في مؤشر واضح على انتقال سوريا إلى مرحلة مؤسساتية جديدة، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء الجمعة 13 حزيران الجاري، المرسوم رقم “66” القاضي بتشكيل “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب”، إيذاناً بانطلاق أول عملية انتخابية تشريعية منذ سقوط النظام السابق في كانون الأول 2024.
اللجنة التي شكلها الشرع تتألف من 11 شخصية تنتمي إلى مكونات المجتمع السوري كافة، بما في ذلك شخصيات سياسية سابقة في المعارضة التقليدية، على رأسها قياديون بارزون في “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، مثل أنس العبده وبدر الجاموس. وتعدّ هذه الخطوة الأولى من نوعها التي تشهد دمج رموز من المعارضة الرسمية السابقة في عملية رسم ملامح السلطة التشريعية الجديدة.
مهمة اللجنة ومسؤولياتها
بموجب المادة 24 من “الاعلان الدستوري”، ستشرف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة تتولى انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، بينما يحتفظ رئيس الجمهورية بصلاحية تعيين الثلث الأخير لضمان “التمثيل العادل والكفاءة”، كما جاء في نص المرسوم.
وتشمل مهام اللجنة وضع المعايير القانونية للترشح والانتخاب، تحديد فئتي “المثقفين” و”الأعيان”، ضبط اللوائح الانتخابية، والإشراف على شفافية الاقتراع ضمن الأطر القانونية.
وصرّح مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير” بأن “اللجنة جاءت في لحظة حساسة، والنية الرئاسية واضحة: تجاوز الثغرات وتمكين النساء والشباب والأقليات من التمثيل، وهو ما سيُترجم ضمن الثلث الرئاسي المعين”. وأضاف: “الرئيس حريص على أن يكون هذا المجلس أداة رقابية حقيقية على أداء الحكومة، لا هيئة شكلية، وهو ما يتطلب شخصيات ذات كفاءة وشرعية شعبية واضحة”.
تركيبة متوازنة للمجلس
حدد المرسوم عدد مقاعد مجلس الشعب بـ150، يتم انتخاب 100 منهم عبر الهيئات الناخبة، فيما يعيَّن رئيس الجمهورية الخمسين المتبقين. وجاء التوزيع على المحافظات كالتالي:
حلب: 20 مقعداً.
دمشق: 11 مقعداً.
ريف دمشق: 10 مقاعد.
حمص: 9 مقاعد.
حماة: 8 مقاعد.
اللاذقية: 6 مقاعد.
طرطوس: 5 مقاعد.
إدلب: 7 مقاعد.
دير الزور: 6 مقاعد.
الحسكة: 6 مقاعد.
الرقة: 3 مقاعد.
درعا: 4 مقاعد.
السويداء: 3 مقاعد.
القنيطرة: مقعدان.
يُذكر أن “مؤتمر النصر”، الذي عُقد مطلع هذا العام، كان قد أعلن رسمياً حلّ مجلس الشعب القديم، واللجان المرتبطة به، تمهيداً لإطلاق مسار تشريعي جديد تحت إشراف سلطة انتقالية تتمتع بشرعية شعبية وقانونية.
تساؤلات حول دور الأحزاب والمعايير
على الرغم من الترحيب الواسع بالتوجه نحو مؤسسات شرعية منتخبة، برزت تساؤلات حول مستقبل العمل الحزبي وآليات الترشح.
آرام الدوماني، أمين سر “التحالف السوري الوطني”، اعتبر في حديثه لموقع “لبنان الكبير” أن “القرار تاريخي، لكن نحتاج إلى توضيحات حول شكل المجلس: هل سيكون مغلقاً على فئتي المثقفين والأعيان؟ وهل سيسمح بترشح ممثلي الأحزاب بصفاتهم الاعتبارية؟”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى لجنة فرعية مستقلة لوضع المعايير الدقيقة للترشيح، ونأمل أن تضمن آليات الانتخاب تنوّعاً حقيقياً في التمثيل، لا مجرد إعادة إنتاج للنخبة. والأهم، أن يُمنح المجلس صلاحيات حقيقية في الرقابة على الحكومة وتمثيل نبض الشارع السوري”.
بداية مسار طويل
يرى البعض أن إشراك وجوه من “الائتلاف الوطني” وقيادات مدنية مستقلة في اللجنة العليا، خطوة باتجاه تجاوز الاستقطاب السياسي التقليدي، وتكريس التشاركية في المرحلة الانتقالية. كما أن إشراف اللجنة على تحديد شروط الترشح، قد يسمح بولادة طبقة سياسية جديدة أكثر قرباً من الواقع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا ما بعد الثورة.
لكن على الرغم من المؤشرات الايجابية، لا تزال الهواجس قائمة:
هل ستتمكن اللجنة من إجراء انتخابات نزيهة في بيئة ما زالت تتعافى أمنياً واقتصادياً؟
هل سيمنح النظام الانتقالي مجلس الشعب صلاحيات حقيقية أم سيبقى دوره رمزياً؟
فيما يرى آخرون أن مجرد إطلاق هذه العملية، ولو بخطوات تدريجية، يمثل قطيعة مع عقود من الاستبداد المؤسسي، ويؤسس لمشهد تشريعي سوري جديد، متعدد، ورقابي.
بين الحذر والأمل، يدخل السوريون تجربة تشريعية غير مسبوقة منذ العام 2011، محورها ليس صندوق الاقتراع وحسب، بل شكل الدولة القادمة: هل ستكون دولة مواطنة، تمثيل، ودستور حي؟ أم مجرّد تغيير في الوجوه؟ الإجابة رهن ما ستنتجه اللجنة العليا في الأسابيع المقبلة.