في تطور غير مسبوق في تاريخ الإعلام الرسمي السوري، قال وزير الإعلام في الحكومة الانتقالية، حمزة المصطفى، إن هناك توجهاً لإطلاق نشرة إخبارية باللغة الكردية عبر شاشة “التلفزيون السوري”، في إطار مراجعة شاملة لسياسات الدولة الثقافية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وبالتزامن مع هذا التصريح، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن فتح باب التوظيف لمحررين وصحافيين يتقنون اللغة الكردية للعمل في مكتبها المركزي بدمشق، في إعلان وصف بأنه تأكيد عملي على التوجه الجديد للحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع نحو الاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي، بعد عقود من السياسات الإقصائية والتعريب القسري.
لحظة رمزية
وحظيت الخطوة بترحيب واسع في الأوساط الثقافية والحقوقية، واعتبرت تصحيحاً لمسار طويل من قمع اللغة الكردية وتهميش من يتحدثون بها، إلا أن ردود الفعل لم تكن موحدة، حيث تساءل ناشطون:”ما الجدوى من بث نشرات أو برامج بالكردية، بينما هذه اللغة نفسها لا تحظى بأي حضور حقيقي في المنظومة التعليمية؟”
وأشاروا إلى أن المدرسة، لا شاشة الأخبار، هي الفضاء الأول الذي تصان فيه اللغات وتبنى فيه الهويات، محذرين من تحويل هذا الاعتراف المتأخر إلى رمزية إعلامية بلا مضمون مؤسساتي، إذا لم ترفق بخطوات تشريعية وتعليمية، تبدأ من المناهج وتنتهي في القوانين.
اعتراضات على التخصيص اللغوي
في المقابل، أبدى البعض تحفظهم على تخصيص النشرة للكردية فقط، مشيرين إلى أن سوريا بلد متعدد اللغات، ويضم مكونات أخرى تتحدث التركمانية، السريانية، الأرمنية، الشركسية، والآرامية، متسائلين: “هل ستقوم الحكومة بإحداث نشرات بلغات أخرى أيضاً؟ أم أن الاعتراف سيقتصر على الأكثر حضوراً وتأثيراً ؟”
وكان التلفزيون السوري، خلال العقود الماضية، قد بث تجارب قصيرة لنشرات باللغة الأرمنية عبر القناة الثانية، كما وجدت نشرات محدودة باللغة الإنكليزية، إلا أن هذه التجارب لم تُترجم إلى سياسات ثقافية أو تعليمية، بل بقيت ضمن نطاق التجميل الخارجي لا أكثر.
مليونا كردي
ويقدر عدد الأكراد في سوريا بين 1.5 إلى 2 مليون نسمة، أي ما يعادل حوالى 10% من السكان، ما يجعلهم ثاني أكبر مكون قومي بعد العرب، في المقابل، يُقدر عدد الأرمن في سوريا حالياً بما لا يزيد عن 100 ألف، بعد أن انخفض بشكل ملحوظ عقب الحرب نتيجة الهجرة.
ورغم هذا التفاوت العددي، حظي الأرمن تاريخياً باعتراف لغوي وثقافي محدود، يشمل مدارس وكنائس ونوادٍ خاصة، بينما حرم الأكراد من أبسط حقوقهم اللغوية لعقود. فقد كان تعليم اللغة الكردية محظوراً رسمياً، واقتصر تداولها على السياق العائلي أو عبر التعليم الشفهي غير الرسمي، على غرار ما حدث مع السريان الذين احتفظوا بلغتهم الدينية والتقليدية داخل الكنائس والعائلات، وسط تجاهل رسمي كامل.
تاريخ من الإنكار: الكرد واللغة المحظورة
منذ الستينيات، انتهج النظام السابق سياسة صارمة لقمع الوجود الثقافي الكردي في سوريا، حيث حرم فحرم أكثر من 120 ألف كردي من الجنسية بموجب الإحصاء الاستثنائي عام 1962، ومارس تعريباً ممنهجاً شمل منع استخدام اللغة الكردية في المدارس، والمطبوعات، وحتى في اختيار أسماء المواليد.
كما نفذ “مشروع الحزام العربي” في الشمال الشرقي، الذي هجر آلاف الكرد من أراضيهم، ووطن مكانهم عشائر عربية، في محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي طويل الأمد.
حكومة ما بعد الأسد: اعتراف بالتنوع
ومنذ تولي الحكومة الانتقالية مهامها، أكدت أنها تسعى إلى بناء دولة جديدة، تعترف بجميع مكوناتها على قدم المساواة، ورغم عدم صدور دستور دائم بعد، إلا أن الخطاب الرسمي الجديد يبتعد عن مركزية “الهوية العربية”، ويتبنى مقاربة ترى في العربية لغة جامعة، لا مهيمنة، وتفتح الفضاء العام أمام المكونات الأخرى للتعبير عن لغتها وهويتها.