أصبح حسْم ملف قيادة الجيش كليّاً بعهدة “حزب الله”، فإذا جرى التمديد للعماد جوزف عون الذي يفترض أن يحال الى التقاعد في العاشر من شهر كانون الثاني (يناير) المقبل فسوف يحصل ذلك، بفضل الحزب، وإن سقط هذا التمديد، فسوف يكون ذلك، بسببه أيضاً!
ولم يتحوّل الحزب إلى صاحب القرار، لأنّه “عبقري” بل لأنّ اللاعبين السياسيين الآخرين، يهوون خوض المعارك الداخليّة “المسموح” لهم بها، في وقت يتحكم “حزب الله” بقرار السلم والحرب.
ولن يُعلن الحزب قراره في هذا الموضوع إلّا عندما يُنفّذه، إذ إنّ مصلحته تكمن في إبقاء ختم السريّة على توجهه النهائي، لأنّه يستغل الربع الساعة الأخير، من أجل معرفة الثمن الذي سوف يتقاضاه، إن مدّد لقائد الجيش أو أنهى ولايته.
والثمن الذي يتطلّع إليه “حزب الله” ليس بسيطاً، فهو إن وافق على التمديد يريد أن يضمن توجهات العماد جوزف عون، في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع توقع ارتفاع الضغوط على لبنان، من أجل إخلاء المناطق الحدوديّة من “الجناح العسكري” للحزب الذي بات اسمه في إسرائيل “قوّة الرضوان”.
إن أخذ الضمانات بأنّ قائد الجيش سوف يكون “حسن السلوك” فإنّ “حزب الله” يفضل التمديد له على المجيء بغيره، لأنّ العماد جوزف عون يتمتع بتأييد كبير في المجتمع الدولي عموماً ولدى الدول الغربيّة التي لها وحدات نشطة في قوات الطوارئ الدولية المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، خصوصاً.
وفي هذه الحالة، فإنّ عون المتعاون إلى الحدود التي يرغب بها “حزب الله” هو أجدى له من غيره حتى لو كان من “أهل البيت”، لأنّ الدول التي تدعم التمديد له، سوف تستمع إليه وتتعامل إيجاباً مع قراراته، في حين أنّها ستشكك بأيّ توجه يتّخذه غيره، حتى لو كان أكثر تفهماً وليونة.
وقد رفع “التيّار الوطني الحر” ثمن التمديد لقائد الجيش ليس بالهجوم الشخصي عليه فحسب بل باتهامه بأنّه معتمد دوليّاً من أجل أن يُنفّذ، بشكل مجتزأ، أي على حساب “حزب الله”، القرار 1701، أيضاً.
وهذا الثمن لن يتقاضاه “التيّار الوطني الحر” إذا قرّر العماد عون دفعه، بل “حزب الله” المعني مباشرة بطريقة تنفيذ القرار 1701، على اعتبار أن الطروحات التي يتم التداول بها تستهدفه هو.
وقد أزاح “التيّار الوطني الحر” عن كاهل “حزب الله” إحراج الوقوف في وجه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي رفع الصوت لمصلحة تمديد ولاية عون، إذ بات على هذا الحزب أن “يقف على خاطر” حليفه في هذا الملف، بعدما كان قد ابتعد عنه في موضوع رئاسة الجمهوريّة.
وعليه، فهو قبل أن يُعلن عن توجهه النهائي لمصلحة حليفه النائب جبران باسيل أو لمصلحة قائد الجيش العماد جوزف عون، عليه أن يعرف مسبقاً ما سوف يحصده من أثمان مضمونة.
ولا يمكن لوم “حزب الله” على الاستفادة من “الفرصة الذهبية” التي وفّرتها له صراعات المصالح والأحجام ضمن الطبقة السياسيّة اللبنانيّة، وإن كان هؤلاء ومعهم جميع اللبنانيّين سوف يدفعون ثمناً باهظاً لذلك يضاف إلى الأثمان الباهظة التي أرهقهم تسديدها!
وفي مطلق الأحوال، إنّ المعركة الجوهريّة التي تستحق الخوض ليست تلك التي تتمحور حول مراكز من هنا ومناصب من هناك، مهما كانت مهمّة، لأنّ “أصل المشكلة” في لبنان متأصل في مكان واحد: انصياع الشرعيّة لميليشيا وخضوع الرؤساء لـ… سيّد!