لا يهدف الدكتاتور من إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية شكلية في مواعيدها إلى انتقال سلس للسلطة، بل يسعى من خلالها لتنفيذ مناورة ذكية تهدف إلى إرسال رسالة مزدوجة لأعدائه وأصدقائه مفادها أن نظامه يحترم القيم الديمقراطية ويتماشى مع الثقافة السياسية المتعارف عليها في العالم اليوم. فإذا قرر إلغاء الانتخابات، فإن ذلك يشير إلى أنه طاغية مخيف قادر على اتخاذ أي خطوة، مهما كانت خطيرة.
في الدول الديمقراطية، يتفاخر المرشحون عادةً بمؤهلاتهم الأكاديمية وإنجازاتهم في سيرهم الذاتية لكسب ثقة المواطنين. أما في الدول التي تتمتع بمناخ ديمقراطي محدود مثل تركيا، فيتم تصنيع سير ذاتية مزيفة وختم شهادات غير حقيقية للمرشحين بهدف تضخيم صورهم المعرفية والعملية. هناك شكوك حول شهادات رجب، تمامًا كما كانت هناك شكوك حول شهادات عمدة إسطنبول. وقد سألت أبا الدهاء عن تفاصيل شهاداته المشكوك فيها، فكتب لي طرحية كاملة. لئلا أخرج عن مسار كافور الشام، يمكنكم الاطلاع عليها في التعليق الأول.
لكن، ما الذي يعنيه عدم تقديم كافور الشام لسيرة ذاتية ولو مزيفة أو مضخمة، كما فعل سيده التركي رجب؟ بل كان يجب أن يقدمها منذ البارحة مع شلة وزراء الغفلة الذين قدموا بالفعل سير ذاتية لا تخلو من الأكاذيب. لقد صرخ صديقه المقرب منذ سنوات، حسن دغيم، مطالبًا بتقديم سيرته الذاتية وكشف حقيقته، حتى أنه شبهه بالعميل الإنجليزي لورنس العرب الذي هدم الدولة العثمانية.
والله، إذا كان حسن دغيم، المقرب منه ونديمه، لا يعرفه، فماذا عن بقية السوريين الذين فوجئوا بظهوره المفاجئ في منصب الرئاسة؟ وما تفسير غياب سيرته الذاتية؟
يمكن الإجابة جزئيًا على هذا السؤال بأن كافور قد عمل مع العديد من المنظمات المتطرفة، وتعامل مع أنظمة مخابراتية ودول، ولم يترك موبقة إلا ارتكبها. كما سُجن في عدة أماكن. وفي كل مرة كان يعيد تقديم نفسه بشخصية مغايرة وينتحل جنسية مختلفة ويتكتم عن شخصيه الحقيقية. لو كان قد قدم سيرة ذاتية ثابتة البارحة مثل باقي أعضاء الحكومة، لكانت فضحت معظم أكاذيبه ومناوراته السابقة وكشفت أفعاله مع كل من عرفع سابقا بمن فبهم المدعو حسن الدغيم، وظهرت تلك الأكاذيب في الإعلام والشوارع كفضيحة كبرى.
لكن في النهاية، نحن أمام شخصية غامضة ومخيفة، لأنها ترفض تقديم نفسها بوضوح، وتتنكر تمامًا للثقافة السياسية والقيم الديمقراطية السائدة اليوم، وحتى للانتخابات الشكلية المتعارف عليها في الدول الشمولية. وبذلك، يتفوق على سلفه بشار من حيث الخطورة على سوريا وشعبها.