ينطوي مفهوم السلطة في العالم المعاصر على أكثر من معنى، وتتعدد دلالاته:
– السلطة المادية، وهي سلطة الدولة التقليدية، الت تعمل على التدجين وإعطاب العقل، وتبليد الحس الإنساني، من خلال أدواتها من / أجهزة قمع ومؤسسات رسمية بيروقراطية/ تأتمر مباشرة من قبل السلطة السياسية.
– السلطة المعنوية، سلطة ما هو سائد، وما يفرض على الرأي العام من أفكار وسياسات ببسطار الإعلام، ومن خلال استحداث رموز، وتسليع الإنتاج الثقافي- سلطة ريع الاستكتاب- وتشويه مقولات ومفاهيم الفكر السياسي //الديمقراطية، الوطنية الثورة../، وتمييعها، وتشويه الدين، وإعادة إنتاجه ليتحول إلى أداة وظيفية في السياسة، بدلاً من أن يبقى أحد مكونات العالم الروحي، وثقافة شعبية تستوجب الاحترام.. وغيرها من المظاهر التي تندرج في إطار عناصر القوة الناعمة.
المثقف وسلطة الطائفة
مع تنامي الخطاب الطائفي على خلفية حالة الفراغ الناشئة بعد تفسخ مشروع الدولة الوطنية، وما نتج عنه من ارتداد في الوعي الجمعي نحو انتماءات ما قبل الدولة، باتت سلطة الطائفة أحد أشكال السلطة المعنوية. المثقف الطائفي، أو بعبارة أدق المتثاقف، هو ظاهرة طارئة في الثقافة السورية، فالطائفية هي أحد تعبيرات الفوات الحضاري، ولا تستطيع أن تنتج – كما اعتقد – مثقفاً حقيقياً على غرار البنى الاجتماعية الأخرى في التاريخ، وكل ما تستطيع إنتاجه في حقل الثقافة، هو نوع من الدعاية والتحريض المغلف بالتهريج السياسي المتمترس في خندق المقدس، دون أن يمتلك أية مشروعية، سوى أنه إحدى نتائج الأزمة العامة في البلاد، حيث ظهر مزاج طائفي- شعبوي كرد فعل غالباً على التشبيح والممارسات الاستفزازية للأجهزة الأمنية في السلطة الساقطة من جهة، والسم الذي تبثه وسائل الإعلام من جهة ثانية، ونزعة الإسلاموفوبيا المعولمة من جهة ثالثة، ولهذا كان ينبغي تفهّم هذا المزاج والمرونة في التعاطي معه، والتفهم هنا لا يعني الانصياع له بقدر ما يعني الدفع باتجاه تغيير البيئة السياسية الاقتصادية الاجتماعية، التي أنتجته، الملفت للانتباه هنا هو تبني بعض الأقلام الخطاب الطائفي والتماهي مع ما هو سائد- إعلامياً، ومع تصاعد الخطاب الطائفي في هوامش الأزمة وجد هؤلاء فرصة ذهبية للتعبير عن الذات العاجزة والمحبطة، بعد 8 ديسمبر سال لعاب بعض هؤلاء، وتبين أن هذا النموذج على أتم الاستعداد، حتى يتحول إلى مثقف سلطة بكل دلالات هذا المصطلح، وبكل ما ينطوي عليه سلوك هذا النموذج بنسخته السورية، من تمسّح برأس السلطة، واجترار خطاب موارب ذرائعي تبريري يحاول أن يجمّل ممارسات النخبة الحاكمة، لاسيما وأن أغلبهم ذوي خبرة في هذا المجال، لأن جلهم أصلا كانوا في هوامش السلطة الساقطة، أو من زبائنها، وتشربوا بثقافة اللهاث وراء الموجة السائدة، واستجداء الفتات على مائدة السلطان، هذا النموذج هو نسخة مستحدثة، طبق الأصل قص ولصق عن هوبرة شبيحة الدعاية والتحريض لدى السلطة الساقطة والسعار الطائفي، الذي كان ستارة لتبرير التعفيش والسرقات والإتاوات والابتزاز.
المثقف (المشتبك)
المثقف إما أن يكون مشتبكاً أو لا يكون، النقد هو المعادل الموضوعي لماهية المثقف، ومعيار النقد الموضوعي هو إجراء عمليات التحليل والتركيب والاستقراء، ومعرفة توازن القوى، ورؤية العلاقة بين المقدمات والنتائج عند قراءة أية ظاهرة، وهو ما يسمح بالتنبؤ باتجاه تطور حدث أو ظاهرة ما، مما يفتح الباب على إمكانية صياغة المهمة حسب الظرف الملموس، وهو ما يمكن اعتباره إنتاجا معرفياً، وإبداعا وقيمة مضافة. شرط الإبداع الأول هو الحرية بمعناها الواسع، أي التحرر من كل ما يعوق ميكانيزم العقل، وقدرته على الابتكار والكشف، أي تجاوز السلطة بشقيها التقليدي السوط وبيروقراطية المؤسسة الرسمية، والمعنوي الخضوع لما هو سائد ورائج، يضاف إليها أيضا ضرورة التحرر أيضاً من أنا الفرد، وإيجاد علاقة توازن بين أنا الفرد والأنا المبدعة.. أن حق الذات المبدعة المشروع أن يكون لها جمهورها، ودائرة معجبيها وهي التي تغني العالم الروحي للإنسان، ينبغي ألا يؤدي بها إلى الانزلاق إلى الشعبوية واللهاث وراء الحركة العفوية للجمهور، والوعي العفوي الذي يتخذ أحيانا شكلا غريزياً.
مقتطف من مقال منشور في صحيفة قاسيون.