إسحق نيوتن مكتشف قانون الجاذبية (غيتي)

ذات مرة تكلم عنه أحد المدركين لأعماله والمقدرين لعبقريته التي غيرت أوضاع الكون فقال “كانت نواميس الطبيعة غامضة، وفي ليل حالك من الجهل إلى أن قال الله (ليكن نيوتن ) ففاضت المعرفة، وأنارت الكون كله”.

هل تجاوز الوصف طبيعة وعقلية هذا العالم الفذ الذي غير حال العالم بصورة غير مسبوقة؟

الشاهد أنه منذ عهد نيوتن، انجلى من أسرار الكون ما يعادل ألف ضعف مما استجلى الإنسان منها من قبل، فقد كتب ذات مرة يقول “لا ينبغي لنا أن نقبل مزيداً من الأشياء الطبيعية غير تلك التي تثبت صحتها والقدر الكافي من تفسير ظهورها”.

هكذا عبر نيوتن عن مكنونات عقله الرافض للمسلمات التي لا تحمل تفسيراً عقلانياً، علمياً ومنطقياً.

تبدو قصة نيوتن مثيرة للتأمل والتفكر، وفيها كثير من النقاط البحثية الجوهرية، التي تتجاوز قصة التفاحة على أهميتها، لا سيما أن المعروف عنه من مخترعاته القليل جداً، مقارنة بما قدمت يداه.

هل كان نيوتن مجرد عالم فيزيائي، أم فقيه ديني مهووس بالكتاب المقدس، ومن خلاله توصل إلى أرقام يمكن أن تحسم نهاية كوكب الأرض؟

ربما كانت هناك صفحات أخرى أكثر إثارة في مسيرته، لا سيما في ظل من يتهمونه بالانتماء إلى جماعات سرية كالماسونية، وبعضهم يدفع بأنه أول من تحدث عن قيام دولة إسرائيل المعاصرة على أرض فلسطين، وعديد من الملفات الساخنة التي نحاول مشاغبتها في هذه القراءة.

في يوم الكريسماس كان مولده

في الـ25 من ديسمبر (كانون الأول) ولد الصبي إيزاك أو إسحق عام 1642، في منزل متواضع في مدينة وولترو، بولاية لانكشير الإنجليزية، وهو العام الذي توفي فيه العالم الكبير غاليليو.

كان والده قد توفي قبل مولده بقليل، ويحكي أنه من نسل السير جون نيوتن.

 بعد ثلاثة أعوام من مولده تزوجت والدته من أحد رجالات الدين، ليعيش إسحاق مع جدته “مسز إسكوف”، غير أن أمه سرعان ما استردته بعد ترملها للمرة الثانية.

هل كانت علائم الصحة والذكاء تبدو على محياه وهو بعد طفل؟

المؤكد أن الأمر لم يمض على هذا النحو بالمرة، ففي أول سنوات عمره ظهر ضعيف البنية بصورة واضحة، ومعتل الصحة بصورة كبيرة، ويبدو أن سبب ذلك هو مولده قبل الموعد الطبيعي، وفي سنوات دراسته الأولى لم تبد منه سمات الطفل الذكي وليس العبقري.

لكن وراء هذا المشهد سبباً مثيراً، إذ كان يلهو بالألعاب ويصنع منها أشياء، وروي عنه أنه لم يكن يحفل كثيراً باللعب مع أقرانه، بل كان ينفرد عنهم ويلهو بالألعاب الميكانيكية وتقليد ما يراه منها.

هل بدأ نيوتن الكتكوت الفصيح في البيضة يصيح مبكراً؟

يبدو أن ذلك كذلك، فقد صنع إسحاق في طفولته وبيديه الصغيرتين، منشاراً وفأساً ومطرقة، بل وسائر أدوات الصناعة بحجم صغير يناسبه.

استطاع الطفل الذي اعتبروه متراجعاً علمياً أن يستخدم تلك الأدوات في صناعة ساعات يديرها الماء المنحدر، فكانت بغاية الانضباط والدقة.

عرف عن الفتى الصغير ولعه بالرسوم والتصوير ونظم الشعر، فانصرف عن الدروس التقليدية بهذه الأفكار التي تمثلت بادئ الأمر في صورة ألعاب، إلى أن تفوق عليه أحد رفاقه في إحدى المنافسات، مما أثار الحماسة في نفسه، وما لبث بعد جهد متواصل أن صار رأس فرقته، والمتقدم بين أقرانه.

من حقل والدته إلى كلية ترينتي

بدا القدر غريباً وعجيباً في مسيرة الفتى إسحق، ففي عمر الـ14، أخرجته والدته برنابا من المدرسة لكي يساعدها في عمل الحقل.

غير أنه كان منشغلاً حتى أذنيه في دراسة أعمال كبار الرياضيين، وبدأ اهتمامه ينصب على دراسة الرياضيات البحتة وعلوم البصريات.

كان من الطبيعي جداً أن يخفق في مساعدة والدته في أعمال الزرع والقلع والحرث والغرس، فقد كانت أمه ترسله إلى سوق مدينة غرانتهام لكي يبيع غلة الحقل، ومعه خادم مسن، فكان يحيل أمر البيع في السوق إلى الخادم، فيما يمضي هو إلى صديقه الصيدلاني كلارك، ليطالع عنده أحدث الكتب التي تتكلم عن العلوم الطبيعية والكيمياء.

على أنه من حسن طالعه أن كان في العائلة قريب، غالباً خاله وليام إيسكوف، أحد قساوسة مدينة بورتون، والعضو في كلية ترينتي (الثالوث)، لكي يساعده على الدخول إلى كمبردج، إحدى أهم جامعات أوروبا والعالم في ذلك الوقت.

كان ذلك عام 1660، وطوال عام كامل أي حتى 1661، لم يكن لإسحق شغل شاغل سوى البحث والنهل من الكتب في كل مجالات الحياة، لا سيما علوم الرياضيات، مما أفاده في الانضمام سريعاً إلى كمبريدج، التي أنهى فيها دراسته عام 1965، ليتخرج بدرجة البكالوريوس في العلوم، ومن فرط ذكائه وتقدمه العلمي تم تعيينه معلماً في الكلية نفسها بعد عامين فقط من تخرجه، أي عام 1976 وهو أمر لم يحدث من قبل.

خلال سنوات الدراسة الجامعية يمكن القطع بأن نيوتن قد قرأ كل ما وقع تحت يديه من كتب ومؤلفات، بل إنه في عمر الـ21 كان قد أرسى كثيراً من النظريات التي زلزلت العلم الحديث.

كان نيوتن يصوغ النظريات سراً، ولم يعلن عنها إلا بعد أن اكتملت تماماً، وبعد أن يجربها ويثبتها ويتأكد أنها صحيحة وأولى نظرياته هي الخاصة بالضوء.

يرفض أن يكون رجل دين

هل كان للأقدار أن تغير من مجرى حياة نيوتن دفعة واحدة؟

ربما كان ذلك كذلك، لو يد علوية وضعت هذا الشاب الباحث في طريق استنارة العالم… ما القصة وكيف سارت الأحداث؟

الثابت أنه حين تم قبول نيوتن في كلية ترينتي جرى ذلك باعتباره “طالباً عاملاً”، وهو نظام كان شائعاً في وقتها، يتضمن دفع الطالب مصاريف أقل من أقرانه على أن يقوم بأعمال مقابل ذلك.

كانت تعاليم كلية ترينتي، وهي واحدة من أقدم وأعرق جامعات إنجلترا، وقد حصد خريجوها نحو 31 جائزة نوبل، تقوم على تعاليم أرسطو، تلك التي أكملها نيوتن بتعاليم الفلاسفة المحدثين، مثل رينيه ديكارت، وعلماء الفلك من أمثال نيكولاي كوبرنيكوس وغاليليو غاليلي ويوهانس كيبلر.

 بدت إضافات إسحاق تمضي قدماً وبسرعة هائلة، ففي عام 1665 اكتشف نيوتن نظرية ذات الحدين العامة، وبدأ في تطوير نظرية رياضية أخرى أصبحت في وقت لاحق حساب التفاضل والتكامل.

وعلى رغم أن الجامعة كانت قد أغلقت أبوابها بسبب تفشي الطاعون في أوروبا في تلك الفترة، إلا أن ذلك لم يعطله، فقد استمرت دراساته في منزله في منطقة وولسثورب، ليطور نظرياته في حسابات التفاضل والتكامل والبصريات وقانون الجاذبية.

بعد عامين من الانقطاع بسبب الطاعون، وتحديداً في عام 1667 عاد نيوتن إلى موقعه العلمي، زميلاً لكلية ترينيتي، غير أن تلك الزمالة كانت تقتضي أن يرتسم أعضاؤها رجال دين، وهو ما كان نيوتن يرجو تجنبه لعدم توافق رؤاه الدينية مع كثير من المعطيات التي كانت سائدة في ذلك الحين.

لحسن حظ نيوتن لم يكن هناك موعد محدد لأداء ذلك الاختبار، وكان يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.

غير أن القضية تعقدت لاحقاً عندما انتخب نيوتن لوظيفة أستاذ لكرسي الرياضيات، فكان لا بد له من الارتسام قساً ليحصل على تلك الوظيفة، إلا أنه تمكن من الحصول على إذن خاص من تشارلز الثاني ملك إنجلترا لاستثنائه من ذلك.

هل كان نيوتن مهرطقاً، رافضاً للإيمان المسيحي كما كان سائداً ومعروفاً في زمانه، أم أنه كان ذا نظرة صوفيه خاصة، جعلته يرتقي ويتسامى فوق كثير من المألوف والمعروف والموصوف، تاريخياً ولاهوتياً؟

لنؤجل الجواب إلى فقرة قادمة، محاولين التوقف مع قصته الشهيرة عن التفاحة والجاذبية الأرضية، وهل كان هو بالفعل أول من فسر سر قانون جاذبية الأرض للأجسام أم أن هناك من سبقه إلى الفكرة عينها، ولاحقاً تم نسب الأمر إليه؟

الجاذبية بين تفاحة نيوتن وجرة دافنشي

لعل الغوص عميقاً في أسرار حياة نيوتن، يكشف لنا عن مقدرة إبداعية غير اعتيادية، فقد استطاع أن يحول الليمون اللاذع إلى شراب حلو المذاق.

حين أغلقت جامعة كامبريدج أبوابها عام 1665، من جراء تفشي وباء الطاعون الدبلي (الموت الأسود)، عاد نيوتن إلى منزله في لينكولن شاير، ومكث هناك لمدة عامين تقريباً، والغريب أنها لم تكن فترة عطالة أو بطالة.

وصف نيوتن تلك الفترة بقوله “كانت بداية عمري في الاختراع”.

خلال تلك الفترة جرت الواقعة التي ستغير مجريات العلوم الفيزيائية على مدى الأزمنة اللاحقة، خلال فترة راحة له في حديقة منزله، إذ سقطت تفاحة عليه، مما دعاه إلى التساؤل عن سبب سقوطها بشكل مستقيم، وليس بشكل جانبي أو حتى ارتفعت إلى الأعلى.

كان نيوتن على معرفة بنظرية الفلكي الدنماركي الشهير تيخو براهي (1546-1601)، عن مسارعة الأجسام الساقطة، فتراءى له أن التفاحة سقطت متسارعة، تراءى له تسارعها على رغم أن سقوطها لم يتجاوز ثانيتين، وهي مدة لا تكفي لملاحظة المسارعة فاستطرد يقول لنفسه “وما الذي جعلها تسقط متسارعة؟ وما القوة التي تهبط الأجسام من أعلى إلى أسفل، من الشجرة ومن الجو ومن رأس الجبل ومن البرج… إلخ. ألا يمكن أن تكون هذه القوة هي القوة نفسها التي تتحكم بالقمر فتجعله يدور من حول الأرض بدلاً من أن يندفع في خط مستقيم وفقاً لما كان معلواًم بالبديهة؟ ألا يمكن أن تكون هذه القوة في الأرض نفسها، قوة تجذب ما حول مركزها إليه؟ ألا يمكن أن تكون القوة نفسها التي تمنع الكواكب السيارة من أن تدور حول الشمس؟”.

رأي نيوتن أن كوكب الأرض يجذب كوكب القمر بالقوة نفسها التي أثرت في التفاحة، وهي القوة التي اختلفت في النسبة العكسية لمربع المسافة التي تفصل الأرض عن القمر. لكن نيوتن لم ينشر شيئاً حول اكتشافه، وسينتظر حتى عام 1687 ليقوم بذلك، ومن هنا كان مولد نظرية الجاذبية الأرضية.

على أن تطوراً استجد على هذه الفكرة التي ملكت عقول كثر حول اكتشاف نيوتن قوانين الجاذبية، ففي فبراير (شباط) الماضي قال علماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أحد أهم المراكز البحثية العلمية في أميركا والعالم، إن ما يسمى “جرة دافنشي”، سبقت تفاحة نيوتن بعقود، وذلك بناءً على مخطوطة أروندل، وهي مجموعة من الأوراق كتبها دافنشي يعود تاريخها في الغالب ما بين 1480 و1518 ميلادية، والتي كتبت ورسمت بخط يده.

ومن خلال جرة وحبيبات رمل ومثلثات تقيس سرعة الدفع والسقوط، خلص الباحثون إلى أن دافنشي جسد الجاذبية بدقة 97 في المئة قبل 200 عام من نيوتن.

ينص قانون نيوتن للجاذبية على أن أي جسم من المادة في الكون يجذب أي جسم آخر بقوة تتغير بصورة مباشرة كناتج للكتل وعكس كمربع المسافة بينهما.

طرح إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في عام 1687، واستخدمه لشرح الحركات المرصودة للكواكب وأقمارها، التي اختصرها يوهانس كيبلر إلى الشكل الرياضي في أوائل القرن الـ17.

وفي كل الأحوال كانت قصة تفاحة نيوتن مدخله لتطوير قوانين الحركة الثلاثة، التي تصف العلاقة بين القوى المؤثرة في الجسم وحركة الجسم، التي صاغها نيوتن أولاً لتشكل أساس الميكانيكا الكلاسيكية.

 

دانييل هوك وخطأ في قوانين نيوتن

على أنه وعلى رغم عظمة نيوتن بين علماء الطبيعة حول العالم، فإن بعض المراجعات الحديثة لا سيما حول قانونه الأول ربما تعطي فكرة مختلفة عن خطأ ما في تلك القوانين… ماذا عن هذا القانون الأول؟

ينص القانون على ما يلي “يظل الجسم على حالته الحركية، إما السكون التام أو الحركة في خط مستقيم بسرعة ثابتة، ما لم تؤثر فيه قوة تغير هذه الحالة”.

غير أنه وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي طلع الفيلسوف الأميركي دانييل هوك، من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، معلناً ما تم اكتشافه حول قوانين نيوتن، وقوله إن هناك أخطاء جرت في ترجمة تلك القوانين، من النص الإنجليزي الأصلي، كما وردت في كتاب “المبادئ اللاتينية”، مشيراً إلى أن هناك عدداً لا يحصى من الأكاديميين والمدرسين ممن بنوا على هذه الترجمة قواعد عدة مثل تفسير قانون نيوتن الأول للقصور الذاتي على أنه يعني أن “الجسم سيستمر في التحرك في خط مستقيم أو سيبقى في حالة سكون ما لم تتدخل قوة خارجية”.

هل نحن أمام قراءة لعالم متهور، أم محاولة لإعادة العلم إلى مبادئه الأساسية؟

يرى البروفيسور هوك أن الفحص الدقيق لكتابات نيوتن الخاصة يوضح ما كان يفكر فيه عالم الرياضيات الرائد في ذلك الوقت.

 ويستفيض هوك بقوله “إذا أخذنا الترجمة السائدة، وهي أن الأجسام تتحرك في خطوط مستقيمة حتى تجبرها قوة على خلاف ذلك، فإن ذلك يثير تساؤلاً: لماذا يكتب نيوتن قانوناً حول الأجسام الخالية من القوى الخارجية، عندما لا يوجد شيء من هذا القبيل في كوننا، عندما تكون الجاذبية والاحتكاك موجودة دائماً؟”.

من هذا المنطلق أعاد هوك صياغة قانون الحركة الأولى من وجهة نظره بحيث يكون “كل تغيير في وضع الجسم من حيث الحركة أو السكون هو ناتج من القوى التي تؤثر فيه”.

هل نحن أمام تغيير كبير مرتقب في العلوم الفيزيائية إن صحت نظرية البروفيسور هوك؟

الشاهد أنه ربما يكون الاختلاف في الترجمة مسألة أكاديمية بحتة، لا سيما أن قانون النسبية الذي وضعه ألبرت أينشتاين تجاوز بالفعل ما وصل إليه إسحاق نيوتن، لكن روبرت دي سال، المؤرخ في مجال الفلسفة والعلوم بجامعة ويسترن الكندية يقول إن “أينشتاين وضع نظريته اعتماداً على قوانين نيوتن، بل إن بعض العلماء اعتمدوا على الترجمة الخاطئة للقانون الأول ليدافعوا بأن هناك تناقضات فلسفية أساسية بين نظريات كل من نيوتن وأينشتاين”.

هل كان نيوتن عالماً أم ساحراً؟

الثابت أنه وحتى الساعة تدور كثير من القصص والروايات حول نيوتن، وما إذا كان عالماً قولاً وفعلاً، أم ساحراً وماسونياً… لماذا هذا التوجه الفكري لجهة العالم الفيزيائي الأول الذي يتخطى أينشتاين في بعض التصنيفات والتوصيفات؟

ربما مرجع الأمر إلى أن نيوتن كان عالم رياضيات وفلكياً وفيزيائياً وخيميائياً وفيلسوفاً، مما جعل هذه الشمولية تخضع لأضواء كاشفة، لا سيما أن مثل هذه العلوم جميعاً لا تتوافر إلا لدى من كان يطلق عليهم “المعلم الأعظم” من جماعة الماسونيين.

هل كان وراء هذا الاتهام طائفة من العوام والدهماء والرعاع؟

المفاجأة أن قائل هذه العبارات وما هو أشد وأقسى منها، هو جون مينارد كينز (1883-1946)، المفكر الاقتصادي الإنجليزي الشهير، الذي اعتبر ذات مرة أن “نيوتن لم يكن أول العلماء، بل كان آخر السحرة الكبار أو العظام”.

وحتى نفهم لماذا قال كينز هذا عن نيوتن، يجب أن نعرف أن الأبحاث السرية التي شغلت نيوتن كانت الخيمياء المحرمة، أو “الكريسبويا”، فبعد وفاة نيوتن باع ابن أخته مخطوطاته، واكتشف كينز الذي اشتراها أنه كان يحلل الحرام في سبيل حصوله على غايته، وأنه عاش مهووساً بالسحر والشعوذة وأن كثيراً من تلك المخطوطات لم تكن تمت إلى العلوم بصلة.

اعتبر كثر أن إسحاق نيوتن هو الساحر الأخير الذي تخبأ في رداء العلم، مما جعل البعض يعيد قراءة أوراقه، واعتباره امتداداً للسحرة البابليين والسومريين، لا سيما أنه عاش حياته محبوساً في تجارب الخيمياء ومزج الفيزياء بالكيمياء، مع علم الأرقام أو “القابالاه”، في طقوس سحرية وممارسات محرمة ليحصل على حجر الفلاسفة.

هل تجمع كل الآراء على توجهات الاقتصادي كينز، أم أن هناك من يرى في نيوتن شخصاً آخر على النقيض تماماً ما روى كينز وأتباعه؟

نيوتن الصوفي المهووس بالدين

كيف يمكن لنيوتن أن يكون ماسونياً، وهو الذي عرف بهوسه بالكتاب المقدس وتعلقه بالفكر الديني والإيماني؟

الحديث عن علاقة نيوتن بالمقدرات الدينية يحتاج إلى قراءة مخصصة قائمة بذاتها، لا سيما أنها تحمل قصصاً مثيرة بعضها موصول بعالم السياسة، كما الحال في توقعاته لقيام دولة إسرائيل، وتحديده موعداً لنهاية محتومة لكوكب الأرض.

لم يكن نيوتن متكالباً على الحياة وملذاتها، فلم يتزوج مطلقاً، وعاش حياته بعيداً من المجتمع، ومن الواضح أن طفولته البائسة جعلت منه إنساناً انطوائياً غريباً غير محبوب، وإن لم يؤثر الأمر على عبقريته التي شهد له بها مئات العلماء بغض النظر عن كلام كينز.

في الأسبوع الثاني من شهر فبراير من عام 2016 قدمت اليونيسكو نحو 7500 مخطوطة من كتابات نيوتن اللاهوتية لمشروع “ذكرى العالم المرموق” إلى المكتبة القومية في إسرائيل.

وقتها صرحت الدكتورة ميلكا ليفي روبن المسؤولة عن المجموعة الإنسانية في المكتبة لقناة “أخبار 24” أن “نيوتن حافظ على هذه المخطوطات كسر، لأنه كان مسيحياً مؤمناً، وكان يخشى من أنه في حال رأى الناس هذه المخطوطات لاعتبروه مهرطقاً”.

في إحدى المخطوطات المكتوبة بخط اليد يحاول نيوتن قياس مساحة الهيكل اليهودي التوراتي من طريق استخدام نصوص توراتية مثل سفر دانيال، كما تظهر مخطوطات أخرى أنه كان صوفياً أو في الأقل معجباً بالصوفية.

وفي مخطوطة أخرى يستخدم نصوصاً من العهد القديم ليحسب أن نهاية العالم لن تحدث قبل عام 2060، غير أن هذا ليس توقعاً مقلقاً كما يبدو، لأن الخبراء يقولون إن نيوتن رأى بهذا التاريخ بداية عهد جديد وليس دمار العالم.

كان هدف نيوتن الأول من خلال الكتاب المقدس هو فهم أسرار التاريخ، وكان يميل إلى الاعتقاد أنه في حال درس هذه الكتابات بصورة عميقة، وبما فيه الكفاية سيتوصل لاستنتاجات حول التاريخ ونهاية التاريخ.

توقع آخر مثير للاهتمام في كتابات نيوتن ومخطوطاته يتعلق بعودة اليهود من شتات العالم، بعد نحو 2000 سنة، وحدد ذلك الموعد بعد موته بـ200 عام، وبهذا يعد من أوائل الأصوات اليمينية الإنجيلية في إنجلترا التي مهدت الطريق إلى وعد بلفور.

من هو نيوتن في آخر المطاف؟ غالب الظن أنه شخصية تحتاج إلى كثير من القراءات المعمقة لسبر أغوارها.