ينتظر العالم في الأيام المقبلة الدخان الأبيض في ما يتعلق بحدثين كبيرين: إختيار بابا جديد للفاتيكان خلفاً لفرنسيس “بابا الفقرا”؛ ووصول المفاوضات الأميركية – الايرانية الى خاتمة سيترتب عليها الكثير خصوصاً في الشرق الأوسط، سواء أمحلت فتتواصل الحروب الاسرائيلية بدعم “ترامبي” أكبر؛ أو أفلحت ليبدأ البحث بسرعة في طبيعة الصفقة الطويلة التي يمكن أن تعيد رسم خريطة المنطقة لحقبة ما بعد “طوفان الأقصى”، من دون أن يؤثر على الواقع والتوقعات الدخان الأسود الذي ارتفع في سماء ايران جراء انفجار هائل في بندر عباس.
على الرغم من العصف الهائل الذي دوّى في ميناء “الشهيد رجائي”، وحمل معه دخاناً أسود غطى سماء بندر عباس واهتزت له الأرض على مدى خمسين كيلومتراً، فإن المسار الأكثر حساسية في طهران، أي خط التفاوض مع واشنطن، بدا سالماً بل وواعد بحسب الروايات الرسمية.
خمسة قتلى وأكثر من 500 جريح، في واحد من أعنف الانفجارات التي تشهدها إيران منذ سنوات، لم يكن كافياً لتغيير الأولويات الايرانية في لحظة سياسية دقيقة. فبينما الحاويات تنفجر وتتطاير، كانت الوفود الايرانية والأميركية تواصل تبادل الرسائل المكتوبة في مسقط، في أجواء وُصفت بأنها “جادة، هادئة، وتفصيلية” لأول مرة منذ سنوات التوتر.
اللافت أن الرواية الرسمية الايرانية تعاملت مع الكارثة على أنها حادث عرضي، نتيجة سوء تخزين لمواد كيميائية خطرة، في وقتٍ كان بديهياً أن تتدافع التكهنات نحو فرضيات التخريب أو الهجوم الموجه، خصوصاً مع حساسية الموقع وقربه من مضيق هرمز، الشريان الحيوي للطاقة العالمية. لكن الخطاب الايراني الرسمي بدا حريصاً على طمأنة الداخل والخارج بأن لا شيء يمكن أن يعطّل مسار التهدئة، لا داخل إيران ولا بينها وبين واشنطن.
في الوقت الذي كانت النيران تلتهم عشرات الحاويات وتشلّ المرفأ الأكبر الذي تمر عبره أكثر من 70% من تجارة إيران، كانت الديبلوماسية الايرانية تلتزم رواية مزدوجة: تهدئة داخلية عبر التركيز على أن منشآت النفط والمصافي لم تتأثر، وتهدئة خارجية عبر التأكيد أن المسار التفاوضي النووي في عُمان يحقق تقدماً ملموساً.
الإنفجار كان يمكن أن يُستثمر لتصعيد المواقف أو لتعليق المحادثات، لو كانت النية الايرانية هي التصعيد، لكنه بدلاً من أن يتحول إلى ذريعة سياسية، جرى عزله سريعاً، كأن طهران أرادت أن توصل رسالة مزدوجة إلى واشنطن: نحن تحت الضغط، ولكننا مصرّون على مواصلة الطريق.
اللافت أكثر أن أجواء التفاؤل الحذر التي عبّر عنها كبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي وجدت صدى مماثلاً لدى المسؤولين الأميركيين الذين وصفوا المحادثات بأنها “إيجابية وبنّاءة”، مع الاشارة طبعاً إلى أن الخلافات لا تزال قائمة لكنها باتت “قابلة للتقليص”.
ما يحدث اليوم أن إيران، على الرغم من الأزمات الداخلية والانفجارات المتفرقة وحالة التململ الشعبي، تدير معركتها التفاوضية ببرودة أعصاب لافتة. إنها تفرّق بين المسار الأمني – الميداني الذي قد يهتز تحت الضغوط، وبين المسار السياسي – التفاوضي الذي تمسك بخيوطه جيداً.
حتى الدخان الكثيف الذي غطى سماء بندر عباس لم يتمكن من حجب ملامح الصورة الحقيقية: إيران تريد الاتفاق، والولايات المتحدة تريد اتفاقاً يمنع السلاح النووي الايراني من دون حرب.
انفجار الميناء كان ضخماً، لكن في ميزان السياسة الايرانية الحالية، لم يكن سوى سحابة سوداء عابرة، سرعان ما ابتلعها منطق الحسابات الكبرى.
أما المسار النووي، على الرغم من كل الدخان واللهب، فلا يزال سالكاً… حتى إشعار آخر.
شاحنة سلاح لبنانية في سوريا
على الصعيد الأقرب، أفادت قناة “الاخبارية” السورية، السبت، بضبط شحنة أسلحة في ريف حمص كانت مخبأة في حافلة قادمة من لبنان.
وقالت القناة، على تطبيق “تلغرام”: “إدارة الاستخبارات العسكرية بالتعاون مع الأمن العام بمدينة القصير الحدودية بريف حمص تضبط شحنة أسلحة كانت مخبأة بحافلة قادمة من لبنان، وتعتقل من فيها”.
وكانت وزارة الدفاع السورية ذكرت الخميس الماضي، أنها استهدفت عناصر من “حزب الله” داخل لبنان رداً على استهداف الجماعة بلدة سورية في منطقة القصير غرب حمص.
مفاوضات بناءة بين إيران وأميركا
ومن جهة المفاوضات الايرانية الأميركية، أشادت الولايات المتحدة بمباحثات “إيجابية وبناءة” مع ايران في ختام جولة ثالثة من المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني السبت في عمان، بحسب مسؤول أميركي كبير.
وقال المسؤول الذي لم يشأ كشف هويته “استمرت هذه الجولة من المحادثات المباشرة وغير المباشرة أكثر من أربع ساعات. لا يزال هناك عمل كثير للقيام به، لكن تقدماً جديداً أحرز بهدف التوصل الى اتفاق”، موجهاً الشكر الى “شركائنا العمانيين لتسهيلهم هذه المناقشات”.
في المقابل، قال وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي إن هناك “خلافات” لا تزال قائمة بين الجانبين الايراني والأميركي، بعد اختتام الجولة الثالثة من المحادثات النووية غير المباشرة، التي ستستأنف السبت المقبل في مسقط.
وشدّد عراقجي على عدم طرح قضايا غير الملف النووي. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، إسماعيل بقائي، أنّ المباحثات لا تتناول برامج إيران الدفاعية والصاروخية. وصرّح بقائي، أثناء المحادثات للتلفزيون الايراني، بأنّ “مسألة القدرات الدفاعية والصواريخ الايرانية غير مطروحة… ولم تُطرح في المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة”.
ترامب يهدد روسيا
وبين القوى العظمى، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات على روسيا عقب لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت، على هامش جنازة البابا فرنسيس.
وكتب ترامب على منصته “تروث سوشيال”: “لا يوجد أي مبرر لإطلاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصواريخ على المناطق المدنية والمدن والبلدات خلال الأيام القليلة الماضية.”
وأضاف: “هذا يجعلني أعتقد أن بوتين ربما لا يريد إنهاء الحرب، بل يماطلني فقط، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، عبر البنوك أو العقوبات الثانوية؟ عدد كبير جداً من الناس يموتون!”.
وتأتي تصريحاته بينما تضغط واشنطن على أوكرانيا لقبول اتفاق لإنهاء الحرب بما يتضمن تقديم تنازلات كبيرة سواء مالياً أو ما يتعلق بالأرض، في الوقت الذي تواصل موسكو فيه قصف جارتها على الرغم من دعواتها المعلنة للسلام.