ملخص
تتسع رقعة الحديث حول نيات الهجوم الإسرائيلي المستمر على إيران، فمصادر مختلفة تتوقع نيات مخبأة لدى تل أبيب لتغيير نظام طهران بدعم من جناح سياسي داخل الولايات المتحدة، حتى إن إيلون ماسك فعل خدماته للإنترنت الفضائي بدعوة صريحة من كاتب أميركي لـ”دق المسمار الأخير في نعش ذلك النظام”.
يبدو أن الملياردير الأميركي إيلون ماسك يؤيد تغيير النظام الإيراني، وفي سبيل هذا فعَّل خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” أمام الإيرانيين لعله يجد بينهم من يستجيب لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالثورة على قادته.
الكاتب والمحلل الأميركي مارك ليفين غرد عبر حسابه على منصة “إكس” بدعوة ماسك إلى “دق المسمار الأخير في نعش النظام الإيراني”، عبر تفعيل “ستارلينك” لأبناء البلد الآسيوي، فرد صاحب المنصة بعبارة مختصرة جداً “إنها فعالة”.
نشرت جمعية التجارة الإلكترونية الإيرانية خلال فبراير (شباط) الماضي تقريراً يقول إن عدد مستخدمي الإنترنت الفضائي داخل إيران تجاوز 30 ألفاً، وهذا يشير إلى زيادة تفوق الثلث مقارنة بتقديرات “فوربس” خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024.
والإقبال على خدمات “ستارلينك” يزيد على رغم ارتفاع كلفة معداتها، فالعقوبات المفروضة ترفع قيمة الأجهزة من نحو 250 دولاراً عموماً إلى ما يقارب ألفي دولار أحياناً، نتيجة الحاجة إلى شراء التقنيات بصورة غير قانونية وعبر مراحل عدة.
بعيداً من الجوانب التقنية، تشير استجابة ماسك السريعة إلى وجود تيار داخل الولايات المتحدة يميل نحو هذا الخيار كحل “مضمون” لإنهاء التهديدات الإيرانية في المنطقة، هكذا تبدو الحال وفق مقال الكاتب جيفري لويس ضمن “فورين بوليسي”.
يقول لويس إن فئة في أميركا وكذلك داخل إسرائيل، تعتقد أن المشكلة تكمن في النظام الإيراني وليس في البرنامج النووي لطهران، وأي “سلام زائف لا يعزز إلا قوة نظام لا يمكنه إصلاح نفسه”، ولا شك اليوم في أن نتنياهو ينتمي إلى هذه الفئة.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمسؤول الكبير السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، “أن أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى القيام بالهجوم هو أملها برؤية تغيير في نظام طهران”.
برأي محرر الشؤون الإيرانية في هيئة الإذاعة البريطانية أمير عظيمي فإن رهان نتنياهو على انتفاضة شعبية تقلب النظام في طهران، مستفيدة من هجوم “الأسد الصاعد”، تعد مخاطرة غير مضمونة النتائج وربما تشعل حرباً داخل المنطقة.
ويقول عظيمي إن “إن أصحاب النفوذ في إيران يسيطرون على الاقتصاد والقوات المسلحة، بالتالي هم لا يحتاجون إلى القيام بانقلاب لأنهم في السلطة أصلاً، بل على العكس يمكن أن يأخذوا إيران نحو مواجهة أكثر شراسة”، وفق تعبيره.
سقوط النظام وغرق دولة مكونة من نحو 90 مليون نسمة في الفوضى هو بذاته احتمال مخيف من وجهة نظر عظيمي، أما انهيار النظام وإمساك قوة صديقة بالسلطة في طهران يعد الخيار الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل، وفق المحرر المتخصص.
تجربة الانسحاب من أفغانستان لمصلحة “طالبان” واستبدال “هيئة تحرير الشام” التي كانت تتبع للقاعدة في سوريا بنظام الأسد، يوحي بأن الفوضى والفراغ لم يعودا مقلقين كثيراً لأميركا وإسرائيل، والحلول تجترح عندما تستدعي الحاجة لها.
وعلى رغم ذلك يبقى الحديث عن بديل لنظام طهران أمراً مشروعاً ما دامت إسرائيل تهدف لإسقاطه عبر “الأسد الصاعد”، والمعارضة الإيرانية في الداخل أو الخارج ليست على قلب رجل واحد، وأصحاب النفوذ في السلطة، كما يقول عظيمي.
مدير مبادرة “سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط” جوناثان بانيكوف يعتقد أن بدائل الإيراني الحالي قد تكون أسوأ، ويحذر في مقالة على موقع “مجلس أتلانتيك” للدراسات من أن تجد إسرائيل نفسها في حرب طويلة الأمد في حال وصول أشخاص أكثر تشدداً من الذين يجلسون على كراسي الحكم داخل طهران اليوم.
6666666.jpg
إسرائيليون يتجمعون حول بناء دمرته صواريخ إيرانية (أ ف ب)
المفارقة أن موقع “ريل كلير ديفانس” المقرب من البنتاغون نشر خلال التاسع من مايو (أيار) الماضي تقريراً تحت عنوان “لماذا بات تغير النظام في إيران لا مفر منه”، مستعرضاً عوامل داخلية وخارجية يستند إليها من أجل القيام بهذه الخطوة الآن.
فحوى التقرير يقول إن إيران تواجه ضغوطاً غير مسبوقة من داخل حدودها وخارجها، حيث “أضعف الانهيار الاقتصادي وخيبة الأمل السياسية والرفض الواسع للاستبداد الديني شرعية النظام بصورة كبيرة، أما خارجياً فيتضاءل نفوذها الإقليمي مع تعرض وكلائها لهزائم عسكرية وعزلة دبلوماسية، وعلى رغم أن التوقيت الدقيق غير مؤكد فإن تضافر الضغوط يزيد من احتمالية تغيير نظام طهران، وبالنسبة إلى صانعي السياسة الغربيين، ليس هذا هو وقت إدارة الأزمة على المدى القصير بل هو وقت التحضير لانتقال ديمقراطي”.
الزميل البارز في معهد “أميركان إنتربرايز” والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط مايكل روبين كتب في موقع المعهد، بعد ساعات من بدء هجوم “الأسد الصاعد” الإسرائيلي، مقالة بعنوان “بعد تغيير النظام: يجب محاكمة القادة الإيرانيين”.
قال روبين في مقالته “إن إيران فقدت شرعيتها الشعبية منذ زمن بعيد، وبينما يفترض عدد من المحللين الخارجيين أن الإيرانيين سيترددون عند توجيه ضربة عسكرية إلى بلادهم، فإن تمكن إسرائيل من استهداف قادة النظام بدقة ودون التسبب في خسائر مدنية، قد يدفع الشعب إلى البقاء على الحياد أو حتى يتشجع على تغيير النظام”.
بصورة أو بأخرى يستشعر قادة طهران هذه النيات الإسرائيلية في الهجوم، مما دفع بخامنئي أمس إلى القول في خطابه “إن الشعب الإيراني يقف خلف الجيش في معركته، والتيارات السياسية كافة موحدة في التصدي لهجوم إسرائيل بكل قوة”.
ويبقى السؤال الأساس في هذا هو حول الموقف الأميركي من تغيير النظام الإيراني، فالرئيس دونالد ترمب يقول إنه ما زال متمسكاً بالتفاوض مع قادة طهران، لكن من يدري إن كان ذلك حقيقياً أم خدعة تورطهم تماماً، كما حصل بعد تطميناته لهم قبل يومين بأن هجوم إسرائيل لن يكون وشيكاً، ثم استيقظوا على زئير “الأسد الصاعد”.