ملخص
وضع اتفاق غزة ويتكوف في خريطة المفاوضات في الشرق الأوسط، إذ ساهم حتى قبل توليه منصبه كمبعوث للمنطقة في الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، لكن هذه المرة يحمل ويتكوف ملفاً أكثر تعقيداً وهو التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.
قبل يناير (كانون الثاني) 2025، كان ستيف ويتكوف رجلاً غامضاً في الأوساط السياسية واليوم يتصدر العناوين باعتباره مبعوث الظل ورجل دونالد ترمب الشرس في الشرق الأوسط، الذي قاد جهود اتفاق غزة في أوائل العام الحالي، وسيقود المفاوضات مع إيران المقرر انعقادها في سلطنة عمان السبت المقبل، فمن هو ويتكوف، ولماذا يثق به الرئيس الأميركي لدرجة تكليفه بثلاث ملفات حساسة، وهي التفاوض مع روسيا حول إنهاء الحرب الأوكرانية وإيران حول برنامجها النووي، وإسرائيل حول حرب غزة.
أسلوب حاسم تجلى في غزة
وضع اتفاق غزة الذي أبرم في 15 يناير الماضي ويتكوف في خريطة المفاوضات في الشرق الأوسط، إذ ساهم حتى قبل توليه منصبه كمبعوث للمنطقة في الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار بوساطة من إدارة جو بايدن وتنسيق مع فريق ترمب الانتقالي. لكن هذه المرة يحمل ويتكوف ملفاً أكثر تعقيداً وهو التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، الملف نفسه الذي أدخل إدارة بايدن في مفاوضات ماراثونية لم تثمر عن شيء.
يقول عنه سمسار العقارات المخضرم بوب كناكال “ويتكوف يحسن رؤية الأشياء التي لا يراها الآخرون”.
وتقدم مفاوضات غزة لمحة على أسلوب ويتكوف الحاسم، الذي يأمل ترمب أن ينعكس على نتيجة التفاوض مع طهران، فبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يماطل ويتلاعب بإدارة بايدن، أرسل ترمب ويتكوف إلى إسرائيل في يوم السبت 11 يناير الماضي ليوصل رسالة مباشرة وصارمة إلى نتنياهو: “أوقف الحرب أو سنحزم حقائبنا ونرحل”. ونادراً ما عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعات رسمية في يوم الراحة اليهودي، إلا أن نتنياهو لم يؤجل لقاء ويتكوف، بل كان متوجسّاً من نوايا ترمب الذي هدد بـ”الجحيم” إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن، وأفاد مسؤول عمل عن كثب مع رئيس الوزراء بأن نتنياهو فهم أن رسالة “الجحيم” موجهة إليه كما هي إلى “حماس”، وفقاً لما نقله الباحث الأميركي المقرب من الدوائر الإسرائيلية ديفيد ماكوفسكي.
وبعد اجتماع نتنياهو – ويتكوف بأيام وُلد اتفاق غزة الذي طال انتظاره، وفي الوقت نفسه، عرفت المنطقة مبعوثاً جديداً يلتقي مع ترمب في شهيته المفتوحة على إبرام الصفقات.
ومع ذلك، تفيد آخر المؤشرات بأن مهمة ويتكوف لعقد صفقة مع إيران لن تكون بتلك السهولة، فحتى الآن يصّر البيت الأبيض على أن تكون المفاوضات مباشرة رغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يقول إنها “غير مباشرة”. وأفادت “واشنطن بوست” أن المبعوث الأميركي قد يتراجع عن السفر إلى عمان إذا لم تكن المحادثات مباشرة، إلا أنها أشارت أيضاً إلى أن ويتكوف لن يمانع السفر إلى طهران إذا تلقى دعوة لزيارتها، وفق مسؤولين أميركيين، مما يظهر جدّية إدارة ترمب ورغبتها في حسم الملف النووي بأسرع وقت ممكن.
المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف (أف ب)
رفيق الغولف ومحاولة الاغتيال
ويتكوف (67 سنة) ليس اسماً مجهولاً في تجارة العقارات في أميركا. ولد في مدنية برونكس في نيويورك، وأسس منها إمبراطورية عقارية امتدت إلى ميامي ولوس أنجليس ولاس فيغاس. حصل ابن صانع معاطف السيدات على درجتي البكالوريوس والدكتوراه في القانون من جامعة هوفسترا. ويقول عنه سمسار العقارات المخضرم بوب كناكال “ويتكوف يحسن رؤية الأشياء التي لا يراها الآخرون”.
لكن عندما كلف ترمب صديقه الملياردير بالسفر إلى إسرائيل، لم يكن المسؤولون الإسرائيليون على دراية كبيرة بشخصيته، على رغم صلاته العميقة بالمجتمع اليهودي الأميركي. والأرجح أن البعض استهان بقدرته على إحداث تغيير ملموس في الموقف الإسرائيلي، كما أشار مسؤول إسرائيلي سابق إلى خبرته الدبلوماسية المتواضعة قائلاً إنه “مجرد رجل أرسله ترمب”. ومنذ إعلان المفاوضات مع إيران، يشكك بعض المحللين في مراكز أبحاث أميركية مقرّبة من إسرائيل في قدرة ويتكوف على إبرام اتفاق ناجح مع إيران.
وحافظ ترمب وويتكوف على صداقة وثيقة منذ أوائل التسعينيات إبان نشاطهما في تجارة العقارات في نيويورك، فعندما كان ترمب يكافح الإفلاس في كازينوهات أتلانتيك سيتي، كان ويتكوف يستحوذ على مباني الشركات المتعثرة في مانهاتن. وبدأت العلاقة في أحد مطاعم نيويورك في عام 1986 بعد أن عملا معاً على صفقة، ويستذكر ويتكوف اللقاء قائلاً “لم يكن ترمب يحمل نقوداً، فطلبت له لحم خنزير وجبناً سويسرياً”، وبعد نحو 7 سنوات التقيا وتذكر ترمب “حادثة الساندويتش” وظلا صديقين منذ ذلك الحين.
وقدم رجل الأعمال المشورة لترمب بشأن ضرائبه عندما كان رئيساً، وكان أول شاهد يستدعيه محامو ترمب في قضية الاحتيال التي رفعها المدعي العام في نيويورك في مانهاتن في نوفمبر (تشرين الثاني) والتي بلغت قيمتها 250 مليون دولار.
وأثناء محاولة اغتيال ترمب في ملعب الغولف في ميامي في سبتمبر (أيلول)، كان ويتكوف أحد مرافقيه. ومثل جيسون غرينبلات الذي شغل منصب المبعوث إلى الشرق الأوسط في عهد ترمب، لا يملك ويتكوف خبرة دبلوماسية بالمنطقة، ويشبه في ذلك أيضاً جاريد كوشنر الذي لعب دوراً بارزاً في التوسط لاتفاقات أبراهام.
يقول المحامي جون ميكانيك الذي مثل ويتكوف في صفقات عديدة إن “الرئيس المنتخب يثق فيه كصانع صفقات ومفاوض” يحاول إيجاد أسباب لإقناع الأشخاص الذين يختلف معهم بحل مرضٍ للطرفين. ووصفه بأنه “شخص دمث”، ويملك بعض صفات رجل المبيعات نفسها التي يتمتع بها ترمب”.
ويضيف، “إنه رجل عقارات مبدع للغاية، يحسن إدارة المعاملات التجارية ويجد الفرصة ويصلح ما هو مكسور، ثم يخلق القيمة. يبيعها وينتقل إلى الشيء التالي بدلاً من الاحتفاظ بها لمدة 50 عاماً”. وهذا على النقيض من ترمب، الذي يفضل الاحتفاظ بممتلكاته لعقود، بما فيها الأبراج التي تحمل اسمه.
ترمب وستيف ويتكوف (ا ف ب)
يحب أفلام العراب
قبل الاستثمار في العقار، عمل ويتكوف في شركة المحاماة العقارية في نيويورك “دراير أند تراوب”، التي كان ترمب أحد عملائها. ويستذكر عمله مع أباطرة العقارات الذين تعاقدوا مع الشركة: “كنت أمثل هؤلاء الرجال المتهورين كل يوم”، معبراً عن إعجابه بهم، “كنت أعتبرهم مثل نجوم موسيقى الروك”. وتحدث عن هذه المرحلة من حياته في مقابلة عام 2017 قائلاً إنه كان يرتدي “ياقات مهترئة” و”بدلات مو جينسبيرغ”، في إشارة إلى متجر قديم للملابس الرجالية المخفضة في مانهاتن.
أسس ويتكوف وشريكه لورانس غلوك في عام 1985 شركة “ستيلار مانجمنت” في خضم ازدهار وول ستريت وسوق العقارات في نيويورك. واشتريا شققاً سكنية في نيويورك تكلف بضع مئات الآلاف من الدولارات في هارلم وواشنطن هايتس وبرونكس. ثم أسس مجموعة ويتكوف في عام 1997، وبدأ بالاستثمار في العقارات الفاخرة والشهيرة.
وفي 1998 خصصت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً عنه، وصوّرته “كمضارب مفرط في التوسع، يحب أفلام العراب ويحمل مسدساً مرخصاً أسفل قدمه”.
لعب ويتكوف دوراً سياسياً في الظل لدعم حملة ترمب وتعضيد علاقتها مع مجتمع الأعمال اليهودي (ا ف ب)
وعلى رغم أن ترمب وويتكوف لم يشتركا في أي صفقات عقارية، إلا أنهما يستثمران في منصة World Liberty Financial للعملات المشفرة التي يستفيد ترمب من 75 في المئة من عائداتها في حين يحصل ويتكوف على نسبة 12.5 في المئة. ومنذ إطلاق المنصة في أكتوبر، باعت المنصة ما قيمته 20 مليون دولار فقط من العملات، من أصل 300 مليون دولار تستهدفها المنصة.
توطيد علاقة ترمب مع اليهود
قبل تكليفه بالمنصب الجديد، لعب ويتكوف دوراً سياسياً في الظل لدعم حملة ترمب وتعضيد علاقتها مع مجتمع الأعمال اليهودي. وكان تأثير هذه الجهود بالغاً بعد هجوم 7 أكتوبر. وبعدما أوقف الرئيس جون بايدن إمداد إسرائيل ببعض شحنات الأسلحة. ولطالما امتعض ترمب من عدم تصويت اليهود له على رغم أنه داعم صلب لإسرائيل.
وقال في حديث مع صحيفة The Bulwark في مايو الماضي إنه استطاع تأمين تبرعات كبرى مكونة من ستة وسبعة أرقام لحملة ترمب من متبرعين يهود، واصفاً ذلك بـ”التحول الملحوظ”.
وقدم الملياردير الأميركي تبرعات سخية بلغت أكثر من مليوني دولار لمجموعات العمل السياسي التابعة لترمب، ولكنه تبرع أيضاً بمبلغ كبير لمنافسه في انتخابات الحزب الجمهوري رون دي سانتيس وأقام حملة لجمع التبرعات له في منزله في ميامي في عام 2021 عندما كان حاكم فلوريدا يستعد لمعركة أولية ضد ترمب، وفق مجلة “بوليتيكو”.