ملخص
لم يمضِ شهر واحد فحسب، وأعاد تنظيم “داعش” لغة التهديد وبث رسائل الدم إلى حكومة الشرع، مطالباً المقاتلين وأفراد الأمن العام بالانضمام إليه والقتال.
من دون جدول زمني محدد لا يزال الحديث عن مغادرة الجماعات الأجنبية المسلحة سوريا شرطاً أساساً حتى ترفع واشنطن عقوباتها عن البلد المنهك طوال عقد من الزمن.
وتتجه الأنظار تارة إلى جبل قاسيون، حيث يتربع القصر الجمهوري بانتظار قرار قادم يحسم أمرهم، وتارة أخرى إلى البادية وما تُخبئه من جحور وخنادق تحضن مخادع فلول تنظيم “داعش” وهي تسن سيوفها، وتتجهز براياتها السوداء إيذاناً بمعارك جديدة مع النظام الجديد.
ليس بالمفاجئ أن يلتحق الآلاف من المقاتلين الأجانب ممن يقاتلون إلى جانب الجيش السوري الجديد إلى “داعش” باعتباره أكثر التنظيمات المتشددة جذباً للفكر المتطرف والعقائدي. ولهذا الغرض أصدر التنظيم بياناً في الـ20 من أبريل (نيسان) الماضي هدد فيه رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بدعوة أميركا.
ولم يمضِ شهر واحد فحسب، وأعاد تنظيم “داعش” لغة التهديد وبث رسائل الدم إلى حكومة الشرع، مطالباً المقاتلين وأفراد الأمن العام بالانضمام إليه والقتال، وهذا ما حدث بالفعل حينما هاجم أفراد التنظيم مواقع أمنية حكومية في بلدة الطيانة وذيبان والشحيل ونقطة عسكرية في بلدة الكبر بريف دير الزور الشمالي الغربي، علاوة عن تفجير سيارة مفخخة في الميادين شرقي المحافظة.
في غضون ذلك شهد منتصف مايو (أيار) الجاري أول احتدام وقف به مقاتلون من الأمن العام بوجه عنصر من “داعش” في حي الحيدرية في مدينة حلب شمال سوريا، فيما قتل الانتحاري الداعشي ولقي عنصر أمن واحد حتفه باشتباك مسلح. وسبق ذلك الكشف عن خلية إرهابية من تنظيم “داعش” كانت تخطط لتنفيذ عمل تخريبي في مقام السيدة زينب في ريف دمشق.
تحالف دولي محدود
من موسكو توقع مدير مركز “أس جي أم” للأبحاث آصف ملحم في حديث إلى “اندبندنت عربية” تدخلاً دولياً محدوداً للتخلص من الفصائل الأجنبية المسلحة، ويرى أن الإدارة الجديدة ليس بوسعها منفردة إنهاء ملف المقاتلين الأجانب، مرجحاً مشاركة طيران روسي وإسرائيلي للانقضاض عليهم خاصة أنهم بحسب رأيه تمترسوا في جبال الساحل الوعرة. ولفت النظر إلى وصول عدد لا بأس به منهم إلى الساحل، مرجحاً خطورة تتهدد حتى أوروبا، حيث من الوارد سفرهم عبر البحر من شواطئ اللاذقية وطرطوس عبر قوارب بصورة خفية، وهناك كثير من عصابات التهريب التي يمكن أن تدخلهم إلى تلك الدول. وقال، “إن دول الخليج تدخلت في الوقت اللازم لأن ترك سوريا بهذه الصورة يمكن أن يحولها إلى بؤرة وخطر يتمدد إلى دول المنطقة، ومهما فعلت تركيا ستبقى سوريا بالعباءة العربية، خصوصاً في ظل توافق إقليمي – دولي على عدم السماح لهذه الجماعات الأجنبية المسلحة بالتمركز في سوريا”.
ورأى ملحم أن الفترة المقبلة ستكون “مرحلة قتال” بين الجماعات التي تنضوي تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”، التي تعد جماعات سورية وهدفها إسقاط النظام وبين الفصائل الأجنبية التي لا يمكن دمجها بالجيش السوري، وإعادتهم إلى بلدانهم غير ممكنة لأنهم محكومون بالإعدام، ولهذا العمل العسكري ضدهم قد يكون قريباً.
ونبه إلى أن هؤلاء جاءوا من القوقاز وأوزبكستان والشيشان وغيرها عبر شبكات تجنيد وهي بحسب ما يصف لا تعمل وحدها، وتأتي إلى تركيا، بل عبر شبكة استخباراتية، ووظائفهم قوة عسكرية فاعلة في البلاد، ومن جهة ثانية إحداث تغيير ديموغرافي، لا سيما في الساحل السوري، وتأسيس قواعد لهم بهدف الجهاد مختبئين بالجبال وتسهم السلسلة الجبلية المعقدة هناك بحمايتهم كوسيلة انطلاق عبر البحر إلى دول أجنبية خارج حدود سوريا.
عودة المياه
في الأثناء تحشر الولايات المتحدة المقاتلين الجانب ومعها حكومة دمشق في الزاوية وتخير إدارة الرئيس دونالد ترمب، الشرع بين إعادة الإعمار والحفاظ على السلم الأهلي بالاستغناء عن المقاتلين الأجانب أو أن تبقى دمشق على الحال ذاتها.
يأتي ذلك في وقت رفع فيه المبعوث الأميركي توماس باراك علم بلاه فوق مقر إقامته في دمشق أمس الخميس منهياً قطيعة بدأت منذ اندلاع الصراع السوري الأهلي، وإغلاق السفارة عام 2012.
العودة إلى الركام… نازحون سوريون يحيون الأمل بين أنقاض منازلهم
ولعل هذا الحدث يبشر السوريين بانتهاء عصر الصراعات مع الدول الغربية لعقود طويلة امتدت منذ عام 1979 في ظل حكم الأسد (الأب حافظ والابن بشار)، لكنه يجعل التنظيمات المتطرفة تستشيط غضباً، وتتحضر للتفكير جدياً نحو متغيرات جذرية إحداها الاندماج مع “داعش”، أو في أسوأ الأحوال التمرد على الشرع ونظامه الحالي.
وتقاطر المقاتلون الأجانب منذ اندلاع الصراع السوري عام 2011 وزاد عددهم مع اتساع المعارك عام 2013، بخاصة مع ظهور “داعش”، لكن مع قطع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في ذلك الوقت علاقتها مع التنظيم الإرهابي، انقسم المقاتلون الأجانب وتفرقوا بين الفصائل منهم من بقي في “داعش” وآخرون انضموا إلى بقية الفصائل التي انشقت عنها.
ويعد الإيغور أو ما يعرف بـ”التركستان” القادمين من وشط وشرق آسيا أكبر المجموعات الأجنبية في سوريا، والتي تضم مقاتلين من دول أوروبية وعربية، ومنها من دول الاتحاد السوفياتي السابق والبلقان وغيرها.
وإلى اليوم وعلى رغم حرص العهد الجديد في سوريا على تجنيس المقاتلين الأجانب كمكافأة لهم بعد مشاركتهم في عملية “ردع العدوان” في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وتسلم “هيئة تحرير الشام” والفصائل المنضوية تحت رايتها مفاصل الحكم، لكن لا يوجد إحصاء رسمي أو بيان صادر عن عدد المقاتلين.
في المقابل تقدر تقارير الأمم المتحدة أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي جاءوا إلى سوريا عبر الأراضي التركية، منهم قادمون من دول أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون بين (2012 و2019)، لكن التقديرات الحالية تشير إلى ما بين 10 و12 ألف مقاتل أجنبي، وهذا ما يشكل 10 في المئة من إجمال قوات المعارضة المسلحة في ذلك الوقت قبل سقوط النظام.
11_(7).jpg
يقدر عدد المقاتلين الأجانب بـ20 ألفاً بينهم عناصر من حركة تركستان الشرقية الإسلامية (اندبندنت عربية)
ولفت رئيس مجلس الأمن القومي القرغيزي مارات أيمنكولوف الانتباه إلى وجود 20 ألف مقاتل أجنبي بينهم عناصر من حركة تركستان الشرقية الإسلامية. وقال في مؤتمر أمني “دمجت هذه الفصائل في قوات الأمن العام السورية ويفترض أنها جزء من إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وباتت وجهة لتصدير التطرف”، بحسب تصريحاته.
ضرب “داعش” بالمسلحين
إلى ذلك يحاول “داعش” الوصول إلى المقاتلين الأجانب واستقطابهم بهدف إعادة بناء دولة خلافة جديدة، وعملية جذبهم يعني إعادة تدوير الفوضى، وإعلان الحراك المسلح ضد الحكم الجديد، خصوصاً أن النشرات الأسبوعية التي تصدر عبر التنظيم ومنذ لقاء ترمب والشرع تتجه إلى انتقاد الرئيس السوري وتصفه بالخائن للقضية، علاوة على التساهل وخطاب التسامح الذي أطلقه بعد توليه الحكم إثر سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.
ومن واشنطن ينبه رئيس مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري إلى خطر المقاتلين الأجانب المنتمين إلى تنظيم “داعش”، والذين يشكلون تهديداً فعلياً على سوريا ودول المنطقة، بل وربما على بعض الدول الأوروبية أيضاً، وهذا الشق بدوره ينقسم إلى قسمين. الأول وفق رأيه يضم “المعتقلون في مخيم الهول وسجن الباغوز شمال شرقي سوريا، ويقدر عددهم بعشرات الآلاف، وتطالب الولايات المتحدة والإدارة السورية بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية لمحاكمتهم، لكن معظم هذه الدول لا تتعامل مع الملف بجدية كافية حتى الآن”. أما القسم الثاني، فهي العناصر النشطة من “داعش” في البادية، ومعظمها من السوريين، إضافة إلى مقاتلين من الجنسية العراقية. ولدى العنجري سيناريو معاكس فبدلاً من أن تنضوي الجماعات الأجنبية إلى التنظيم المتطرف فإنها من الوارد أن تدفعها دمشق ونيويورك باتجاه مقاتلة التنظيم. وقال، “من المرجح أن يجري استخدام المقاتلين الأجانب المنضوين في فصائل (هيئة تحرير الشام) ضمن الحرب المقبلة ضد (داعش) والتخلص منهم بطريقة مشرفة ولائقة، وقد لمحت بعض التصريحات الغربية والأميركية إلى أن هناك توجهاً لإشراك الدولة السورية الجديدة في التحالف الدولي لمواجهة التنظيم الإرهابي”.
ويرى محللون أنه سيكون أمام هذه الجماعات الانتقال إلى “داعش” في البادية أو الساحل في حال رفضهم الرحيل عن البلاد، وهذا ما سيمهد نحو محاربتهم بطريقة سريعة وخاطفة، ومن المرجح القضاء عليهم بصورة سريعة، إذ ترفض الأوساط الشعبية بقاء هذه الجماعات والتي لا تتمتع بحاضنة شعبية، بخاصة ما تحمله من فكر متطرف ومتشدد أدت إلى حوادث هجوم على ملاهٍ ليلية وتكفير النساء والرجال بسبب الملابس أو إطلاق اللحى، وكل هذا يتنافى حتى مع الإسلام المعتدل الذي يتمتع بها السوريون.