في عام 1957 حدث شاغر في البرلمان السوري، على خلفية اعتقال النائب منير العجلاني /القريب من تيار الاخوان المسلمين/ بعد ثبوت ضلوعه في التخطيط لانقلاب عسكري برعاية امريكية، تمهيداً لانضمام سوريا الى حلف بغداد، جرت انتخابات تكميلية لملء الشاغر، وتم ترشيح مصطفى السباعي وهو المراقب العام للأخوان، وعضو رابطة علماء الشام / تجمع لبعض الائمة ورجال الدين / في حين اتفقت قوى سياسية اخرى على ترشيح الاستاذ عدنان المالكي ابن حي الشاغور، وجرت معركة انتخابية سياسية حامية الوطيس بين المرشحَين، تجاوز موضوع الفوز بكرسي في البرلمان الى اختبار قوة حسب توصيف باتريك سيل، أي قياس الوزن السياسي والنفوذ الشعبي للتيارات السياسية في سوريا.
قاد الاخوان المعركة على انها معركة بين الاسلام والالحاد، وحاولوا تحشيد الناس على هذا الاساس، مراهنين على دور ووزن الثقافة الدينية في المجتمع الدمشقي إلا إن هذا السيناريو لم يفلح، لابل انقسمت المؤسسة الدينية على نفسها اذ استطاعت الاحزاب المؤيدة للمالكي احداث فرز حتى بين رجال الدين، حيث دعم قسم منهم انتخاب المالكي وساهموا بالدعاية له علناً على منابر بعض المساجد، رغم ضغوط رابطة العلماء بكل ما كانت تمتلك من نفوذ وهيمنة على هذه المنابر في حينه. بالنتيجة انهزم السباعي ومعه الاخوان في المعركة التي انتهت لصالح المالكي والتيارات السياسية الداعمة، مما ادى الى انحسار نفوذ الاخوان فيما بعد، وهو ما القى بظلاله، على عموم المشهد السياسي السوري.. الطريف في الامر وحسب مذكرات أكرم الحوراني ان /غالبية حي القصاع الدمشقي / بانتمائه الديني المعروف صوتت لصالح السباعي في ظاهرة لها دلالات عميقة في التاريخ السوري..
هذه الحادثة التاريخية ليست استثناء، بل هي تكثيف لكل التفاعلات السياسية في سوريا في حينه، نستذكرها هنا ليس من باب الحنين الى /الماضي الجميل/ على طريقة قوى العطالة السياسية، التي ليس لديها شيء تفعله في الحاضر فتهرب الى الماضي..بل لنؤكد بإن الصراع في سوريا لم يكن يوما من الايام طائفياً أو دينياً، وان معيار وعي الشعب السوري وتقييم القوى السياسية ومعرفة وزنها هو انتخابات حقيقية لا التجييش الطائفي ولا قوة السلاح ولا التمترس خلف سلطة السماء
إن شعباً يعتبر فارس الخوري المسيحي احد الاباء المؤسسين لدولته، وسلطان الاطرش الدرزي قائداً لأهم ثورة في تاريخه، ويصوت لعدنان المالكي ضد مصطفى السباعي في قلب دمشق بكل رمزيتها وبنيتها الاجتماعية في الانتخابات الاكثر ديمقراطية في تاريخ سوريا، شعباً كهذا من الاجحاف والظلم وتزوير للتاريخ ان يوصف على اساس المكونات الطائفية والدينية بعد مئة عام من تلك الاحداث. ويُنظر اليه من خلال سلوك حملة السلاح، والهمج القادمين من كهوف الظلام وسعارهم الطائفي يخطفون الصبايا، ويعتدون على طلبة الجامعات، ويطلقون الشعارات الاستفزازية، او اسلافهم واشباههم من شبيحة وبقايا السلطة البائدة… ….