يتّجه السؤال الآن إلى مسألتين: استمرار الحرب ومصائر الجمهورية الإسلامية. والذي يبدو أنّ دونالد ترامب سيكتفي بهذه الضربة الصارمة، ويتّجه لحصد المكاسب. ويزعم الإسرائيليون أنّهم يريدون إسقاط النظام الإيراني، لكنّهم لم يستطيعوا ذلك، حتّى في لبنان، وعند ترامب اعتبارات للتردّد في خوض حربٍ طويلةٍ تخسر فيها أميركا عادةً. النظام الإيراني بعدما ردّ سيتّجه للتفاوض بأيّ ثمن بعدما تمنّع المفاوضون في الجولات الخمس بسبب عناد المرشد علي خامنئي.
زعم بنيامين نتنياهو أوّلاً أنّه سيضرب إيران، وافق الرئيس ترامب على ذلك أم لم يوافق. وبعد بدء الهجوم بأيّامٍ قليلةٍ لجأ إلى صديقه الجبّار بحجّة أنّ الصواريخ الإسرائيلية، المقدّمة من أميركا على أيّ حال، لا تستطيع بمفردها اختراق أعماق منشأة فوردو النووية بالذات!
أعطى ترامب إيران (والأوروبيين) أسبوعين للتفاوض والخضوع، لكنّه ما صبر غير ثلاثة أيّام، ثمّ أصغى لشيطان نتنياهو وضرب بطائرات الشبح ثلاثة مواقع بدلاً من موقع واحد: نطنز وأصفهان وفوردو. فما الذي سوف يحصل الآن؟ هل تستمرّ الحرب أم تتوقّف؟
أرادت إسرائيل وأميركا ضرب البرنامج النووي، وقد ضُرب، فهل يطلب ترامب وقف الهجوم الإسرائيلي، ويعيد استدعاء إيران للتفاوض ليس على وقف التخصيب فقط، بل وعلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني؟
من جهتي ومن دون أيّ خبرةٍ عسكريّة أدركت منذ البداية عندما سمح ترامب للأوروبيين بالتفاوض، أنّه سيلبّي رغبات نتنياهو ليس لأنّه يلبّيها دائماً فقط، بل ولأنّه يتعمّد الاستخفاف بالأوروبيين وإظهار ضعفهم وعجزهم، وبخاصّةٍ فرنسا.
ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنّ الهجوم سيستمرّ ويتعمّق ويتوسّع لتحقيق أهداف أخرى مثل تدمير مصانع الصواريخ البالستية والمسيّرات ومراكز الحرس الثوري، أو إسقاط النظام.
لا تستطيع إسرائيل بمفردها تقرير مصير الجمهورية الإسلامية، ووسط العدوان المزدوج لن يثور طرفٌ بالداخل أيّاً تكن درجة كراهيته لنظام الملالي
قال الحرس الثوري الإيراني إنّ الحرب بالنسبة له بدأت الآن وسيُري إسرائيل الويل (!)، وقال وزير الخارجية الإيراني عراقجي: لا بدّ أن يبقى منفذ للتفاوض، لكنّ الأمر صار صعباً الآن. وهو يقصد أنّ أميركا – ترامب بعد العدوان الموصوف ما عادت صالحةً لتكون وسيطاً نزيهاً وإن أعلنت كلّ الوقت إرادتها إرساء السلام وإنهاء الحروب.
أمّا ترامب نفسه سيّد الموقف فلم يقُل شيئاً واضحاً حتّى مساء أمس. وفي الواقع لا اعتبار لأقواله لأنّه ينقضها بين لحظةٍ وأُخرى، وإنّما العبرة في أفعاله، والراجح أنّه كان يتحدّث إلى إسرائيل سرّاً خلال الساعات الماضية ويريد أن يبدو لنتنياهو كأنّما هو سيّد قراره، ربّما مقابل أن يشارك في المفاوضات ولو سرّاً أو بشكلٍ غير مباشر.
ماذا عن ردود فعل إيران؟ وما هي مصائر الجمهوريّة؟
لا تستطيع إسرائيل بمفردها تقرير مصير الجمهورية الإسلامية، ووسط العدوان المزدوج لن يثور طرفٌ بالداخل أيّاً تكن درجة كراهيته لنظام الملالي. هناك الأذربيجانيّون والبلوش والأكراد والعرب، وفي هذه الظروف لا عبرة بالكثرة والقلّة، فها هو بشّار الأسد قد صمد ثلاثة عشر عاماً ونصف العلويّين ضدّه ولا أحد من الأكثرية السنّية معه!
إنّ الذي يتهدّد الجمهورية الإسلامية أكثر هو مدى قدرتها على الاستمرار طويلاً في الإطلاق الصاروخي. أوصى مجلس الشورى الإيراني بإقفال مضيق هرمز، لكنّه أعاد القرار بذلك إلى مجلس الأمن القومي. وبعد ضرب قواعد أميركية، هناك الأذرع في لبنان واليمن… والعراق.
خامنئي
لكنّ كلّ هذه الخيارات أو الإجبارات، إمّا شديدة الخطورة أو أضعف من أن تقوم بردٍّ فاعل. ولذلك إيران عبر عراقجي، وهو في الخارج، تبحث عن سُبُل للعودة إلى التفاوض مع أميركا. ولهذا وصل عراقجي إلى روسيا لمقابلة بوتين. صحيح أنّ ترامب سبق له أن رفض وساطة بوتين، لكنْ من يدري؟ فقد يبدو له فجأةً إمكان ذلك نكايةً بأوروبا على الأقلّ.
النظام الإيراني بعدما ردّ سيتّجه للتفاوض بأيّ ثمن بعدما تمنّع المفاوضون في الجولات الخمس بسبب عناد المرشد علي خامنئي
ليست الأولويّة الآن لكيفية بدء التفاوض، بل للمطالب المسبقة لأميركا وإسرائيل من وراء التفاوض. في الجولات الخمس السابقة للتفاوض قبل الحرب رفضت إيران مبدأ عدم التخصيب. ستستجيب الآن، لكنّ الإسرائيليّ والأميركيّين يريدون في الغالب إنهاء البرنامج النووي، وهو ما يبدو شديد الإذلال بغضّ النظر عن فائدة البرنامج نفسه. وكذلك مطلب إنهاء صناعات الصواريخ البالستية المتطوّرة، وربّما المسيّرات.
بعد هذه الضربات الصاعقة ما عادت لمطالب هؤلاء حدود. ولا نعرف ماذا كان تقدير الإيرانيّين بالعودة للمطاولة في مفاوضات الجولات الخمس مع أنّهم خبروا مزاج ترامب وعدوانيّة نتنياهو؟! المرجّح أنّ ذلك الرفض كان عناداً من خامنئي، وهو الذي صرّح برفض المطلب على الرغم ممّا يُقال من أنّه كان في المستشفى.
ماذا عن خامنئي ومصائره ومصائر النّظام؟
هو رجلٌ مريض وعمره ستّة وثمانون عاماً، وهو ذو شخصيّة صلبة وشديد الاعتزاز بنَسَبه ومذهبه ومسؤوليّاته، وفي كلّ تصرّفاته يفكّر بمستقبل النظام من حيث الثبات والسمعة والثقة بالانتصار أو الصمود. الإيرانيون هم الذين أشاعوا اختياره ثلاثةً من زملائه ليختار مجلس الخبراء واحداً منهم لخلافته ومبايعته، وليس بينهم ابنه مجتبى. كلّ الأطراف وفي مقدَّمهم ترامب ودول الجوار تحتاج إلى خامئني الآن للاتّفاق معه، والوقت قصير ومَن تعرفه خيرٌ ممّن لا تعرفه ولا عبرة بالعنجهيّة التي يُظهرها نتنياهو، الذي لم يستطع تحديد مصائر النظام اللبناني، فكيف سيحدّد مصائر إيران؟
إقرأ أيضاً: حرب إسرائيل على إيران: سؤال النّهايات!
إنّ المرجَّح أن تتوقّف الحرب قبل الانغماس الأميركي في حربٍ طويلةٍ تشبه حروب واشنطن الخاسرة في فيتنام وأفغانستان والعراق. وإسرائيل على أيّ حالٍ لا تستطيع استمرار القتال بمفردها، وبخاصّةٍ أنّ الذين كانوا معها بسبب النوويّ ما عادوا كذلك.