استعمال القوة يزيد الأزمة مع الدروز تعقيدا
دمشق – فشلت تدخلات الشخصيات الدينية والسياسية في وقف التصعيد بالمناطق الدرزية رغم أن سببه المباشر حادث عرضي كان يمكن تطويقه بيسر لو كان في ظروف أخرى، وهو ما يؤكد أن المواجهات الحالية بين مسلحين دروز ومسلحين من القوات الحكومية السورية وعناصر موالية لها هي امتداد للحرب الأهلية السورية التي انطلقت مع 2011، وأن هذا فصل مقتطع منها ومؤجل.
وعكس الخطاب الانتقامي الذي أعلن عنه المسلحون الإسلاميون السنّة، في الأيام الأولى لإطاحتهم بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، أن سوريا ستكون فضاء لتصفية الحسابات الطائفية أمام الأقليات التي وقفت في صف الأسد مثل العلويين، أو التي وقفت على الحياد واكتفت بالنضال السلمي مثل الدروز.
ولئن اختفى خطاب التهديد والوعيد من على ألسنة مسلحي الفصائل السنية، فإنه يعود إلى نصائح تركية وقطرية للقيادة التي استلمت الحكم في سوريا من أجل تقديم وجه محاور ومعتدل يجد مقبولية إقليمية ودولية. لكن مضمون الخطاب الانتقامي ظل هو نفسه، وبرز بصفة خاصة في الهجوم العنيف الذي نفذته تلك الفصائل على الساحل السوري، ولم تفرّق فيه بين مجموعات صغيرة موالية للنظام السابق تحمل السلاح، وبين مواطنين علويين يسكنون تلك المناطق.
التصعيد حيال الدروز يسلط الضوء على حجم التحديات التي تواجهها إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب الإطاحة بالأسد
ومن الواضح أن مخاوف العلويين في الساحل من الانتقام القاسي لمسلحين من طائفة تعتقد بأنه تم هضم حقوقها في عهد الأسد قد انتقلت إلى الدروز، وكشفت عنها عمليات الكر والفر والكمائن التي تمت في اليومين الأخيرين بين المسلحين السنّة والدروز بما يكشف عن انعدام الثقة بين الطرفين.
ولا ينظر الدروز للمسلحين الذين يحملون الزي الرسمي على أنهم مسلحون حكوميون يفترض أن يكونوا محايدين، ولكن كطرف في الاستهداف الذي يطال الدروز سواء بشكل مباشر أو من خلال حملات التحريض والتخوين بسبب انفتاح بعض الشخصيات الدرزية على إسرائيل في الوقت الذي تعلن فيه المرجعية الرسمية للطائفة (مشيخة العقل الدرزية) أنها تعارض أيّ علاقة مع إسرائيل وتفتي بحرمة التظاهر والاحتجاج أو الاشتباك بين السوريين.
منذ اندلاع النزاع في سوريا، تمكن الدروز إلى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا إجمالا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة. وقبل سقوط الأسد، كانت محافظة السويداء التي لطالما شكا أبناؤها من التهميش، مسرحا لتظاهرات مناهضة للحكومة استمرّت لأكثر من عام.
وخلال فترة النزاع، شكّل الدروز مجموعات مسلّحة خاصة بهم، من أبرزها “حركة رجال الكرامة” و”كتيبة الجبل”. وإثر الإطاحة بالأسد الذي قدّم نفسه حاميا للأقليات في سوريا، لم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق وجودهم، إلى اتفاق مع السلطات الجديدة للاندماج ضمن قواتها، رغم جهود في هذا السياق.
لكن مقتل أعداد من الشباب الدروز في كمين لقوات الحكومة ومسلحين متحالفين معها، دفع إلى ارتفاع أصوات مهمة تطالب بحماية الدروز من قبضة الطائفة المسيطرة.
وطالب أبرز رؤساء طائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري الخميس بتدخل “قوات دولية لحفظ السلم” في سوريا، في مطلب قالت دمشق إنه لن يؤدي إلا إلى “المزيد من الانقسام.”
وعقب انتشار تسجيل صوتي نُسب إلى شخص درزي يتضمن إساءات إلى النبي محمد اندلعت اشتباكات ليل الاثنين الثلاثاء في مدينة جرمانا التي يقطنها دروز ومسيحيون. وامتدت ليل الثلاثاء الأربعاء إلى منطقة صحنايا التي يقطنها كذلك دروز ومسيحيون. وأسفرت الاشتباكات في المنطقتين عن مقتل أعداد من قوات الحكومية وحلفائها ومن المسلحين الدروز.
حح
ووصف الهجري الذي يعد أبرز القادة الروحيين لدروز سوريا، في بيان ما شهدته منطقتا جرمانا وصحنايا قرب دمشق بـ”هجمة إبادة غير مبررة” ضد “آمنين في بيوتهم.”
وقال “لم نعد نثق بهيئة تدعي أنها حكومة.. لأن الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة عصاباتها التكفيرية التي تنتمي إليها، وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة” معتبرا أن “الحكومة تحمي شعبها.”
وشدد على أن “القتل الجماعي الممنهج” يتطلب “وبشكل فوري أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها بشكل فوري،” في مطلب سبق للسلطات السورية أن نددت به.
واستعادت القوى الكبرى دورها في حماية الأقليات في سوريا منذ سقوط الأسد، حيث برزت فرنسا كداعم للعلويين بينما تستمر الولايات المتحدة في دعم الأكراد، في حين تدعم إسرائيل الدروز انطلاقا من العلاقة الداخلية التي تربطها بالطائفة داخل إسرائيل، حيث يشكلون قوة وازنة ومؤثرة، بالإضافة إلى انتشارهم في سوريا ولبنان وتمتع مجتمعهم بمركزية دينية وسياسية، إذ يحتفظ رجال الدين بمكانة في التوجيه الروحي والاجتماعي وينظر إليهم كمرجعية، بينما يلعب السياسيون مثل عائلتي جنبلاط وأرسلان في لبنان دورا مهما في الأحداث السياسية.
ويعد فشل حزب الله في اختراق الطائفة مؤشرا على تماسكها القوي، حيث لم تنجح مساعي الحزب المتكررة في كسر ولاء القاعدة الدرزية التاريخية لآل جنبلاط، كما حدث للنائب اللبناني السابق وئام وهاب الذي تحالف مع حزب الله أسوة بفريق من المارونيين على رأسهم جبران باسيل صهر الرئيس السابق ميشال عون.
لا ينظر الدروز للمسلحين الذين يحملون الزي الرسمي على أنهم مسلحون حكوميون يفترض أن يكونوا محايدين
وحذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الخميس من أن إسرائيل سترد بقوة إذا فشلت الحكومة السورية في حماية الأقلية الدرزية، عقب يومين من الاشتباكات الدامية قرب دمشق.
وقال كاتس في بيان “إذا استؤنفت الهجمات على الدروز وفشل النظام السوري في منعها فسترد إسرائيل بقدر كبير من القوة.” وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه نقل درزيين سوريين جريحين للعلاج.
وفي منشورات على منصة إكس، قال وزير الخارجية أسعد الشيباني الخميس إن “أيّ دعوة للتدخل الخارجي، تحت أيّ ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى المزيد من التدهور والانقسام.”
واعتبر أن “من يدعو إلى مثل هذا التدخل يتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وسياسية أمام السوريين والتاريخ، لأن نتائج هذه الدعوات لا تنتهي عند حدود الخراب الآني، بل تمتد إلى عقود من التفكك والضعف والانقسام.”
وقال إن “الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لأيّ عملية استقرار أو نهوض.”
وأعلنت السلطات السورية الأربعاء نشر قواتها في صحنايا لضمان الأمن، متهمة “مجموعات خارجة عن القانون” بافتعال الاشتباكات. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وشبكة السويداء 24 المحلية للأنباء عن هجمات محدودة تعرضت لها قرى في محافظة السويداء.
وقتل 23 شخصا على الأقل الأربعاء، وفق آخر حصيلة للمرصد الخميس، جراء “كمين” تعرضوا له أثناء توجههم من السويداء إلى صحنايا لدعم المقاتلين الدروز فيها، قبيل انتشار قوات الأمن فيها بموجب الاتفاق المبرم.
وقال المرصد إن “القتلى وقعوا في كمين نفذته قوات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع ومسلحون مرتبطون بها في منطقة المطلة” الواقعة على طريق السويداء – دمشق.
وجاء التصعيد حيال الدروز بعد أكثر من شهر على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري قتل خلالها نحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من العلويين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب الإطاحة بالأسد.