مسرور وروبيو… شراكة دبلوماسية واقتصادية
بغداد- قالت وزارة النفط العراقية إن تعامل الشركات الأميركية مع إقليم كردستان، بمعزل عن الحكومة الاتحادية، مخالف للدستور، في موقف معلن يظهر أن العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني ليست على ما يرام، وأن موضوع النفط قد يكون غطاء لخلافات أوسع، وهذا ما يفسر عودة الدعم الأميركي المعلن لإقليم كردستان.
وعلى عكس المرونة التي كان السوداني يجدها في التعامل مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن بشأن العلاقة مع الميليشيات وإيران، فإن إدارة ترامب تريد نتائج عملية سريعة لتعهدات رئيس الوزراء العراقي بتقييد أنشطة الميليشيات وكف النفوذ الإيراني، وهو ما يعجز السوداني عن تنفيذه في الوقت الحاضر.
وفشلت خطة رئيس الوزراء العراقي في حل الحشد الشعبي وإدماج عناصره داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، بسبب نفوذ الأحزاب الموالية لإيران داخل العملية السياسية وتأثيرها على البرلمان والحكومة والإعلام، ما يجعل مواجهتها بشكل مفتوح مغامرة خاسرة.
ولجوء الشركات الأميركية لتوقيع اتفاقية استغلال آبار نفطية في إقليم كردستان مع ممثلي الإقليم وليس مع الحكومة العراقية هو رسالة سلبية من واشنطن للسوداني خاصة وهي تعرف حساسية استغلال النفط في الإقليم والمعركة القانونية حوله وعملية تعطيل التصدير التي تقوم بها الحكومة الاتحادية بهدف إجبار الإقليم على أن يتحرك تحت مظلتها، وأن يكون النفط تحت سيطرتها مقابل حصول الإقليم على موازنة واضحة.
ويزداد الإحراج بالنسبة إلى الحكومة العراقية مع استمرار واشنطن في دعم إقليم كردستان خاصة في الجانب الأمني والعسكري، والحفاوة بزيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى الولايات المتحدة، والتي تم خلالها توقيع الاتفاقية النفطية.
وتخير واشنطن السوداني بين التحرك بجدية لإنهاء نفوذ إيران وحسم مشكلة ميليشيات الحشد مقابل فتح قنوات التواصل معه مجددا، أو أنها ستمضي في دعم إقليم كردستان سياسيا واقتصاديا والتعامل معه كجهة شرعية بما في ذلك سن الاتفاقيات.
ويظل هامش المناورة أمام السوداني محدودا لمواجهة هذا الوضع، فهو لا يستطيع الاحتجاج على الموقف الأميركي المنحاز للأكراد، والذي يقفز على الحكومة وصلاحياتها، كما أن السكوت سيجعله تحت ضغط الأحزاب الموالية لإيران، والتي تريد أن تضع بغداد في مواجهة مع الأميركيين لتخفيف الضغوط عن طهران بعد سلسلة خسائرها الإقليمية.
وقد لا يجد السوداني من ردة فعل إلا الضغط على الإقليم والاستمرار في توظيف ورقة الميزانية والرواتب لمنعه من التحرك منفردا بشأن عقد اتفاقيات استخراج النفط وتصديره.
وقبل أيام وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الحكم الذاتي الذي يتمتع به الأكراد في إقليم كردستان بحجر الأساس في المقاربة الأميركية تجاه العراق.
◙ مسرور بارزاني: اتفاقياتنا مع واشنطن في صالح الجميع ومن يُعارضها يتخذ موقفاً سياسياً لا أكثر
وقال روبيو في شهادة أدلى بها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إن المسؤولين العراقيين أعربوا عن رغبتهم في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، مؤكّدا أن واشنطن أوضحت أن “جوهر هذه العلاقة يقوم على احترام الشركات الأميركية العاملة في العراق، إلى جانب احترام الحكم الذاتي للأكراد.”
ويشير التجاء واشنطن إلى عقد اتفاقية مباشرة مع حكومة الإقليم إلى أنها منزعجة كذلك من استمرار العراق في الرهان على الصين ومنحها صفقات كبرى في مجال النفط على حساب مصالح الشركات الأميركية في وقت يعتقد فيه السوداني أنه بالرهان على الصين سيتمكن من الضغط على واشنطن، إلا أن ذلك سيؤدي على ما يبدو إلى نتائج عكسية.
وذكر موقع “أويل برايس” الأميركي المختص في قضايا الطاقة أن العراق يعوّل على شركات النفط الصينية ضمن خطة طموحة لزيادة إنتاجه من النفط مستقبلاً بمعدل 7 ملايين برميل يومياً، مؤكدا أن ذلك يأتي نتيجة لاتفاقية تم توقيعها في عام 2019 وأطلق عليها اسم “النفط مقابل إعادة الإعمار والاستثمار”.
وقال وزير النفط العراقي حيان عبدالغني للصحافيين الأربعاء إن الحكومة الاتحادية لديها تحفظات على اتفاقيات الطاقة التي أبرمها إقليم كردستان، وذلك بعد أن أشرف رئيس وزراء الإقليم على توقيع اتفاقين بقيمة 110 مليارات دولار مع شركات أميركية.
اقرأ أيضا: كردستان تصنع فرصها بثبات ونجاح
وأضاف أن الاتفاقيات والعقود المماثلة يتعين أن توقع عليها الحكومة الاتحادية. ومضى قائلا “لدينا ملاحظات على هذه الاتفاقية التي وقعها الإقليم. المفترض مثل هذه الاتفاقيات والعقود يجب أن توقع من الحكومة الاتحادية.”
وتشمل هذه الاتفاقيات تطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة – كردمير في مدينة السليمانية بشمال العراق، ووصفت وزارة النفط العراقية الثلاثاء هذه الصفقات بأنها “باطلة”.
وأشار مسرور بارزاني، إلى أن العقود التي أبرمها في واشنطن تصب في مصلحة المواطنين في إقليم كردستان والعراق، وقال إن “كل بيان يُعارض اتفاقياتنا المبرمة في واشنطن يُعد موقفاً سياسياً لا أكثر.”
وقالت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان في بيان ردا على ذلك إن هذه الصفقات تستند إلى عقود وُقعت “قبل سنوات عديدة” وأقرت المحاكم العراقية بقانونيتها. وتمثل السيطرة على النفط والغاز مصدرا للتوتر بين بغداد وأربيل منذ فترة طويلة.
ويدور نزاع كبير حول خط أنابيب يمر عبر تركيا والذي توقف عن العمل منذ مارس 2023 بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية – ومقرها باريس – بأن تركيا انتهكت أحكام معاهدة عام 1973 بتسهيلها الصادرات الكردية دون موافقة بغداد.
وتعثرت مفاوضات استئناف صادرات نفط إقليم كردستان عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا بسبب شروط الدفع وتفاصيل العقود. وكان خط الأنابيب ينقل في السابق نحو 0.5 في المئة من إمدادات النفط العالمية.