قد تكون مخرجات قمة “إيغاد” هي الاختراق الأكبر في مسار الحلول السياسية للحرب السودانية في اجتماع شهدت كواليسه محادثات موسعة قبل أن تناقض الخارجية السودانية البيان الختامي، مفندة بعض التفاصيل، وكذلك وضع قوات الدعم السريع شرطاً للسير به، وسط أسئلة عن تنفيذ هذه المخرجات في بلد يطوي شهره الثامن من الاقتتال المتواصل.
فقد استضافت جيبوتي السبت الماضي قمة قادة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، في غياب ثلاثة من رؤساء الدول الأعضاء، جنوب السودان وأوغندا وإريتريا، فيما كان لافتاً حضور المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي مايك هامر والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لمعامرة في أول مشاركة له بعد إنهاء بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالسودان قبل أيام، كما حضر وفد من قوات الدعم السريع الذي شارك في محادثات جانبية. وتضمنت القمة جلستين، الأولى علنية لإلقاء الكلمات والأخرى مغلقة ليصدر البيان الختامي في اليوم التالي، مشيراً إلى نقاط مهمة أبرزها الاتفاق على عقد لقاء مباشر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وموافقة الطرفين على وقف غير مشروط لإطلاق النار.
وبدا مفاجئاً الحديث عن اتصال جميع قادة المنظمة بحميدتي الذي أرسل خطاباً إلى القمة، أشار فيه إلى أن الوقف الدائم لإطلاق النار مرهون بالتوافق على العملية السياسية. ونفت مصادر سودانية لـ”النهار العربي” الحديث عن توسيع الآلية الرباعية التي كانت تضم السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة، بعد أنباء عن مساع لضم مصر وليبيا وقطر والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
الخارجية ترفض “الصياغة المعيبة”
البيان الختامي الذي أصدرته “إيغاد” ظهر اليوم التالي للقمة لم يحظ بقبول الخارجية السودانية، ففي ساعات ليل الأحد الفائت، أعلنت الوزارة أن السودان غير معني بالبيان الختامي الصادر عن القمة. وأوضحت في بيان مفصل أنها قدمت ملاحظات على مسودة البيان بسبب “الصياغة المعيبة لما اتفق عليه في بعض المسائل المهمة، بحيث إنها لم تعكس حقيقة ما تم التوصل إليه”. وأشارت إلى أن من بين هذه النقاط كان تصحيح ما ورد بشأن موافقة البرهان على لقاء حميدتي، إذ اشترط البرهان “إقرار وقف دائم لإطلاق النار وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها”. وأكدت أن المكالمة الهاتفية بين رؤساء “إيغاد” وحميدتي تمت بين حميدتي والرئيس الكيني، وبالتالي “لا تعد من أعمال القمة كي يشار إليها في البيان الختامي”.
ونفت وزارة الخارجية مشاركة البرهان في أي محادثات مع وفد الدعم السريع الذي حضر القمة، مشيرة إلى أن “وفد الدعم وصل بطائرة وزير الدولة في وزارة الخارجية في دولة الإمارات”، وطلبت الوزارة “حذف فقرة مشاركته في القمة لأن ذلك لم يحدث”.
شرط “الدعم السريع”
كذلك قالت قوات الدعم السريع من جهتها إن قبولها للاجتماع مشروط بعدم حضور البرهان بصفته رئيساً لمجلس السيادة الحاكم، وهو المنصب الذي يشغله منذ عام 2019 عندما اتحد الجيش وقوات الدعم السريع للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
وكان لافتاً تسجيل الساعات التالية للقمة أعنف قصف مدفعي وجوي يطال مواقع ونقاط ارتكاز للدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث، وبخاصة في محيط مبنى القيادة العامة للجيش وفي جسر الحلفايا الرابط بين الخرطوم وأم درمان.
التصعيد الميداني يسبق التفاوض
يعتبر السياسي السوداني المعارض حسب النبي محمود، أن اجتماع “إيغاد” هو أكثر لقاء حقق نجاحات على كل المستويات لإيقاف الحرب. ويقول في حديث إلى “النهار العربي”: “أهم هذه الخطوات هو تأكيد حل النزاع بين الجيش والدعم عبر الحوار أو العمل السياسي. وثانياً، الاتصال المباشر بقادة الدعم السريع من قادة “إيغاد” وإقناع عبد الفتاح البرهان بوقف النار غير المشروط وإقناع حميدتي بوقف النار من دون شروط. فسابقاً وطيلة مفاوضات جدة، وضع الطرفان شروطاً معقدة واليوم تمت إزالة هذه العقبات تماماً”.
إلا أن محمود يشير في الوقت نفسه إلى أن تنفيذ وقف النار مرتبط تحديداً بلقاء البرهان وحميدتي؛ ذلك أن “تنفيذ قرار وقف النار الدائم معقد جداً؛ فالدعم موجود على الأرض بمستويات كبيرة جداً والجيش أيضاً لديه وجود، وبحسب تجربتنا السياسية، المفاوضات تسبقها معارك صعبة للغاية. ولكن يمكن للطرفين و”إيغاد” الوصول إلى ذلك عبر الاجتماع بين البرهان وحميدتي، لأن الأخير لا يوافق على وقف النار وهو في مستوى ميداني ممتاز، وبسبب اجتماع عام كـ”إيغاد” وفي الوقت نفسه للبرهان مبرراته، ولن يقبل بوقف النار من دون ضمانات حقيقية؛ لذا فالمسألة المهمة هنا هي بناء الثقة”.
ويخلص إلى أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً عسكرياً، بخاصة في الخرطوم وأم درمان قبل أي اجتماع أو تفاهم على وقف للنار.
تحديات أمام لقاء الجنرالين
ويعتبر القيادي في “الجبهة الثورية السودانية” سيف عيسى أن الخارجية السودانية هي الواجهة الحقيقية لمن يصفه بالنظام البائد. ويقول لـ”النهار العربي”: “تريد الخارجية عرقلة أي جهود تفضي للحل، وبالتأكيد فإن المهم هو القبض على عناصر النظام البائد الذي تمثله الخارجية”. ورغم إشادته بمخرجات قمة “إيغاد”، إلا أنه يرى تحدياً كبيراً أمام هذه النتائج، مضيفاً: “لم يتم تحديد جدول زمني للقاء بين الأطراف، ونخشى أن تكون مثل سابقاتها من القمم لا تحدد آليات اللقاء ومكانه، بالتالي نخشى من إطالة أمد الصراع، وكان من الأجدر تحديد أو تسمية لجنة مصغرة للتواصل مع الأطراف المتصارعة وهذا لم يتم”.
إلا أن عيسى يرى أن اجتماعاً بين البرهان وحميدتي سيساهم في فك الجمود، ولكنه يحذر في الوقت نفسه من جهات في الطرفين لا تريد هذا اللقاء.