ثار الكثير من الجدل حول إبلاغ واشنطن البعثة السورية في نيويورك من خلال الأمم المتحدة بتغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة، إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة. وذهب البعض بأن هذا القرار بروتوكولي وغير مرتبط بالموقف الأميركي من سورية، فيما يرى آخرون أن تطمينات وزارة الخارجية التي اعتبرت أن هذا الإجراء تقني وإداري بحت يرتبط بالبعثة السابقة ولا يعكس أي تغيير سياسي، غير كافية.
وفي السياق، يقول المحلل السياسي وائل علوان إن الموقف الأميركي حول وضع البعثة في الأمم المتحدة أحدث جدلاً كبيراً فيما إذا كان هذا القرار ذا طابع بروتوكولي أو أنه يعكس موقفاً سياسياً، معتقداً أن القرار يحمل الأمرين معاً. وأوضح علوان أنه من حيث الصياغة الإعلامية التي صدر بها فهو يحمل خلفية سياسية واستفزازاً سياسياً، وربما لا يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة لن تعترف بالحكومة الجديدة، ولكنها تحاول أن تشكل ضغطاً لأن الاعتراف الأميركي هو اعتراف مشروط، فالولايات المتحدة تريد أن تعترف بالحكومة الجديدة شرط الالتزام بالشروط والضغوط التي تضعها عليها.
ومن جانب آخر، يرى المحلل السوري أن هذا الإجراء طبيعي جداً، على اعتبار أن هذه البعثة موضوعة من قبل النظام السابق الذي فقد شرعيته بشكل كامل، وينسحب ذلك على ممثليه بطبيعة الحال، وبالتالي هناك إجراء بروتوكولي ستذهب له الحكومة الجديدة مع كل البعثات الدبلوماسية في العالم وهو إعادة التكليف، سواء إعادة التكليف والاعتماد لهذه البعثات الموجودة وهذا الأمر مستبعد، أو لجزء منها واستبدال الجزء الآخر، أو استبدالها بشكل كامل.
وتابع: “وبكل الحالات فإن بعض الدول تتفهم طبيعة الانتقال السياسي وتنتظر”، مشيراً إلى أن ذلك يعني أن الحكومة اليوم أمام جملة استحقاقات متتالية لم يكن استبدال البعثات الدبلوماسية في مقدمتها، متابعاً: “وبرأيي فإن هذا الإجراء لا ينعكس على الموقف الأميركي بشكل معمق من الحكومة السورية”.
وأكد أنه يجب على الحكومة اليوم أن تحاور الولايات المتحدة لاستبدال البعثة القديمة وإقرار بعثة جديدة، معتبراً أن الوقف الأميركي لم يتراجع وإنما يتقدم خطوة بعد أخرى ضمن الشروط التي وضعتها واشنطن، ولكن مع هذا التقدم ما زال هناك خطوات كثيرة للوصول إلى الاعتراف الكامل.
يجب على الحكومة اليوم أن تحاور الولايات المتحدة لاستبدال البعثة القديمة وإقرار بعثة جديدة
وأشار علوان إلى أن كل الدول تنتظر الإجراءات البروتوكولية لاستبدال البعثات الدبلوماسية أو إقرارها من الحكومة الجديدة، ولكن لا يتوقع أن يكون هناك استخدام سياسي للأمر من بقية الدول كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية. وشدد على ضرورة أن تلتزم سورية بالشروط الأميركية التي تعد سهلة وهي تتقاطع في كثير منها مع ما يناسب الحكومة السورية الجديدة.
وتحدث المحلل السوري عن هذه الشروط وهي “عدم إعادة إيران إلى سورية، وإنهاء الاتجار بالمخدرات ومكافحته بشكل كامل وأن تكون سورية مصدراً للطمأنينة وليس إقلاقاً لدول الجوار وتسليم الأسلحة الكيميائية بشكل كامل والمساعدة في الكشف عن المعتقلين الأميركيين وأن تشرك الحكومة كافة مكونات الشعب السوري في كل التشكيلات والقرارات، إذاً تحتاج واشنطن إلى أن ترى تلك الإجراءات على الأرض وليس فقط عن طريق التطمينات”.
تصعيد دبلوماسي مدروس؟
من جهته، يعتبر الباحث السياسي المعتصم الكيلاني في تصريح لـ “العربي الجديد”، أن تغيير الولايات المتحدة لوضع بعثة سورية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليس مجرد إجراء إداري، بل يعكس تصعيداً دبلوماسياً مدروساً. وأضاف الكيلاني أن القرار جاء بعد مراجعة أمنية شاملة أطلقتها وزارة الأمن الداخلي الأميركية تجاه دول “عالية الخطورة”، حيث أوصت بوضع سورية على “القائمة الحمراء”.
وأوضح أنه رغم استثناء البعثة السورية احتراماً لاتفاقية المقر لعام 1947، إلا أن تغيير نوع التأشيرات من G1 إلى G3 يعبر عن عدم اعتراف سياسي، خاصة أن اللجنة المختصة اعتبرت أن “الحكومة السورية الانتقالية” مرتبطة بجماعات مصنفة إرهابية (مثل هيئة تحرير الشام)، مما زاد من تعقيد الموقف الأميركي تجاه الحكومة السورية، ونوعاً من ضغط واشنطن على الحكومة الجديدة لتطبيق مطالبها بمن فيهم المقاتلون الأجانب، معتقداً أن هذا القرار يعني عملياً عدم اعتراف أميركي رسمي بالحكومة السورية الانتقالية. ولفت إلى أنه قد شملت تداعيات القرار الفورية سحب الحصانة الدبلوماسية، وتقييد الدخول إلى بعض مباني الأمم المتحدة، كما ويعني الحد من حرية الحركة والمشاركة بالفعاليات والاجتماعات الرسمية، كما يفتح ذلك الباب لاحتمال تعرض أعضاء البعثة لملاحقات قانونية، بما يتعارض مع الحصانات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946.
وحول الأسباب التي دعت إلى ذلك، يرى الكيلاني أنه يوجد ثلاثة أسباب، الأول تقني–إداري، ويتمثل بفشل الحكومة السورية في إرسال مذكرة رسمية إلى الأمم المتحدة تحدد هوية البعثة الجديدة وممثليها الشرعيين بعد الانتقال السياسي، مما خلق فراغاً قانونياً استغلته الولايات المتحدة.
أما السبب الثالث حسب الباحث السوري فهو سياسي–أمني متعلق بتقارير أمنية أميركية ربطت الحكومة السورية الانتقالية بجماعات مصنفة إرهابية مسبقاً لديها، ما دفع واشنطن لرفض الاعتراف بها بشكل رسمي، فيما لم يخرج السبب الثاني عن كونه استفزازيا مرتبطا بالخضوع لشروط ومتطلبات الولايات المتحدة الأميركية بمن فيهم المقاتلون الأجانب، متطرقاً إلى تطاول الاحتلال الإسرائيلي وتدخلاته في سورية أيضاً والعلاقات مع الحلفاء للسلطة الجديدة.
ورأى أن “هذا الإخفاق المركب أعطى ذريعة قانونية للولايات المتحدة لاتخاذ هذا الإجراء”. واستبعد الكيلاني وجود مؤشرات على توجه دول أخرى للسير بذات المسار. فالوضع القانوني لسورية داخل الأمم المتحدة لم يتغير بعد، والولايات المتحدة اتخذت هذه الخطوة منفردة بناءً على سياستها الداخلية. ومع ذلك، قد تتبعها دول أوروبية وغربية حليفة في حال زادت الأدلة الأمنية والسياسية على ارتباط الحكومة الانتقالية بجماعات إرهابية، مثلما حدث سابقًا مع فنزويلا وأفغانستان.