في تعريف «لجنة الشباب المسلم» بنفسها الذي قرأناه في المقال السابق، أشارت إلى أنَّ المراسلات البريدية توجه إليها باسم محمد رشاد رفيق سالم، عضو اللجنة والمسؤول عن النشر فيها، ذاكرةً عنوانه البريدي. فمن هو هذا العضو المسؤول عن النشر في هذه اللجنة؟
هو محمد رشاد بن محمد رفيق سالم. اختصر اسمه في البداية إلى محمد رشاد رفيق سالم، ثم اختصره إلى محمد رشاد سالم. والاسم الأخير هو الاسم الذي عُرف به واشتهر لدى القراء. أبوه سوري من حمص استوطن مصر. وُلد محمد رشاد سالم في القاهرة عام 1927. تخصصه في الدراسة الجامعية كان في الفلسفة، وفي الدراسات العليا كان في الفلسفة الإسلامية. درّس في جامعة عين شمس بالقاهرة وفي جامعتَي الملك سعود ومحمد بن سعود الإسلامية بالرياض. أغلب أعماله في تحقيق ودراسة ونشر تراث ابن تيمية. حصل على الجنسية السعودية عام 1976. عنايته بتراث ابن تيمية وتخصصه فيه أتيا من اتصاله الشخصي منذ شبابه المبكر بمحب الدين الخطيب ومحمود محمد شاكر، أو بتشجيع منهما. أشير إلى هذه المعلومة للتنبيه على أن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر لم تكن معنية لا بابن تيمية ولا بتراثه في منتصف القرن الماضي.
توقف عمل «لجنة الشباب المسلم» مع اعتقال أعضائها مع بقية رفاقهم في جماعة «الإخوان المسلمين» عام 1954 في حادثة المنشية الشهيرة.
وبتوقف عملها برز دور «دار الفكر» بدمشق أكثر في نشر كتب المودودي المترجمة إلى العربية؛ إذ أصبحت هي دار النشر الوحيدة في العالم العربي المعتمدة من قبل «دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور في نشر كتب المودودي التي تقوم هي بترجمتها إلى العربية.
كتب المودودي الثمانية، وكتب مسعود الندوي الثلاثة («نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان»، و«الجماعة الإسلامية: دعوتها وأهدافها ومنهاج عملها»، و«الإسلام ودعوته») التي نشرتها «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة، بتأملها من ناحية الشكل خرجت بانطباع أن اللجنة اقتصر دورها في هذه الكتب على الدور التنفيذي فقط؛ فما تحويه هذه الكتب من بيانات وإعلانات ودعاية ومقدمات مناط تصميمه وكتابته بـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور، وأستثني من ذلك مسألتين:
المسألة الأولى، كتابة محب الدين الخطيب مقدمة لكتاب «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان». تضمنت المقدمة تعريفاً بمسعود الندوي وإشادة به وبـ«دار العروبة» وبالمودودي. وتضمنت تعريفاً بالكتاب. وقد قال في تعريفه بالكتاب: «وقد جمع الأستاذ مسعود بين وفائه لدينه ووفائه لوطنه بتأليفه كتابين أحدهما أطول من هذا، كان آثرني به وبعث بفصوله إلى (الفتح) فنشرت أجزاءه تباعاً، وستصدر إن شاء الله في كتاب على حدة، وهي تزيد على هذه الرسالة بما تعرضت له من تاريخ ملوك الهند المسلمين. أما هذه الرسالة فتقتصر على العناية بتاريخ الإسلام – لا المسلمين – وما طرأ على الدعوة الإسلامية من تطور من فجر الإسلام إلى العصر الحاضر».
وفي ختام المقدمة عرّف محب الدين الخطيب بـ«لجنة الشباب المسلم» تعريفاً طغت فيه الإشادة الدينية على التعريف النافع والمفيد بهم. فلقد قال في هذا التعريف: «وقد تولى نشر هذه الرسالة (لجنة الشباب المسلم) التي تألفت في مصر من متخرجي الجامعات المصرية الذين بايعوا الله على أن يتقربوا إليه بإحياء شريعته وآدابها في أنفسهم وكل من يتصلون به من لِداتهم وإخوانهم، وأن ينشروا ما يعتقدون النفع للمسلمين بنشره من الكتب عن حقائق الإسلام وأحوال المسلمين».
قال محب الدين الخطيب في خاتمة مقدمته: «ويسعدني أن أنوب عنهم في كتابة هذه المقدمة للتعريف بأخي الأستاذ مسعود الندوي ورسالته، وإن كان الطيب بما يفوح من عبيره لا يحتاج الناس معه إلى تعريف».
أشك في أن أعضاء «لجنة الشباب المسلم» طلبوا منه أن ينوب عنهم في كتابة مقدمة لهذا الكتاب الذي نشروه في عام 1952، وأرجح أن كتابته لها كانت بمبادرة منه. وهذه المبادرة منه كانت لسببين هما:
السبب الأول، ألمح له هو في مقدمته، وهو أن الكتاب هو مختصر فصول كان هو نشرها لمسعود الندوي في مجلته؛ مجلة «الفتح». فهو أراد من خلال المقدمة تثبيت حقه وحق مجلته الأدبيين في أنهما صاحبا الفضل في نشر المادة الأصلية والمفصّلة لكتاب «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان».
السبب الثاني، أنه وجد في كتابة مقدمة لهذا الكتاب فرصة للتعبير عن إعجابه بمسعود الندوي – الذي هو أحد كتّاب مجلة «الفتح» الهنود من يفاعته – وتثمين توجهه الإسلامي والإشادة بدوره في الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان. أقول: فرصة ثمينة؛ لأنه لم يقدر لهما أن يلتقيا؛ فاللقاء بينهما اقتصر على اللقاء العقدي الروحي الحميمي عن بُعد.
إن قول محب الدين الخطيب: «ويسعدني أن أنوب عنهم في كتابة هذه المقدمة» يوهم أن من تقاليد النشر عند «لجنة الشباب المسلم» كتابة أحدهم أو بعضهم مقدمات لمنشوراتهم المودودية أو لمنشوراتهم عامة. وهذا أمر لم يسبق لهم أن فعلوه.
ومما يجدر ذكره أن محب الدين الخطيب الذي ساعدهم في طباعة معظم منشوراتهم في مطبعته «المطبعة السلفية»، كتب مقدمة لكتاب آخر من منشوراتهم صدر عام 1953، وهو كتاب سيد قطب «دراسات إسلامية» الذي لا أشك أن كتابته مقدمة له كانت تلبية لرغبة سيد بأن يكتب مقدمة لكتابه.
وفي ظني أن الذي دفع سيد قطب للنشر عندهم، رغم أنهم جهة جديدة ليس لها ذلك الصيت في عالم النشر، غرامه بكتب المودودي التي كان يعب من تنظيراتها الإسلامية الأصولية في طور غرامه السري بكتبه، والذي لم يفصح عن جانب منه إلا ابتداء من أواخر الخمسينات الميلادية.
المسألة الثانية، في آخر صفحات المودودي (نظرية الإسلام السياسية) قدموا تلخيصاً لأهم ما ورد في الكتاب مصوغاً بأسلوب النقاط.
وثمة نقطة في التلخيص أثارت اعتراض أولي أمرهم في «دار العروبة للدعوة الإسلامية» في باكستان، وهي قولهم في التلخيص: «ويلزم الأمير برأي أهل الشورى المنتخبين من عامة المسلمين».
الاعتراض قائم على أن المودودي في كتابه لم يقل بهذا الرأي، بل قال بنقيضه، وهو قوله: «فالأمير له الحق أن يوافق الأقلية أو الأغلبية في رأيها، وكذلك له أن يخالف أعضاء المجلس كلهم ويقضي برأيه».
تقويل المودودي في تلخيصهم ما لم يقله ألجأهم في الكتاب التالي لهذا الكتاب، وهو كتاب «منهاج الانقلاب الإسلامي»، في ختام تلخيصه إلى كتابة رسالة «استدراك واعتذار»، أقر فيها فتية «لجنة الشباب المسلم» الذين آمنوا بدعوة «الإخوان المسلمين» بأنهم «حرّفوا» في عرض وجهة نظر المودودي، مع إبداء أسفهم الشديد على ما اقترفوه. لكن هذا لم يمنعهم من إعلان عدم موافقتهم لرأي المودودي، وصرحوا بأنهم في الجدل القديم حول هل الشورى ملزمة للإمام أو معلمة، يأخذون بالرأي الأول.
أود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الحق الذي منحه المودودي للأمير لا يكون إلا فيما سكّه من تعبير، ألا وهو «الحكومة الإلهية أو الثيوقراطية» التي سيكون هو أميرها. فهذا الحق هو له ولخلفائه، ويستمر من بعده.
حال «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة مع كتب المودودي المعرّبة أفضل من حال «دار الفكر» بدمشق مع كتبه، سواء إن كانت نشرتها باسمها، أو باسم «دار الفكر الإسلامي»، أو باسم «مكتبة الشباب المسلم». العمل الوحيد الذي قاموا به هو تكليف المحدّث ناصر الدين الألباني بتخريج الأحاديث الواردة في بعض كتب المودودي. وللحديث بقية.