مرّت الذكرى الخمسون لاندلاع الحرب الأهلية، واستعاد اللبنانيون صوراً للدمار والتهجير والانقسام، الذي فُرض عليهم ولا يزال، نتيجة حروبٍ عبثية جعلتهم أدوات مرتهنة لجهاتٍ حرّكت البلاد وفق أجنداتها الخاصة، وأوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، وسط خروق إسرائيليةٍ يومية تزداد وتيرتها.
وفي حين أطلقت الشرعية الداخلية شعار “تنذكر وما تنعاد”، تمنّى الشعب اللبناني انتهاء هذه المآسي، متسائلاً: ماذا تعلّمنا من الحرب؟ وهل طُويت صفحة الحروب فعلاً، أم أنّ تجاوزها لا يزال أمراً صعباً؟
وبينما مرّت الذكرى مرور الكرام، وضع رئيس الحكومة نواف سلام إكليلاً من الزهر على نصب الشهداء في وسط بيروت، قائلاً: “هذه ساحة شهداء كل لبنان التي طالما جمعت بين اللبنانيين. ويهمنا أن نستعيد ثقة اللبناني وأن نسهم في عملية الاصلاح”.
وأضاف: “هذه الذكرى علّمت فينا ونتعلم منها أن لا نعيد ما كابده أهلنا. وحان الوقت لبناء دولتنا والثقة بها. وهذا الأمر مطلوب منا نحن المسؤولين عن هذا البلد”.
وعشية زيارة سلام على رأس وفد وزاري الى سوريا للقاء الرئيس أحمد الشرع، قال: “أتمنى أن أعود بأخبار طيبة عن المخفيين في سوريا وغداً أخبركم بالمزيد بشأن هذا الموضوع”.
وفي زيارته الأولى الى دمشق، من المرجح أن يبحث سلام مع الشرع في ترسيم الحدود البرية والبحرية، والتطرق الى وضع خطة لإعادة النازحين السوريين، والعمل على ضبط الحدود البرية ومنع عمليات التهريب المتفاقمة منذ سنوات.
أما داخلياً، ومع بدء العد العكسي لموعد الاستحقاق البلدي الذي يفصلنا عنه أقل من شهر في محافظة جبل لبنان، لا تزال الأنظار متجهة الى العاصمة بيروت، التي ستكون أم المعارك في هذه المعركة الانتخابية، خصوصاً في ظل وجود طروح متعددة لإمكان تعديل قانونها الانتخابي، الا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنهى الجدل القائم في المجالس الخاصة، مشدداً على أن ضيق الوقت يحول دون تعديل قانون انتخاب البلديات في لبنان.
وقال: “لم يعد هناك من متسع أمامنا لإجراء الانتخابات سوى أسابيع معدودة، ومجرد الدخول في تعديله سيؤدي حكماً إلى تأجيل إجراء الانتخابات البلدية في موعدها الذي حدده وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، ونحن من جانبنا نلتزم بإنجازها، ولا نؤيد ترحيلها إلى موعد لاحق”.
وأصرَ بري في حديث لـ”الشرق الأوسط” على “الحفاظ على المناصفة في بيروت وتوفير الحماية لها”، معتبراً أن “الاستعاضة عن التعديل تكون في قيام أوسع تحالف سياسي تنخرط فيه الأحزاب والتجمعات السياسية والعائلات؛ خصوصاً الفاعلة منها، شرط أن تلتزم بالاقتراع للائحة الأقرب إلى تحقيق المناصفة”.
وبالعودة الى ذكرى 13 نيسان، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حسابه الخاص على منصة “اكس”: “منذ خمسين عاماً، اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية. في هذه الذكرى الحزينة، أحيّي جميع ضحايا ذلك الصراع الرهيب سواء من قضوا، أم من هم في عداد المفقودين ومن أجبروا على مغادرة وطنهم”. ورأى أن “لبنان يمكنه اليوم أن يخرج من حروب الآخرين، وأن يبني السلام والوئام الدائمين، في ظل دولة قوية وذات سيادة”.
وقال البابا فرنسيس: “لنتذكر لبنان الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية لخمسين سنة خلت، لكي يتمكن، بمعونة الله، من أن يعيش في سلام وازدهار”.
وفي قداس أحد الشعانين، اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي أن “لبنان طوى صفحة الحرب الأهلية واليوم يطوي صفحة الخروج عن الشرعية ومحاربتها، لكنّ طيَّ الصفحات لا يكفي”، مؤكداً أنه “لا بدّ من قراءة الوقائع التي أوصلتنا إلى هذه الحال والتعلم منها لأنّ من لا يفهم أخطاءه يكررها ولا وقت للتكرار بعد اليوم لأنّ لبنان يحتاج مستقبلاً يليق بتاريخه. لذلك لا بد من إعادة دراسة ما حصل والتصالح والتصارح حتى نتخطى هذه المرحلة تماماً كما نجحت بلدان أخرى في ذلك”.
أما متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، فقال: “اليوم ذكرى بدء الحرب المشؤومة التي خلفت دماراً وخراباً وحصدت أرواحاً بريئة وندوبها لما تندمل بعد. صلاتنا أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من دروس الماضي وأن تكون صور الحرب محفورة في ذاكرتهم كي لا تتكرر، وأن يشدوا العزم من أجل بناء دولة قوية موحدة لا تزعزعها رياح حرب أخرى، ولا تقوى عليها يد الشر فتخربها، وتبعثرها وهي لم تنهض بعد”.