حول علاقة البنا مع الاستخبارات البريطانية، وقصة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت هذه قصة أخرى.

كراولي وصحراء سيفار… وحش أم شيطان؟

هل كان كراولي وحشاً شيطانياً في صورة إنسان، وهل امتلك قدرات روحانية سوداء إن جاز التعبير، تحصل عليها من تعاهدات خفية وشراكات سرية، مع أرواح ما بعد كونية؟

المؤكد أن الحقيقة المطلقة لهذا الرجل قد يكون البعض منها كامناً في أضابير أجهزة الاستخبارات العالمية عامة، والبريطانية خاصة.

غير أنه بلا شك كان البشري الوحيد الذي استطاع دخول صحراء سيفار في الجزائر مع نخبة من أصدقائه ومريديه، ومن بينهم من دون أدنى شك، عدد من السحرة والمشعوذين الذين ماتوا جميعهم في داخل تلك المنطقة، بينما هو الوحيد الذي استطاع الخروج سالماً منها، وما من أحد يدرك كيف فعلها، وهو أمر يعد خرقاً عجيباً… لماذا؟

صحراء سيفار، هي كهوف جبلية غير مسكونة، إلا بالجن والأرواح كما يشاع عنها، وتعد أعجوبة العالم الثامنة. ويقول بعض المؤرخين إنها تعود إلى 20 ألف سنة، وداخل كهوفها رسومات منها ما حيَّر العلماء مثل مخلوقات بشرية تطير في السماء مرتدية ما يشبه أجهزة الطيران، وأخرى لنساء ورجال يرتدون ثياباً تشبه ما هو موجود في الزمن الحاضر، وكذلك رجال يرتدون معدات رياضة الغطس، وبعضهم يجر أجساماً أسطوانية غامضة، وكذلك سفناً ورواد فضاء.

على أنه مهما يكن من أمر تلك المنطقة الصحراوية المخيفة، فإن كراولي هو وحده من دخل تلك المدينة وخرج منها، ولاحقاً ترك رسومات مهمة عنها، تكاد تدفع المرء لتصديق نتائج البحث الذي أجراه فريق أوروبي زارها عام 2018، واستطاع تصويرها من فوق فقط، ومن غير مقدرة على دخولها، وخلص التقرير إلى أنها مدينة موجودة قبل مجيء البشر إلى الأرض.

هل كان لكراولي أصدقاء في الداخل كفلوا له الدخول والخروج بأمان، ومن أي جنس أو صنف، روحاني أو جسداني أولئك الأصدقاء؟

المؤكد أن سر هذا الرجل قد ذهب معه نهار الأول من ديسمبر (كانون الأول) 1944، حين وجد ميتاً، ومن حوله زجاجات الخمر والمخدرات، وبعد موته أقام له عبدة الشيطان محفلاً عظيماً، أحرقوا فيه جثته وهم يتلون صلوات مرعبة تمجد إبليس، وإن لم يتم الكشف بصورة واضحة عما فعلوه برماده بعد حرقة.