وسط عاصفة إقليمية تهدد الشرق الأوسط، حطّ الموفد الأميركي توماس باراك في بيروت، حاملاً رسالة مزدوجة: “لا إنذارات، لكن تحذير واضح من مغبّة التدخل”. بينما بدا أن لبنان الرسمي، من الرئاسة إلى الحكومة والمجلس النيابي، يتحدث بلغة واحدة: الحياد الايجابي، والسيادة المشروطة بالاستقرار.
باراك، الذي كُلّف من إدارة الرئيس دونالد ترامب بمهمة مركّبة تجمع بين التمثيل الديبلوماسي في أنقرة والتنسيق السياسي في دمشق، أضاف إلى حقيبته الثقيلة محطة لبنانية، زار خلالها الرؤساء الثلاثة، مستفسراً ومصغياً، من دون أن يفرض، لكن أيضاً من دون أن يُخفي قلق بلاده المتزايد من احتمال تورّط “حزب الله” في الحرب الاسرائيلية – الايرانية المستعرة.
الموفد الأميركي لم يلوّح بعصا العقوبات، ولم يحمل تهديدات مباشرة، لكن خطابه ظل يدور حول محور واحد: “سلاح واحد لدولة واحدة”. هذا الشعار، الذي تحوّل إلى لازمة ديبلوماسية، حمله باراك في لقاءاته، محذراً من أن تدخّل الحزب في النزاع الاقليمي سيكون “قراراً سيئاً جداً”. ودعا لبنان إلى الالتزام بمسار الاستقرار، مشدداً على أن واشنطن تريد تجنّب اشتعال جبهة الجنوب اللبناني.
رئيس مجلس النواب نبيه برّي، في ردّ مباشر على مخاوف باراك، قالها بلا تردد: “لبنان لن ينجرّ إلى الحرب 200%”. وأكّد أن موقف لبنان الرسمي يقوم على احترام القرار 1701، وتفعيل دور الجيش اللبناني في الجنوب، وتعزيز التنسيق مع “اليونيفيل”، مشيراً إلى أن الخروق الاسرائيلية المتكررة هي السبب في تعطيل سيطرة الدولة الكاملة على الحدود.
لكن برّي لم يتجاهل النبرة الجديدة لدى واشنطن، وأشاد بـ”الديبلوماسية الهادئة” التي يتبعها باراك، داعياً إلى البناء على “الفرصة المتاحة مع القيادة اللبنانية الجديدة”، في إشارة ضمنية إلى عهد الرئيس جوزاف عون، الذي يسعى الى تكريس “الحصرية الأمنية” ضمن معادلة سيادية هشة، تقف على رمال إقليمية متحركة.
وكأنه يرد على بري، قال الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في بيان: “لسنا على الحياد في حزب الله والمقاومة الاسلامية بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها، وبين باطل أميركا وعدوانها ومعها الغُدَّة السرطانية إسرائيل والمستكبرين. نحن إلى جانب إيران في مواجهة هذا الظلم العالمي، لأنَّنا مع استقلالنا وتحرير أرضنا وحريَّة قرارنا وخياراتنا. لسنا على الحياد، ولذا نُعبِّر عن موقفنا إلى جانب إيران وقيادتها وشعبها، ونتصرفُ بما نراه مناسباً في مواجهة هذا العدوان الاسرائيلي الأميركي الغاشم”.
أضاف: “أثبتت أيامُ العدوان الاسرائيلي الماضية صلابةَ الشعب الايراني وتحدِّيه لكلِّ الضغوط. كما أظهرت عجزَ إسرائيل وخسائرها الفادحة التي تُصيبها للمرة الأولى منذ سبع وسبعين سنة لاحتلال فلسطين، ولهاثها إلى طلب دعم أميركا في عدوانها، ومع ذلك فهذا لا يعفينا من مسؤولية أن نكون إلى جانب إيران ومعها بكل أشكال الدعم التي تساهم في وضع حدٍّ لهذا الجبروت والطغيان”.
وكان سبق بيان قاسم، بيان لـ”حزب الله” جدد فيه الولاء لـ “الولي الفقيه”، وقال: “إننا اليوم أكثر إصراراً وتمسّكاً بنهج الولي القائد العظيم، الإمام خامنئي (دام ظله)، وأكثر التفافاً حول مواقفه العظيمة وتصدّيه مع الشعب الايراني البطل والعزيز في مواجهة العدوان الاسرائيلي – الأميركي على الجمهورية الاسلامية الايرانية”.
في اليوم السابع للنزاع الايراني – الاسرائيلي، صعّدت إسرائيل خطابها معتبرة أن بقاء المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي “لم يعد مقبولاً”، وذلك بعد سقوط صواريخ إيرانية على جنوب إسرائيل أصابت مستشفى ومدناً قرب تل أبيب، ما أوقع عشرات الجرحى.
وردّاً على الهجمات، أعلن الجيش الاسرائيلي قصف مفاعل أراك غير العامل وموقعاً لتطوير الأسلحة النووية في نطنز، بينما أكّدت طهران الضربات ووصفتها بـ”العدوان الهمجي”، مشيرة إلى تفعيل دفاعاتها الجوية في طهران.
في المقابل، أطلقت إيران دفعة صواريخ جديدة على جنوب إسرائيل ووسطها، ما أدى الى إطلاق صافرات الإنذار، وتسببت في أضرار كبيرة في مستشفى سوروكا في بئر السبع. وأعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “هدفنا مزدوج: القضاء على التهديدين النووي والباليستي”، مؤكداً أن إسرائيل “قادرة على ضرب كل منشآت إيران النووية”. بينما قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن “بقاء نظام خامنئي خطر لا يمكن السماح به”، مؤكداً تكثيف الضربات على الأهداف الاستراتيجية والبنية التحتية في طهران.
أما إيران فأكدت أن الهجمات استهدفت قاعدة استخباراتية إسرائيلية لا المستشفى، وتوعّد وزير الخارجية عباس عراقجي بأن إيران ستجعل المعتدي “يندم ويدفع الثمن”، متمسّكاً بحق الردّ المشروع.
الوضع الانساني تدهور بدوره، مع استهداف مناطق رمات غان وحولون، ونددت الأمم المتحدة ومنظمات دولية باستهداف المدنيين والمرافق الصحية. وسجلت إيران 224 قتيلاً منذ بداية الحرب، مقابل 24 في إسرائيل، فيما أعلنت طهران توقيف 24 شخصاً بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
على خط واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيحسم قراره بشأن توجيه ضربة الى إيران خلال أسبوعين، وسط تحذيرات من روسيا وإيران من أي تدخل أميركي مباشر. وأكّدت واشنطن أنها الوحيدة التي تملك القنبلة GBU-57 القادرة على تدمير منشآت نووية تحت الأرض مثل فوردو.
وبينما تُصعّد إسرائيل بزعم أن البرنامج النووي الايراني بلغ “نقطة اللاعودة”، تؤكد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تُخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، ما يتجاوز سقف اتفاق 2015، وسط اتهامات إيرانية للوكالة بالتواطؤ مع العدوان الاسرائيلي.
الأنظار تتجه إلى جنيف، حيث يلتقي وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالجانب الايراني في محاولة ديبلوماسية أخيرة لفرملة الانفجار الكامل.
إ