لو أن أحداً آخر كتب ما نشره المبعوث الامريكي الخاص الى سوريا على صفحته في منصة X لأُتّهِم على الفور بـ (الخطاب الخشبي – الايديولوجي..) ولوجدنا (جحش) هنا وآخر هناك في هيئة تيكتوتر اوباحث أو محلل يقول: بأن هذا الكلام دفاع عن السلطة الساقطة…
يقول توماس في تغريدته:
(منذ قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة ووصايات وحكمًا أجنبيًا. فقد قسّمت اتفاقية سايكس-بيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام. وقد كلّف هذا الخطأ أجيالًا كاملة، ولن نسمح بتكراره مرة أخرى. لقد انتهى عصر التدخلات الغربية. المستقبل يعود للحلول الإقليمية، المبنية على الشراكات والدبلوماسية القائمة على الاحترام). وكما شدد الرئيس ترامب في خطابه في الرياض بتاريخ 13 أيار/مايو: (ولّت الأيام التي كان فيها التدخليون الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط لإلقاء المحاضرات عن كيفية العيش، وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة.) مأساة سوريا وُلدت من الانقسام. أما ولادتها من جديد فلا بد أن تكون من خلال الكرامة، والوحدة، والاستثمار في شعبها. ويبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة—وبالعمل مع دول المنطقة، لا بتجاوزها. نحن نقف إلى جانب تركيا، والخليج، وأوروبا—وليس هذه المرة بجنود أو محاضرات أو حدود وهمية، بل جنبًا إلى جنب مع الشعب السوري نفسه. ومع سقوط نظام الأسد، أصبح باب السلام مفتوحًا—ومن خلال رفع العقوبات، نمكّن الشعب السوري من فتح ذلك الباب أخيرًا، واكتشاف طريق نحو ازدهار وأمن متجدد.
ما لم يقله توماس باراك
بعيداً عن المماحكة مع الطارئين على السياسة والثقافة والاعلام، من الضروري فهم دلالات ومعاني مثل هذا الخطاب اللافت للانتباه على لسان اقرب المقربين من الرئيس الامريكي ترامب والذي يجمع بين مهمتين في ظاهرة ملفته للنظر، فهو المبعوث الخاص والسفير الأمريكي في تركيا في آن واحد.
أولاً: تبييض صفحة الامريكي ودوره في المآلات المأساوية التي وصلت اليها دول وشعوب المنطقة، لا لتغيير هذا الدور من حيث المحتوى والاهداف، بل لاعادة انتاجه بما يناسب عالم التعددية القطبية الناشىء.
ثانياً: تعكس التغريدة تخبطاً أمريكياً وعجزاً في ادارة ملفات العالم المعاصر بالطريقة السابقة، وكان الدرس البليغ الذي تلقاه دونالد ترامب من الرئيس الجنوب أفريقي مؤخراً دليلاً واضحاً على ذلك.
إن عجز الامريكي عن مناطحة الكبار في ملفات الاقتصاد والتطور العلمي والتكنولوجي والعديد من مؤشرات القوة، يجعل خياراته محدودة ويدفعه الى الاستثمارفي هشاشة دول هذه المنطقة سهلة الاختراق بأزماتها المركبة، القديمة – الجديدة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والثقافية والقبول بتقاسم النفوذ مع قوى إقليمية (تركيا والسعودية) وإطلاق يدها في الإقليم، لعل وعسى ان توقف الاصطفافات الدولية الجديدة.
ثالثاً: التدخلات الدولية القديمة التي يحاول السيد توماس أن يتبرأ منها لم تكن ظواهر أخلاقية ورغبات هذا الزعيم الفرنسي والانكليزي او ذاك، بل كانت نابعة من بنية النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي انتج سايكس بيكو، وحاجته الدائمة الى التوسع والتمدد بحثاً عن المزيد من الربح، الذي استلم الامريكي تركته بعد الحرب العالمية الثانية، وعليه فإن حقيقة صحوة الضمير عن التدخلات الدولية، تعكس سياسة الانكفاء الالزامية وشعار امريكا أولاً، و محاولة للالتفاف على تراجع المنظومة.
وكي لانطيل الحديث: أن تتحدث امريكا الرسمية عن الامبريالية فهذه وحدها تستحق التأمل والتفكير لمن يريد ان يفهم ماذا يجري في العالم.