الإشكالات التي تحصل مؤخّراً بين مناصري “حزب الله” و”اليونيفيل” في الجنوب اللبناني ليست بريئة حتماً، بل تذكّر بحوادث مماثلة حصلت سابقاً، أراد منها “الحزب” إيصال رسائل ترهيبيّة اما الى الدولة اللبنانية أو الى المجتمع الدولي. وقد تكررت هذه الإشكالات في الأيام المنصرمة، من طيردبا مروراً ببنت جبيل وصولاً أمس إلى محيط صديقين، والسيناريو المشترك هو احتجاج “الأهالي” على تحركات “اليونيفيل” من دون مواكبة الجيش اللبناني!
ومن يتابع تحركات “اليونيفيل” منذ إعلان إتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الفائت وحتى اليوم، يُدرك أنها قامت بأعمال كبيرة لترجمة الإتفاق على أرض الواقع في جنوب الليطاني، واستطاعت أن تعثر على عشرات مخابئ السلاح التابعة لـ”الحزب”، الذي أزعجه هذا الأمر بالتأكيد، وكلّما شعر بالضغط يقوم بإستخدام تكتيك “الأهالي” ليعترضوا أي مهمة لـ”اليونيفيل”، وهناك سلسلة كبيرة من اعتداءات الأهالي على جنود قوات الطوارئ الدولية بلغت الذروة عام 2022 مع قتل الجندي الايرلندي شون روني.
اما الخطير في الأمر اليوم، فهو أن “الأهالي” المعترضين على دوريات “اليونيفيل”، يتهمونها بالتعامل مع اسرائيل، وهذا “موال” جديد، قد يشكّل خطراً على وجود هذه القوات، ويُحرّض المجتمع الجنوبي عليها، علماً أن أهالي المنطقة يستفيدون منها، ليس أمنياً فحسب، إنما خدماتياً واجتماعياً.
من المؤّكد أن هذه الأعمال العدائية الموجّهة من “الحزب” ضد “اليونيفيل” لا تخلو من الرسائل السياسية، وربما المقصود منها هذه المرة السلطة اللبنانية التي تعمل جاهدة على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته. صحيح أن الدول المعنية بـ “اليونيفيل” تُدرك جيداً أن الدولة اللبنانية تعمل على معالجة هذه الممارسات، لكن تكرارها قد يؤدي إلى ردود فعل من الدول المشاركة، كأن تعلن إحداها تعليق مشاركتها!
على خط موازٍ يؤكّد الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي أن ما يُسمّى “الأهالي” في الجنوب لا يمكنهم أن يتحركوا على هذا النحو من دون أمر عمليات من “الحزب”، وهذه أمر حصل سابقاً، وهؤلاء “الأهالي” منظّمون ومنضبطون بتوجيهاته.
واللافت أن القرار 1701 واضح في ما يتعلّق بمهمات “اليونيفيل” وتحركاتها، وفق قهوجي، إذ يحق لها القيام بدوريات من دون مرافقة الجيش اللبناني، لكن عندما تعثر على مخابئ للسلاح أو ما شابه، تُبلغ الجيش، ثم تنفّذ ما يستوجب منها بالتعاون معه، بمعنى لا تدخل أي موقع إلا بمواكبة الجيش اللبناني.
من الواضح أن “الحزب” غير مرتاح لهذه التحركات وكلّ ما يؤدي إلى نزع سلاحه، ويشير قهوجي إلى أنه يريد المحافظة على سلاحه، لذلك يعرقل مهمات “اليونيفيل” وغيرها إذا أتيحت له الفرصة، بدليل أنه لم يقم بمبادرة واحدة من تلقاء نفسه لإرشاد الجيش إلى مواقعه ومخازنه، بل إن اسرائيل قدّمت لائحة بمواقع “الحزب” للجنة المراقبة الأمنية الدولية، وهذه اللجنة وضعت بتصرّف الجيش اللبناني.
ولا شك في أن تصريحات رئيسي الجمهورية والحكومة ومواقفهما المتكررة عن حصر السلاح في يد الدولة، تُزعج “الحزب”، بدليل ما تكلّم عنه الأمين العام لـ”الحزب” نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة رافضاً أي كلام عن نزع سلاح “الحزب”. ويلفت قهوجي إلى أن الإشكالات الأخيرة مع “اليونيفيل” تأتي في هذا الإطار وتعبّر عن هذا الإنزعاج، والجدير بالذكر أن “الحزب” يقوم بهذه الخطوات التصعيدية ليرى رد الفعل من الطرف الآخر أي الدولة اللبنانية وخلفها المجتمع الدولي، معتبراً أن الخطوة الأولى بدأت بمنع تحركات “اليونيفيل”، أما الثانية فربما تكون بمنع الجيش اللبناني من التحرّك، وهذا السيناريو حصل بعد حرب تموز 2006، وقد وسّع سيطرته مستخدماً هذه التكتيكات، محاولاً أن يعطي لنفسه حجماً أكبر.
أما اتهامات “الأهالي” الموجّهين من “الحزب” بأن “اليونيفيل” اسرائيلية، فيرى قهوجي أنها ظالمة جداً، لأنه لولا هذه القوات الدولية لكانت اسرائيل وصلت إلى نهر الليطاني في الحرب الأخيرة، ونذكّر بأن اسرائيل كانت تطلب من “اليونيفيل” أن تخلي مواقعها للتحرّك بحريّة أكبر، إلا أن القوات الدولية رفضت، وقد سقط لها ضحايا لأنها أصرّت على البقاء لتمنع اسرائيل من توسيع دائرة انتشارها وأن لا يتحوّل وجودها إلى احتلال دائم، وبالتالي هذه الإتهامات أقل ما يُقال فيها انها ساذجة.
لن تنتهي الحوادث بين “الحزب” مرتدياً قناع “الأهالي” من جهة و”اليونيفيل” من جهة أخرى، فـ”الحزب” غير راضٍ عما يحصل في الجنوب، ولا يكفي أن يتكلّم عن تعاونه هناك، فما يخفيه من انزعاج بدأ يظهر علناً من خلال هذه الإشكالات، وهو يشعر أن الواقع تغيّر ويجد صعوبة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وبالتالي يُمارس بعض الضغوط علّه يُحقّق بعض المكتسبات. ويختم قهوجي قائلاً: “عملية إقناع الحزب بتسليم سلاحه هي عملية طويلة ومعقّدة ستشهد الكثير من التشنّجات ولن تكون عملية سهلة كما يوحي البعض”.