أولاً: إن الاتفاق على عقد الكونفرانس القومي الكردي بعد مفاوضات ماراتونية، يعتبر خطوة ايجابية من حيث المبدأ وإن كان قد تأخر كثيراً، ولم يتم إلا بعد تدخل دولي /امريكي – فرنسي../ رغم ان الموقف كان يستدعي التوافق بين كل السوريين منذ سنوات طويلة، فكيف والمؤتمرين ابناء قومية واحدة، وقضية واحدة أو هكذا يُفترض!!
ثانياً: وجود الحركة القومية الكردية هو احد انعكاسات التعدد القومي في البلاد، ورد فعل موضوعي على سياسات الاقصاء والتمييز القومي بحق الشعب الكردي خلال العقود السابقة، ولكن ذلك لايلغي حقيقة وجود شعب سوري واحد، له قضية واحدة، وتتجسد في اللحظة الراهنة باستكمال ما انجزه السوريين في 8 ديسمبر نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، ومن هنا شرط أية رؤية سياسية جادة يتطلب التوازن المرن ما بين ثنائية /القومي الديمقراطي، والوطني/ وانكار أو تجاهل اي طرف من هذه الثنائية هو انكار للأخرى في ظروف سوريا المعاصرة وخصائص القضية الكردية، وبعيداً عن الشروط المسبقة، من اي طرف كان.
ثالثاً: إن مراجعة سريعة لتطور القضية الكردية في القرن الماضي يضع بين ايدينا حقيقة اساسية: وهي أن الانجازات القليلة التي حققتها الحركة الكردية، من الاعتراف بالشعب الكردي كقومية ثانية الى جانب القومية العربية في العراق، الى الاستحواذ على ما يزيد عن 90 بلدية وتمثيل برلماني واسع في تركيا، الى حل مشكلة الاحصاء الاستثنائي في سوريا بعد 2011 انما تحققت نتيجة تفاعلات داخلية وتوافقات في هذه البلدان، فالاولى كانت مع الموجة الديمقراطية في العراق ايام حكم عبد الكريم قاسم، والثانية كانت عندما جرت مفاوضات السلام بين السلطة التركية وحزب العمال الكردستاني، والثالثة كانت من مفاعيل الحراك الشعبي الذي انطلق في 2011.
ما اريد تأكيده هنا هو، ينبغي التعاطي مع الملف الكردي في سوريا على انه جزء من القضية السورية العامة، و ان الخيار الواقعي الوحيد هو التوافق مع السوريين عموماً وابناء الجزيرة من عرب واشوريين سريان خصوصاً على حله في اطار عملية التغيير الشامل.
رابعاً: لقد قادت الانظمة التابعة في الاقليم دولها وشعوبها من مأزق الى مأزق، وتبين بالملموس ان الاستقلال السياسي لوحده غير كاف ما لم يقترن بالديمقراطية والتحرر الاقتصادي والثقافي..وعليه، فإن أحد شروط حل ازمات هذه الدول والشعوب ومنها القضية الكردية حلاً حقيقياً، هو الخروج من منظومة التبعية وليس تبديل المواقع ضمن هذه المنظومة وبشروطها، طالما إن الجغرافيا السياسية تفرض على هذه الدول والشعوب وحدة المصير، ولايمكن أن يستقر وضع اي منها استقراراً حقيقياً دون استقرار الجميع ومن هنا، فأن النضال المشترك من اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والتنمية المستقلة، والاعتراف المتبادل بالحقوق، هو الطريق الوحيد لخروج الجميع من متاهة نموذج الدولة التابعة.
خامساً: يمر العالم ومنه منطقتنا ومنها سوريا بظرف شبيه بما جرى عشية وخلال الحرب العالمية الاولى، وما عقد من اتفاقات سرية وعلنية، ومشاريع دولية عكست توازنات القوى في حينه، وكانت الجذر التاريخي للاضطهاد القومي الذي لحق بالشعب الكردي على مدى القرن الماضي، وعليه فإن متابعة وقراءة التوازن الدولي الناشىء في العالم، وتراجع دور قوى واقطاب وتقدم اخرى، وتأثيرات ذلك على مختلف الملفات الدولية، ينبغي أن يكون حاضراً وقاعدة لتحليل وفهم الوضع الراهن، وفي هذا السياق ينبغي ايضاً ملاحظة الانقسام الداخلي الامريكي الحاد وتداعياته المحتملة، إن شعار امريكا اولاً، وفوز ترامب على اساسه هو انعكاس للمخاطر الهيكلية والبنيوية في الاقتصاد الامريكي، ويعكس قلق صاحب القرار الفعلي حول استمرار الهيمنة وأدواتها، واذا كان ذلك يدل على شيء فهو يدل على إن الاستفراد الامريكي بالقرار الدولي انتهى.
سادساً: إن محاولات استنساخ تجربة كردستان العراق، ونموذج المحاصصة الطائفية والقومية تتناقض مع حقائق الواقع الموضوعي، وخصائص القضية الكردية في سوريا، ولن تحل المشكلة السورية العامة، ولا مشكلة اي من مكونات سوريا على حده، بل ستقود الى اعادة انتاج الأزمة باشكال جديدة، والازمة السورية والقضية الكردية كجزء منها لم تعد تحتمل المزيد من التجاذب الدولي والاقليمي حولها، وكلكم على علم بالتوازن الديموغرافي الناشىء في سوريا، بعد عمليات النزوح والتهجير في سنوات الحرب التي أدت الى استنزاف الحامل المادي لأي مشروع قومي ديمقراطي اي نسبة الكرد السوريين من عدد السكان. ان حلا ابداعياً ينتجه السوريون معاً من خلال الحوار والتوافق حسب الواقع السوري والخصائص السورية هو المطلوب. إن تحميل المسألة الكردية في سوريا ما يتجاوز وزنها الواقعي الملموس، وتحويلها الى مركز ثقل القضية الكردية في الدول الاربع فيضعها على الفور بمواجهة اوزان هذه القوى الاقليمية، ويعيد وزن القضية نسبياً الى الصفر، ويحوّلها موضوعياً الى اداة ابتزاز، اما التعاطي معها باعتبارها جزءاً من الأزمة السورية، فيخرجها من الدائرة المغلقة للتجاذب الدولي والاقليمي، ويقطع الطريق على التلاعب بها مجدداً من قبل اي كان..