لم يجلب سقوط نظام الأسد وصعود السلطات المؤقتة في سوريا وضوحًا أو استقرارًا. من وجهة نظر واشنطن، لا تزال القيادة الجديدة مجزأة، غير موثوقة، ومرتبطة بجماعات متطرفة وشخصيات مثيرة للجدل. لا تُمنح الشرعية بسهولة، وقد أوضحت الولايات المتحدة أن الاعتراف لن يأتي إلا من خلال إصلاحات ملموسة، لا من خلال التصريحات. الكلمات وحدها لا تكفي، فواشنطن تراقب الأفعال، وخصوصًا فيما يتعلق بالعدالة، والمساءلة، والحكم الرشيد، وحماية المدنيين.
وقد انعكست هذه الشكوك بالفعل في الإجراءات الدبلوماسية. فقد دعمت الولايات المتحدة خفض مستوى تمثيل سوريا في الأمم المتحدة، في إشارة واضحة إلى أن الإدارة المؤقتة الحالية لم تصل بعد إلى مستوى المشاركة الدولية الجدية. وهذا التحرك يحمل دلالات كبيرة: إنه إعلان صريح عن عدم ثقة واشنطن، ويخلق نافذة ضيقة ونادرة لجهات أخرى—وخاصة الحركة الكردية—للمساهمة في تشكيل مستقبل البلاد.
على صنّاع القرار الكرد أن يواجهوا هذه اللحظة بوضوح وثقة. فهم يمثلون أكبر مجموعة إثنية غير عربية في سوريا، بهوية متميزة، ونضج سياسي، وسجل مثبت في الحكم المحلي الفعّال. الأكراد ليسوا مجرد “مكوّن” آخر أو أقلية دينية. إنهم أمة—جزء من أمة كردية أوسع يزيد تعدادها عن 50 مليون نسمة في المنطقة. يجب التعبير عن هذه الحقيقة بوضوح ومن دون اعتذار. وعلى عكس الدروز أو العلويين العرب، فإن الأكراد هم شعب أصيل وغير عربي في سوريا، ولهم حق مشروع في الإدارة الذاتية السياسية.
المطالبة بالفيدرالية، بالحكم الذاتي الفعلي، أو بالمشاركة السياسية الكاملة ليست مطالب متطرفة أو انفصالية. بل هي أهداف عملية تعزز الاستقرار وتعكس المعايير الدولية والواقع على الأرض. على القادة الأكراد أن يتوقفوا عن تقديم مطالبهم بعبارات رمزية أو مبهمة. يجب أن تُصاغ هذه المطالب بوضوح كأهداف سياسية مشروعة. الفيدرالية ليست خطة بديلة، بل الأساس الجاد الوحيد لسوريا متعددة القوميات.
تواصل الولايات المتحدة اعتبار المؤسسات والقيادة الكردية من بين أكثر الأطراف موثوقية وكفاءة في سوريا. لكن استمرار هذا الدعم يعتمد على ما إذا كان الممثلون الأكراد سيستخدمون النفوذ المتاح لهم بانضباط استراتيجي وثقة بالنفس. وهذا يشمل المطالبة بالعدالة لضحايا داعش، والميليشيات المدعومة من تركيا، ولسنوات القمع المنهجي. كما يشمل المطالبة بدور مشروع في إعادة الإعمار، وعودة النازحين، وضمانات دولية للأمن بقيادة كردية.
غالبًا ما أظهر القادة الأكراد تحفظًا مفرطًا في علاقاتهم مع إسرائيل. هذا التردد لم يعد يتماشى مع الواقع السياسي. فالمسؤولون الإسرائيليون أصبحوا أكثر صراحة في دعمهم لاستقرار الأكراد ودمجهم في مستقبل سوريا. وفي الحقيقة، في حين يظن الكثيرون أن الولايات المتحدة هي التي منعت عملية برية تركية واسعة ضد المناطق الكردية، إلا أن إسرائيل كانت في كثير من الأحيان القوة الأكثر فعالية في الردع—من خلال الدبلوماسية الهادئة والإشارات الاستراتيجية. لا ينبغي تجاهل هذا الواقع أو التقليل من شأنه، بل يجب اعتباره أساسًا للتعاون المستقبلي.
هناك دعم شعبي للتنسيق الكردي الإسرائيلي على الجانبين. ما ينقص هو وضوح الموقف من الطرف الكردي. واشنطن والجهات الإقليمية تراقب عن كثب من يتحدث بثقة ومن يلوذ بالصمت. وفي زمن التحالفات المتبدلة وإعادة توزيع النفوذ، يُفهم الصمت غالبًا على أنه ضعف.
في الوقت ذاته، يجب على الأكراد الاستثمار أكثر في فهم تحركات واشنطن، ونواياها، وإيقاعها السياسي. فالولايات المتحدة لا تعبّر فقط من خلال البيانات الصحفية، بل من خلال القرارات السياسية، وتغييرات الشخصيات، والعقوبات، والإشارات الدبلوماسية. يحتاج الفاعلون السياسيون الأكراد إلى قدرة أفضل على قراءة هذه الإشارات والرد عليها بشكل استراتيجي. ويتطلب ذلك وجودًا أقوى وأكثر استمرارية في واشنطن—وجودًا قادرًا على التواصل المباشر مع صانعي السياسات، ومراكز الأبحاث، وأعضاء الكونغرس، ووسائل الإعلام. النفوذ في العاصمة الأميركية لا يُمنح، بل يُبنى، ويُحافظ عليه، ويُعزَّز باستمرار.
الإدارة الحالية في دمشق غير مستقرة وتفتقر إلى الشرعية. وتتحرك أطراف أخرى بسرعة لصياغة المرحلة ما بعد الأسد. يجب ألا يقلل القادة الأكراد من شأن القوة التي يمتلكونها. لديهم المؤسسات، والخبرة، والشراكات الدولية—وما ينقص هو قيادة جريئة ومركزة تقدم مطالب واضحة ومشروعة، تستند ليس فقط إلى الهوية القومية بل إلى الشرعية الوطنية.
إنها نافذة ضيقة من الفرص. على صنّاع القرار الكرد أن يستغلوها، وأن يتحدثوا بصوت موحد، ويطرحوا رؤية قوية وواقعية. الوقت لصياغة مستقبل سوريا هو الآن—وقد لا يتكرر.