بالتزامن مع انقطاع كامل للتيار الكهربائي في جميع أنحاء سورية مطلع إبريل الجاري، قبل أن يبدأ في العودة تدريجياً إلى مناطق عدّة، عاد الحديث عن التحديات التي تواجه دمشق لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل الكهرباء ومناحي الحياة، والمصادر المتاحة بعد قطع إيران إمدادات الطاقة عقب سقوط حكم الأسد، وسط محاولة تل أبيب تقديم نفسها مُصدّراً للطاقة إلى سورية.
ومثلما تحاول إسرائيل احتواء أي تهديد يأتي من جانب النظام الإسلامي الجديد في سورية، وتقوم بقصف مستمر لقدرات البلاد، تسعى عبر “دبلوماسية الطاقة” لإغراء السوريين بشراء الغاز الإسرائيلي لحلّ مشاكلهم مع الطاقة، مقدمةً للتطبيع، زاعمةً أنّ الحلول التي قدمها رئيس تركيا رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمشكلة الطاقة وانقطاع الكهرباء، لن تحلّ مشكلة دمشق، وأنّ الحل الفعلي لدى تل أبيب و”الغاز الدبلوماسي” الإسرائيلي.
“غاز إسرائيلي” باسم مصر والأردن
في هذا الشأن أشار الكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري، في تحليل بصحيفة “معاريف” يوم 30 مارس 2025، إلى هذا الحلم الإسرائيلي الخاصّ بتوريد الغاز إلى النظام الجديد في سورية، باعتباره “ورقةً استراتيجية” لاستغلال حاجة النظام في سورية للطاقة، ضمن “دبلوماسية الطاقة”، زاعماً أنه لا حل أمام سورية سوى استيراد الغاز من إسرائيل.
لكنّه كشف عن خطة مختلفة لتوصيل الغاز إلى سورية عبر مصر والأردن، مؤكداً أن هذا الغاز الذي سيجري توصيله إلى سورية، سيبدو كأنه قادم من مصر والأردن عبر “خط الغاز العربي”، بينما هو في الحقيقة “غاز إسرائيلي” يجري ضخّه إلى الأردن ومن هناك إلى مصر، وسيجري ضخّه إلى أنبوب الغاز العربي، ومن هناك شمالاً إلى سورية، ليبدو رسمياً، كأنه “غاز أردني مصري”، بينما هو عملياً، غاز إسرائيلي.
ويؤكد “سيمون هندرسون”، الخبير في شؤون الطاقة والخليج العربي بـ”معهد واشنطن”، في تحليل نُشر بتاريخ 24 فبراير 2025، أن حل مشكلة أزمة الكهرباء في سورية سيكون “إسرائيلياً”، وأوضح أن هناك حلولاً مطروحة لاستخدام سفن طاقة عائمة في مينائَي بانياس وطرطوس على البحر الأبيض المتوسط، تولد كل منها حوالى 400 ميغاواط من الطاقة، أي ما يعادل إنتاج محطة طاقة متوسطة الحجم، وستموّلها قطر وتركيا.
إلّا أن ربط السفن بالشبكة السورية سيستغرق شهوراً عدّة، لذا ستظل هناك حاجة إلى تدابير مؤقتة قصيرة الأجل، كما أن كمية الكهرباء التي يمكن أن تصل إلى دمشق (على بُعد حوالى 160 كيلومتراً) غير مؤكدة نظراً للأضرار التي لحقت بخطوط الكهرباء المحلية، لذا فالحلُّ “إسرائيليٌ” وفق زعمه.
متجر في سوق مغطى بمدينة حمص، 4 يناير 2025 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
طاقة
سورية: نحتاج 23 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لتوفير الكهرباء
أوضح أن الأردن لا يبعد سوى سبعين ميلاً عن دمشق، وهناك خططٌ راسخةٌ لإنشاء بنية تحتية للكهرباء وشبكة لأنابيب الغاز تمتد إلى العاصمة وما وراءها، وهناك حالياً خط الأنابيب الرئيسي الواصل بين الشمال والجنوب (خط الغاز العربي) (AGP) الذي نشأ عام 2003، لنقل الإمدادات المصرية إلى الأردن، ثم إلى سورية ولبنان وتركيا، لكنه أصبح حالياً خطاً إسرائيلياً يزوّد مصر بالغاز، ويمكن استغلاله لتوصيل الغاز إلى سورية أيضاً عبر مصر والأردن، وتتولى دول الخليج، مثل السعودية وقطر والإمارات، دفع التكاليف.
لذا؛ يؤكد سيمون هندرسون، أنه “سواء أطلقت السلطات في سورية عليه اسم “الغاز المصري” أو “الغاز الأردني”، فإنّ الحقيقة البسيطة هي أن الإمدادات البحرية الإسرائيلية يمكن أن تساعد في سدّ النقص الكبير في الطاقة في سورية إذا جرى التوصل إلى الترتيبات اللازمة”.
دبلوماسية الطاقة
ويزعم المحلل الاقتصادي الإسرائيلي ميخائيل هراري، أنّ دولة الاحتلال تمتلك ورقة استراتيجية قادرة على إعادة النظام إلى سورية، بهذا الغاز الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّه “لا أردوغان ولا بوتين” لديهما هذا التأثير المحتمل، مقارنة بإمكانية “إسرائيل” في لعب دور محوري من خلال “دبلوماسية الطاقة”.
وأشار هراري، في مقال نشره بصحيفة “معاريف” العبرية، إلى أنّ الحكومة السورية الجديدة تبذل جهوداً مكثفة لتوسيع سيطرتها، لكنْ تواجهها تحدياتٌ كبيرة أبرزُها هشاشة البنية التحتية في قطاع الطاقة، “وقدرتها على ضمان توفير إمدادات الكهرباء منتظمة لأكثر من بضع ساعات في اليوم”.
وأكّد أن الخيارات المتاحة أمام دمشق محدودة، موضحاً أنه “رغم وجود اتفاق مع الأكراد الذين يسيطرون على حقول النفط في شمال شرق البلاد لتزويد الحكومة بالنفط، فإنّ التفاصيل غير واضحة ولن يحل ذلك مشكلة تفاقم أزمة الطاقة.
وأشار هراري إلى أنّ الأردن يمتلك مصلحة واضحة في استقرار سورية، وحصل على إذن من الولايات المتحدة لتزويد دمشق بـ250 ميغاواط من الكهرباء، وسيكون نقل الغاز الإسرائيلي عبر الأردن ومصر مكسباً للسوريين وإسرائيل بالطبع، وفق زعمه.
بنيامين نتنياهو خلال افتتاح منصة غاز في حقل ليفياثان في البحر المتوسط، 31 يناير 2019 (فرانس برس)
اقتصاد عربي
غذاء مصر ومواد بنائها للاحتلال الإسرائيلي مقابل الغاز المنهوب
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة “رويترز” في 13 مارس 2025، ستموّل دول خليجية شراء الغاز المُسال لصالح سورية، وسيُورّد عبر ميناء العقبة في الأردن، وهي خطوة حصلت على موافقة البيت الأبيض الأميركي.
لكن المشكلة تكمن في أن تدفق الغاز عبر أنبوب الخط العربي يجري باتجاه واحد فحسب، من الشمال إلى الجنوب، إذ إنّ طبيعة البنية التحتية لخطوط الأنابيب في الأردن ستؤدي إلى توجيه الغاز نحو مصر، وبالتالي فإنّ مصدر الغاز الذي سيصل إلى سورية سيكون في الواقع من إسرائيل، وأشارت الوكالة إلى أنّ هذا يعني أن الغاز الإسرائيلي قد يجد طريقه إلى دمشق، وربما في المستقبل إلى لبنان أيضاً.
نفط الأكراد لا يكفي
وقال محللون اقتصاديون لوكالة “أسوشييتد برس”، في 28 مارس الماضي، إنّ نحو 85% من إنتاج سورية النفطي يتركز في المناطق الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، وحقول النفط تضرّرت بشدة جراء الصراع طوال الفترة الماضية، ما يجعل الاعتماد عليها وحدها لتوفير الطاقة اللازمة أمراً صعباً.
وكانت سورية تصدر النفط الخام من هذه الأبار مقابل النفط المكرّر لتعزيز الإنتاج المحلي، لكنّ هذه الحقول النفطية تضرّرت بشدة حين سقطت في أيدي تنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017، ثم سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بقيادة الأكراد، بدعم من واشنطن، على حقول النفط، بعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية في دمشق.
ووقعت حكومة دمشق اتفاقاً مع الإدارة الذاتية (الكردية) لتزويد سورية بنحو 15 ألف برميل (من النفط الخام)، ومليون متر مكعب من الغاز للاستخدام المنزلي والاحتياجات الأساسية، بعد أقل من شهر على توقيع اتفاق بين قائد “قسد” والرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل دمج القوات الكردية ضمن الجيش السوري الجديد، لكنّ خبراء يرون أن هذا لا يكفي لحل أزمة الطاقة في سورية.
وتعاني سورية نقصاً حاداً في الكهرباء، إذ لا تتوفر الكهرباء الحكومية إلّا لساعتين أو ثلاث ساعات يومياً في معظم المناطق بسبب تضرر شبكة الكهرباء ونقص الطاقة معاً.
وكانت دمشق تحصل على الجزء الأكبر من نفطها لتوليد الطاقة من إيران، لكنّ الإمدادات انقطعت منذ أن قادت هيئة تحرير الشام الإسلامية عملية إطاحة الرئيس المخلوع بشار الأسد، المتحالف مع طهران في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
google newsتابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News