من اليسار: رئيس مجلس النواب السابق بول ريان، ورئيس مجلس النواب السابق كيفن ماكارثي، والنائب مات غايتز، والرئيس السابق دونالد ترمب (غيتي/أيستوك)

في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وسط أنباء عن أنماكارثي  سيغادر الكونغرس نهاية الشهر، لاقى إقراراً غير عادي من رئيس مجلس النواب السابق انتشاراً واسعاً.

إذ قال لـ”نيويورك تايمز” الشهر الماضي: “عندما تنظرون إلى الديمقراطيين، هم في الواقع يشبهون أميركا. وعندما أنظر إلى حزبي، نبدو مثل النادي الريفي الأكثر تقييداً في أميركا”. وأدلى بتصريحات مماثلة في أكتوبر (تشرين الأول) من ضمن خطاب ألقاه في جامعة أوكسفورد.

ولاحظ كثر من الناس أن السيد ماكارثي كان على حق: يطغى على تجمع الجمهوريين  في مجلس النواب الأعضاء البيض في شكل لا يصدق إلى جانب عدد قليل من النساء واللاتينيين. ومع ذلك، حاول السيد ماكارثي يائساً تنويع الحزب الجمهوري. من نواح كثيرة، كان يحاول مواصلة المهمة التي بدأت حين كان عضواً في تجمع “يونغ غانز”، وهي مجموعة من المحافظين الشباب الجدد والنشطين شملت بول ريان وإيريك كانتور.

 

وكان من شأن هذا الجيل الجديد أن يشكل رداً على انتخاب باراك أوباما، الرجل الذي شكل في حد ذاته إشارة إلى تنويع أميركا. لكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط: بينما كان الحزب الجمهوري في حاجة إلى توسيع قاعدة ناخبيه، رفضت معظم القاعدة بشدة أي نوع من التغييرات وأراد أن يتحرك الحزب الجمهوري أكثر نحو اليمين، وبدأ ذلك أولاً بتأسيس “حزب الشاي” وبلغ ذروته في انتخاب دونالد ترمب.

يمكن تفسير هذا الدافع في شكل أفضل باقتباس من النائب توماس ماسي، الجمهوري الليبرتاري من كنتاكي، الذي قال عام 2018 إن الجمهوريين “لم يصوتوا لأفكار ليبرتارية، لقد صوتوا للعين الأكثر جنوناً في السباق. وفاز دونالد ترمب بجائزة الأفضل في الصنف، مثلما فعلنا حتى مجيئه”.

حاولت مؤسسة الحزب الجمهوري ترويض دوافع الفصائل الأكثر تطرفاً أثناء محاولتها توسيع الحزب، لكنها عانت خسائر كل مرة.

كان أول المستهدفين السيد كانتور. بصفته زعيم الغالبية في مجلس النواب، كثيراً ما قوض جهود رئيس المجلس جون بوينر خلال مفاوضاته مع السيد أوباما، عندما طالب الجيل الجديد من المحافظين اليمينيين المتشددين بتخفيضات قوية في الإنفاق في مقابل رفع سقف الديون. كذلك أغلقوا أبواب المؤسسات الحكومية في محاولة لإلغاء تمويل “أوباماكير”. وفي الوقت نفسه كان السيد ريان يأمل في تقديم بديل للسياسات الديمقراطية، مما جعله مرشح ميت رومني لمنصب نائب الرئيس في انتخابات عام 2012.

بعدما هزم السيد أوباما الجمهوريين في ذلك العام بفضل تحالف من الشباب والناخبين السود والناخبين اللاتينيين، أعربت مؤسسة الحزب الجمهوري عن بعض الانفتاح على إصلاح الهجرة، كما فعل السيد ريان والسيد كانتور. لكن قاعدة الحزب الجمهوري لفظت الفكرة.

في مقاطعته الأصلية، خسر السيد كانتور الانتخابات التمهيدية أمام حزب الشاي. وعلى رغم أن السيد كانتور نادراً ما عاد إلى مقاطعته، ألقى كثر باللوم في خسارته على دعمه إصلاح الهجرة. وأدى ذلك إلى تخلي الحزب الجمهوري عن هذه السياسة، ولم يتبن السيد بوينر مشروع قانون الهجرة الذي أقره مجلس الشيوخ لأسباب من أهمها أنه كان يخشى إغضاب المحافظين.

عندما استقال السيد بوينر، وعد السيد ريان صراحة المحافظين اليمينيين المتشددين الذين أجبروا السيد بوينر على الاستقالة بأنه لن يحاول التوصل إلى حل وسط في شأن الهجرة مع إدارة أوباما عندما يصبح رئيساً للبرلمان. وسيكون هذا أقل ما يقلق السيد ريان لأن استيلاء السيد ترمب العدائي على الحزب أعطى المتطرفين في تجمعه مناصراً قوياً.

وبينما كان السيد ريان يأمل في الالتزام بالمثل العليا للحكومة المحدودة والتجارة الحرة وخفض الاستحقاقات، وجه السيد ترمب إلى الاتفاقات التجارية هجوماً مماثلاً لهجومه على المهاجرين، وتحدث عن تعهد حكومي ضخم في شكل جدار يقام على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. ووصف ستيف بانون، مستشار السيد ترمب، السيد ريان بأنه “شخص ضعيف ترعرع في “مؤسسة التراث” Heritage Foundation، وهي مؤسسة بحثية محافظة تتخذ من واشنطن مقراً.

ثبت أن كل ذلك كان أكثر مما يستطيع السيد ريان تحمله وسرعان ما اعتزل بعد فشله في إلغاء “أوباماكير” أو تقليص “ميديكير” والضمان الاجتماعي.

وجاء السيد ماكارثي. على رغم الختام المشكوك فيه لولايته، بدا السيد ماكارثي في البداية الزعيم الجمهوري الأفضل لتأمين المساومة بين الجناح اليميني-اليميني والمؤسسة. وبقي مسانداً للسيد ترمب إلى درجة أن الأخير أطلق عليه اسم “كيفن الخاص بي”. وجند مزيداً من النساء والملونين للترشح في المقاطعات غير المحسومة. نتيجة لذلك، عندما فاز الديمقراطيون بالبيت الأبيض عام 2020، ألحق الجمهوريون ضرراً كبيراً بالغالبية الديمقراطية داخل مجلس النواب.

لقد تقرب من جيم جوردان، الرجل الذي وصفه السيد بوينر ذات مرة بأنه “إرهابي تشريعي”، والنائبة مارجوري تايلور غرين – المؤمنة بـ”كيو آنون” [حركة سياسية يمينية أميركية تومن بنظرية المؤامرة] المنكرة لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة – على أمل أن يتجنب مصير السيد كانتور والسيد ريان نفسه. حتى إنه كسب وقوف السيد ماسي إلى جانبه في مقابل رئاسة لجنة فرعية.

في النهاية، فاز الجمهوريون بغالبية ضئيلة في مجلس النواب عام 2022، مما عنى أن السيد ماكارثي كان عليه التعامل مع فصيل متطرف أقوى بكثير ما جعله يستغرق 15 جولة ليصبح رئيساً لمجلس النواب. كذلك عارض هذا الفصيل الصاخب بشدة أي شيء يشبه الحكم الرشيد، مما عنى أن السيد ماكارثي كان في حاجة في كثير من الأحيان إلى الاعتماد على الديمقراطيين لكي تتمكن الحكومة من دفع فواتيرها ومواصلة أعمالها إضافة إلى حيل مثل توجيه اللوم إلى ديمقراطيين مثل النائب آدم شيف والإطاحة بإلهان عمر من عضوية لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب. لكن هذا لم يمنع الأصوات الأكثر تطرفاً من إخراجه من منصب رئيس المجلس.

الآن، يتخلى الحزب الجمهوري في مجلس النواب عن أي تظاهر بمناشدة أي مجموعة خارج قاعدته أو تظاهر بالحكم الرشيد. رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون هو منكر لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ويركز أكثر على اتهام جو بايدن بدلاً من الحكم معه. وفي ما يتعلق بالهجرة، يسعى الجمهوريون إلى انتزاع أكبر عدد ممكن من الأحكام ليس فقط لتقييد الهجرة غير الشرعية بل أيضاً الهجرة القانونية ذات الهدف الأساس المتمثل في دعم حليف دولي على غرار أوكرانيا. وتعني معارضتهم لأي شيء يشبه الضرائب أنهم لا يتمكنون من تمرير مساعدات إلى إسرائيل بعد الهجوم المميت الذي شنته “حماس”.

إن سقوط السيد ماكارثي عبارة الآن عن تحذير: من المستحيل استيعاب الفصائل المتطرفة داخل الحزب الجمهوري وهي ستستهلك في نهاية المطاف أي زعيم يحاول القيام بذلك. والآن، يجد السيد ماكارثي نفسه مطروداً من النادي الريفي الذي كان يديره ذات يوم.

© The Independent