الاختراق الاستخباراتي الكبير مكّن إسرائيل من تحقيق هذا التفوق الكبير ضد إيران، ومفاعيله مستمرة بدليل استمرار عمليات الاغتيال والتحركات في الساحة الداخلية.
أظهر الهجوم الإسرائيلي على إيران منذ يومه الأول تنفيذاً دقيقاً لعمليات استخباراتية وعسكرية أعدت بعناية في فترة زمنية طويلة، وفرت لإسرائيل تفوقاً في حربها ضد إيران، وهي بالمناسبة ميزة خاصة لحروب إسرائيل الأخيرة، خاصة في لبنان. افتتاح الحرب بصدمة قوية مثل القضاء على قيادة أركان القوات المسلحة والاستخبارات العسكرية وتدمير الدفاعات الجوية أمر غير مسبوق، جعل القوات الإيرانية تفقد توازنها منذ اليوم الأول، وتجد نفسها تواجه سيناريو لم تتحضر له أبداً. فهي توقعت دائماً أن تتمكن قواتها من التحرك بحرية وأمان على أراضيها في أي حرب، لكنها تجد نفسها اليوم تحت رحمة القوات الجوية الإسرائيلية التي تسيطر بشكل تام على الأجواء، وتقوم بمطاردة منصات إطلاق الصواريخ الباليستية والجوالة والمضادة للطائرات. كما تستهدف المقاتلات والمسيرات الإسرائيلية البنية التحتية العسكرية والاقتصادية والمدنية، وتعمل على تدمير مخازن ومصانع الأسلحة والقواعد الجوية.
الاختراق الاستخباراتي الكبير مكّن إسرائيل من تحقيق هذا التفوق الكبير ضد إيران، ومفاعيله مستمرة بدليل استمرار عمليات الاغتيال والتحركات في الساحة الداخلية. وللعمل الاستخباراتي هدفان: الأول، مساعدة العمليات العسكرية بكشف تحركات واتصالات الجانب الإيراني وتنفيذ ضربات ضد أهداف عسكرية مثل الدفاعات الجوية ومركز القيادة والسيطرة؛ والثاني، شن عمليات تخريب واغتيالات بهدف هز أركان النظام من الداخل ونشر الفوضى. فالنظام الإيراني يواجه خطر السقوط نتيجة توالي الضربات وتضرر هيبته محلياً.
تحاول القوات الإيرانية التقاط أنفاسها واستعادة توازنها بالسعي إلى ترميم منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها. لكنها لم تحقق نجاحاً ملحوظاً نتيجة الهجمات المتكررة للمقاتلات الإسرائيلية ضد القواعد الجوية والتي أدت إلى تدمير جزء كبير من سلاح الجو الإيراني، الذي لم تشارك أي من طائراته بالحرب لضعفها أمام التفوق العسكري الاسرائيلي.
هجومياً، تسعى إيران عبر شن موجات من الصواريخ الباليستية والمسيرات لاختراق منظومة الدفاع الجوي الصاروخي في إسرائيل إلى رفع منسوب التهديد ضد الجبهة الداخلية وإجبار تل أبيب على وقف الحرب. وحتى صباح اليوم السابع للحرب، أطلقت إيران 450 صاروخاً بالستياً، تمكن فقط 45 منها من إصابة أهداف، غالبيتها مدنية واقتصادية، ما يعني أن 10 في المئة فقط اخترقت الدفاعات الإسرائيلية. لكن 45 إصابة بصواريخ تحمل رؤوساً تزن بين نصف طن وطن له وقع كبير في إسرائيل غير المعتادة على هذا الحجم من الدمار. وتراهن الحكومة الإسرائيلية على صمود الجبهة الداخلية في حرب تهدف لإزالة خطر وجودي، بحسب زعمها.
أما المسيرات، فجميعها أسقطت خارج حدود الأراضي الإسرائيلية. وستعمد طهران لترشيد إطلاق الصواريخ، للمحافظة على قدرة هجومية لأطول فترة ممكنة. وتعمل القيادة الإيرانية على رفع المعنويات من خلال البروباغندا، بنشر تصريحات تتوعد بهجمات غير مسبوقة أو تتحدث عن وجود أسلحة استراتيجية لم تستخدم أو عن إسقاط مقاتلات أف-35. فهي تسعى جاهدة لإبقاء المعنويات مرتفعة في صفوف قواتها التي تلقت ضربات قوية ومستمرة.
تحولت المواجهة إلى حرب استنزاف جوية بامتياز، يظهر فيه التفوق العسكري لصالح إسرائيل. فهي تملك سيطرة جوية تامة فوق الأراضي الإيرانية. ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تهزم أي دولة امتلكت تفوقاً جوياً بنزاع عسكري. وتتحضر الولايات المتحدة لدخول الحرب لإنجاز الهدف الرئيسي وهو تدمير منشأة فوردو النووية المحصنة مستخدمة القنابل الخارقة للتحصينات زنة 11 طناً. وهذا سيترافق مع شن القوات الأميركية ضربات استباقية لتدمير وسائل هجومية قد تستخدمها إيران لضرب القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة. التدخل الأميركي سيسرع إنهاء الحرب، ويمنع توسعها وتحولها إلى حرب استنزاف طويلة. لكن هل تنتهي الحرب باستسلام النظام أو سقوطه؟