في خضم مفاوضات بين اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة من جهة، والأمن العام وقوات وزارة الدفاع السورية من جهة أخرى، شهدت الأحداث في محافظة درعا، جنوبي سورية، منعطفاً خطيراً، إذ قُتل القيادي العسكري بلال الدروبي متأثراً بإصابته جرّاء إطلاق نار قبل يومين من عناصر تابعين للّواء الثامن. وقبل ساعات من مقتل الدروبي، بدت الأمور متجهة نحو حلّ وسط بوساطة وجهاء من درعا وهيئة إصلاح حوران، إذ توصلت الأطراف إلى اتفاق يقضي بدخول قوات الأمن العام إلى بصرى الشام جزئياً، وأن يسلم اللواء الثامن أسلحته الخفيفة والمتوسطة، بما في ذلك الرشاشات والقاذفات، لكن الجدل ظل قائماً حول مصير الأسلحة الثقيلة، مثل المدافع المضادة للدروع والهاونات، والصواريخ التي يملكها اللواء ويعتبرها ضمانة أساسية لبقائه. وكشفت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” أن أحمد العودة طالب بضمانات بعدم ملاحقة عناصره قضائياً، وبتعويضات مالية مقابل تسليم السلاح الثقيل، إلّا أن مقتل الدروبي الذي تحوّل إلى “شهيد” في الرواية الرسمية قد يقلب الطاولة على هذه التسويات.
اللواء الثامن في قلب التطورات
وقال مصدر في مدينة بصرى الشام لـ”العربي الجديد” إنّ المفاوضات جاءت بعد ساعات من التوتر العسكري والأمني الذي شهده الريف الشرقي لدرعا، أمس الأول الجمعة، إذ انتشرت تعزيزات عسكرية حكومية، فيما رد اللواء الثامن بحشد قواته داخل بصرى الشام، إلّا أن الأمور سارت بسلاسة، عدا مواجهة واحدة جرت في بلدة الجيزة، ناتجة عن التوتر، ولم تسفر عن شيء. وأشار المصدر إلى أن قوات الأمن العام ووزارة الدفاع دخلت قرى وبلدات عدّة في الريف الشرقي لدرعا، منها صيدا والجيزة والسهوة والمسيفرة، وطالبت التابعين للواء الثامن بتسليم أسلحتهم للأمن العام، وأشار إلى أن تسليم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة جرى بسلاسة، مضيفاً أنّ المفاوضات تجري وجهاً لوجه ومباشرةً بين العودة والأطراف الحكومية، وأن المفاوضات لا تزال جارية على تسليم السلاح الثقيل.
وبدأت الأزمة مساء الخميس، عندما تعرّض الدروبي، الذي كان قد أجرى تسوية أمنية مع الحكومة السورية أخيراً، لمحاولة اعتقال في بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي. وتعرّضت سيارته لإطلاق نار كثيف من عناصر مسلحة، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة في الصدر والبطن، بالإضافة إلى إصابة شقيقه وزوج أخته اللذين كانا برفقته. ونُقل إلى مستشفى بصرى الميداني، ثم أُجريت له عملية عاجلة في مستشفى الكرامة بمدينة درعا، لكنّ حالته تدهورت بسبب فقدان كميات كبيرة من الدم، ليفارق الحياة فجر أمس السبت. الحادثة لم تكن عابرة، بل جاءت في سياق صراع خفي على النفوذ بين اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، الذي يُهيمن على بصرى الشام منذ سنوات، وبين وزارة الدفاع السورية التي تسعى إلى فرض سيطرتها الكاملة على الجنوب. وأفادت مصادر مطلعة على نشاطات الدروبي لـ”العربي الجديد” بأنّ الدروبي كان يُحاول تشكيل قوة أمنية محلية تابعة مباشرة لوزارة الدفاع، وهو ما اعتبره اللواء الثامن “تعدياً صارخاً” على نفوذه الحصري في المنطقة.
ويُمثّل اللواء الثامن أحد أكثر التشكيلات العسكرية تعقيداً في المشهد السوري. وتأسس عام 2012 تحت مسمى “لواء شباب السنّة”، بوصفه مجموعةً محليةً لحماية المتظاهرين في درعا، ثم تحوّل إلى فصيل مسلح رئيسي ضمن “الجبهة الجنوبية” للجيش الحر، وقاتل لسنوات ضد قوات النظام، قبل أن يوقّع على اتفاق التسوية بوساطة روسية عام 2018، ليُعاد تنظيمه تحت مظلة “الفيلق الخامس” المدعوم من موسكو، ثم انتقلت تبعيته لاحقاً إلى الفرع 265 التابع للأمن العسكري السوري، لكنّ اللواء حافظ على استقلالية كبيرة بقيادة أحمد العودة، الذي يُعتبر أحد أبرز أمراء الحرب في سورية.
ويسيطر اللواء على مساحة شاسعة تمتد من بصرى الشام حتى أطراف مدينة درعا، ويضم قرابة 1200 عنصر، معظمهم من أبناء العشائر المحلية، يُشار إلى أن العودة نفسه نجا من محاولتَي اغتيال سابقتَين، إحداهما عام 2016 عندما حاول الدروبي نفسه حسب مصادر محلية تنظيم انقلاب ضدّه بدعم من فصائل منافسة، ويعود التوتر بين اللواء الثامن ووزارة الدفاع إلى رفض العودة الاندماج الكامل في الجيش الجديد، مفضلاً الاحتفاظ بسلطته المحلية. وكانت وزارة الدفاع قد أعلنت في فبراير/شباط الماضي أن مئة فصيلٍ وافقوا على الاندماج، لكن العودة ظل متردداً، مطالباً بضمانات حول الرتب العسكرية والنطاق الجغرافي لعمل قواته، ويقف اللواء الثامن عند مفترق طرق وجودي؛ فمن ناحية يُدرك قادته أن مقتل الدروبي قد يُستخدم ذريعة لحملة أمنية واسعة ضدهم، خصوصاً مع تصاعد الخطاب الرسمي السوري الذي يُحمّلهم المسؤولية، ومن ناحية أخرى فإن أي خطوة لتفكيك اللواء دون ضمانات قد تُشعل انتفاضة عشائرية يصعب احتواؤها.
العمل على احتواء مؤقت
في هذا الإطار، يطرح المراقبون سيناريوهات رئيسية، أولها الاحتواء المؤقت عبر اتفاق جديد يُحافظ على وجود رمزي للواء الثامن مع تسليم تدريجي للسلاح الثقيل، مقابل عفو محدود وعودة الرواتب المقطوعة، أما السيناريو الثاني والأصعب فهو المواجهة العسكرية في حال قرّرت دمشق استغلال الحدث لفرض سيطرتها الكاملة، ما قد يُؤدي إلى معارك ممتدة في الريف الشرقي، وقد تحدد الساعات القادمة مصير درعا للمرحلة المقبلة، إمّا أن تشهد عودة الهدوء المؤقت عبر صفقة جديدة، أو أن تتحوّل إلى ساحة نزاع مفتوحة تُعيد إنتاج أشباح 2011.
ورأى أحد النشطاء في درعا، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن إسرائيل تعتبر الجنوب السوري منطقة حيوية لأمنها القومي. ومع نزع السلاح من أيدي المواطنين في درعا، ستزداد فرصها في تعزيز توغلها العسكري من دون مواجهة مقاومة شعبية أو عسكرية فاعلة، وأضاف أنه من دون أسلحة، لن يتمكن الأهالي من مواجهة التعديات الإسرائيلية، لكنه لفت إلى أن إسرائيل ليست في موقف المُهيمن تماماً، وأن تفكيك اللواء الثامن قد يفتح الباب أمام صعود فصائل جديدة، لأن التاريخ السوري يُظهر أن الفراغ الأمني يُنتج دائماً قوى جديدة، ربما تكون أكثر خطورة، ما قد يجرّ المنطقة إلى نزاعات أكبر، وهذا الأمر الأخطر إن لم يجرِ أي توافق دولي يفضي إلى الحل السلمي، ويفرض الانسحاب الاسرائيلي والسلام في المنطقة.