أدى الحل العسكري الأمني الدموي الذي انتهجه نظام الأسد البائد وحلفاؤه الروس والإيرانيون وحزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية إلى تدمير سورية وقتل واعتقال وتهجير ملايين السوريين، وإلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وأشدها مرارة في العصر الحديث. حيث أُجبر السوريون على الفرار من جحيم الحرب والقصف إلى البلدان المجاورة لسورية وغير المجاورة، بعد أن عاشوا صدمة كبيرة وهم الذين احتضنوا اللاجئين والمهاجرين من العراق ولبنان والسودان والصومال وثقافات مختلفة، ولم يتم بناء مخيم واحد لأي لاجئ في سورية بل استُقبل الجميع في المنازل والمدن والبلدات.
أُنشئت مخيمات اللاجئين السوريين بعد اندلاع الثورة السورية في الداخل والخارج، وكان من بين 7 ملايين نازح داخل سورية تعيش أقلية صغيرة فقط في المخيمات والملاجئ الجماعية، وقد ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 2024 أنه يوجد أكثر من ستة ملايين لاجئ خارج بلادهم، 76% في الدول المجاورة، و3 ملايين في تركيا، و775 ألفًا في لبنان، وأكثر من 600 ألف بالأردن، و300 ألف بالعراق، و150 ألف بمصر، عدا عن غير المسجلين رسميًا وهم يُقدرون بعشرات الآلاف بينما ينتظر التسجيل مئات الآلاف، وذكرت الإحصائيات بأن أكثر من نصف سكان سورية نزحوا عنها ولجأوا إلى دول عربية وأجنبية.
عاش السوريون في المخيمات عمومًا أوضاعًا إنسانية صعبة وقاسية، وتحديات كبيرة تتعلق بالصحة والتعليم والأمن الغذائي والسكن والنظافة والبطالة، إضافة إلى فقدان الأحبة والأهل والأبناء والفقر المدقع وتحديات أمنية خطيرة وخاصة من تنظيم داعش في مخيمات الداخل السوري، وهذا ما جعل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريش يقول عام 2014: “لقد أصبحت الأزمة السورية أكبر حالة طوارئ إنسانية في عصرنا، لكن العالم يفشل في تلبية احتياجات اللاجئين والدول التي تستضيفهم”.
وقد واكب الأدب السوري هذه التغريبة السورية المفجعة وعرّى أسبابها وتجلياتها. أشار إلى المأساة التي حلت بالبلاد، وما أعقبها من تشتت وتهجير وانتهاكات، ووصف مشاهد وآلام عمليات الرحيل والهجرة والنزوح واللجوء والمذابح والمجازر التي ارتُكبت بحق اللاجئين، وقضايا الهوية والذاكرة والانتماء.
شكلت الرواية السورية والقصة القصيرة وسيلة مهمة للتعبير عن هذه التجربة الصادمة، والحياة المعيشية غير المحتملة، وانعدام الأمن والاستقرار، وفي الوقت نفسه ركزت على قدرة اللاجئين على الصبر والتكيف والحنين إلى سورية ولمة العائلة، والعودة للمشاركة في بناء ما دمرته سياسة الاستبداد والطغيان.
وقد ظهر بعد اندلاع الثورة السورية أكثر من خمسين عملاً روائيًا سوريًا توزعت أصواته بين لاجئ أو منفي أو مهاجر أو نازح. وبين مؤيد أو معارض أو رمادي كما يقول السوريون. ومن هذه الروايات على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه الروائي الراحل خالد خليفة عن المخيمات والتهجير والذي ظهر كجزء من الواقع الذي يعيشه الناس وقال إنه “يستكثر على نفسه اقتسام معاناة التهجير مع النازحين الفعليين في مخيمات اللجوء”. وكان هذا الموضوع أحد محاور بعض أعماله الروائية ففي “الموت عمل شاق” تحدث عن رحلة كابوسية لثلاثة أخوة عام 2015 وسط الحرب والدمار وقسوة الاضطرار للنزوح، وعن محنة هؤلاء على أرض مزقتها الصراعات وباعدت بين الأموات قبل الأحياء ليطاول الشتات أمنياتهم الأخيرة. وهو لم يخصص رواية بعينها لموضوع الخيام والهجرة فقط بل تطرق إليه وإلى تأثيراته على المجتمع السوري ضمن رصده للمأساة السورية بجوانبها كافة.
الروائي السوري الراحل خالد خليفة (1964-2023) اشتهر بأعماله التي تناولت قضايا التهجير والنزوح والحرب (Getty)
ورصدت الكاتبة والروائية سمر يزبك في عدد من أعمالها أوضاع المخيمات والنزوح وأحزان السوريين ومعاناتهم المريرة، وهي التي اشتغلت على توثيق الذاكرة السورية في كتبها: “تقاطع نيران” و”تسع عشرة امرأة” الذي ضم 19 حوارًا مع نساء سوريات لاجئات في بلدان عديدة عربية وأجنبية، وفي الداخل السوري، وأشارت فيه إلى المعاناة المضاعفة التي تعيشها النساء في أماكن اللجوء، وإلى مقاومتهن للجحيم في سورية والمنفى وفجائع المخيمات. أما روايتها “بوابات أرض العدم” فقد أصبح النزوح القسري فيها هربًا من الموت، وواقع المخيمات جزءًا من عوالم أرض العدم الذي أظهرته بمعناه الوجودي مع رحلة الأهوال الشاقة التي خاضها السوريون، وأضافت لهذا التوثيق لعبة سردية تخييلية وهي التي زارت المخيمات في أماكن متفرقة وعاشت فيها مع سكانها واهتمت اهتمامًا كبيرًا بأوضاع النساء فيها وقالت عن روايتها: “إنها أرض العدم أشبه بلوحة مرعبة”.
“عاش السوريون في المخيمات أوضاعًا قاسية وتحديات تتعلق بالصحة والتعليم والأمن الغذائي، إضافة إلى فقدان الأحبة والفقر المدقع وتحديات أمنية خطيرة من تنظيم داعش”
وكتب الأديب زكريا تامر في أعماله القصصية القصيرة عن قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية تهم الإنسان عمومًا والسوريين خصوصًا، وفي مجموعته “دمشق الحرائق” أظهر تأثير الحرب والنزوح على حياة الأفراد والمجتمعات وكأنه يستشرف ما سيحدث في المستقبل، وركز في نتاجه الأدبي بواقعية على قضايا الفقر والظلم والاستبداد وهي جميعها ترتبط مباشرة بالنزوح والمخيمات.
أصبحت فكرة اللجوء حاجة ماسة للسوريين وجزءًا من الحياة الثقافية والاجتماعية في الداخل والشتات، وقد سلط أدب اللجوء أو المخيمات – إذا صحت التسمية – الضوء على هذه التجربة الإنسانية القاهرة، ووثق تاريخها ولامس جانبًا من جوانب الإنسان الذي أصبح منفصلاً عن مجتمعه ووطنه انفصالاً حادًا ويعيش معاناة يومية كبيرة.
وقد كتبت الروائية السورية ابتسام شاكوش في “اليتيمان” و”الوجه المكسور” عن هذه الموضوعات وكشفت وجه النظام ما قبل الثورة، وجسدت أدب المخيمات في مجموعتها القصصية “من الخيام” والتي نقلت فيها صورة حية لقصص وواقع التهجير والمعاناة الكبيرة عند الحدود، ومآسي الأطفال والنساء والمسنين عند محاولتهم الوصول إلى الجانب التركي لتبدأ بعدها معاناة الخيام وحياة قاسية لا تحترم كرامة الإنسان حيث البطالة والضغط النفسي المطبق على صدور اللاجئين، وأشارت للمحنة التي طحنتهم جميعًا بين سورية المدمرة وسورية المخيمات التي يعيش فيها مصابون بلا أطراف وجائعون يموتون من حر الصيف وبرد الشتاء، وفي قصتها “حكاية أسنان عائشة” صورت الطفلة الصغيرة التي تجلس على باب الخيمة بانتظار أن تكبر كل يوم وينمو لها ساقان جديدتان بعد أن بُترتا في تفجير ضرب قريتها.
وفي روايته “أوراق برلين” كتب الروائي نهاد سيريس عن المنافي التي عاش فيها طويلاً قبل استقراره في ألمانيا وعن شخصيات ألمانية حضرت الحرب العالمية الثانية وعاشت مآسيها ولعنة الهروب والنزوح، وعن سوريين تعرضوا للقهر والذل في المخيمات، وقدم صورة اللاجئ الضائع في الغربة والمنافي البعيدة.
وجاءت رواية “الطريق إلى الزعتري” في 2017 لمحمد فتحي المقداد وثيقة تاريخية اجتماعية شاهدة على حقبة مهمة جدًا. صورت يوميات القتل والاعتقال واليأس ومآلات النزوح واللجوء على لسان الناس البسطاء المهمشين، ورصد خلالها تجربة اللجوء في الأردن. وفي روايته “شاهد على العتمة” في 2014 أورد إفادات عن تاريخ السوريين وآلامهم في المنفى. وفي “دوامة الأوغاد” عام 2017 ألقى الضوء على تفاصيل الثورة السورية ووثقها، وعلى الاضطرار للجوء وآلامه المبرحة.
الكاتب فخر الدين فياض قارن في روايته “رمش إيل” بين نكبة فلسطين وتجربة اللجوء عند الفلسطينيين مع الكارثة السورية ولجوء السوريين في المخيمات. وأشار إلى أنهم هربوا إلى ملاذات آمنة من الظلم والقتل والانتهاكات، رغم قساوتها وصور الطوابير التي يقف فيها الناس للحصول على المساعدات والانتظار المرير ونقص الخدمات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وكان بذلك يتحدث عن مخيم الزعتري.
مخيم الزعتري أحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم والذي يضم حوالي 80 ألف لاجئ (Getty)
في رواية “عمت صباحًا أيتها الحرب” للروائية مها حسن، وهي أقرب للكتاب التوثيقي، رصدت الكاتبة أوضاع السوريين واللاجئين في مدينة حلب خصوصًا وفي بلاد اللجوء السوري عمومًا، وتحدثت عن المآسي في المخيمات والمنفى وتشتت الأسر وتفككها والنزوح في مخيمات ومدن تركية، وانتقلت إلى اليونان ودول أخرى لتقصي أحوال اللاجئين المأساوية.
وصدر للروائي محمود الجاسم عدة روايات عن اللجوء أهمها: “لاجئة بين زوجين” 2016 و”غفرانك يا أمي” 2014 و”نزوح مريم” التي صور فيها المأساة السورية من بدايتها متخذًا من مدينة الرقة السورية مسرحًا لبداية الأحداث التي تنتهي في مخيمات اللجوء السوري في تركيا.
وفي روايته “أيام في باب عمرو” تناول الكاتب عبد الله مكسور ما حل بسورية من خراب ودمار متحدثًا عن بدايات الثورة وعن حي بابا عمرو في مدينة حمص الذي شهد أحداثًا دموية وانتهاكات جسيمة على يد النظام السوري الوحشي وشبيحته، إضافة إلى أوضاع اللاجئين الصعبة والحنين للوطن الذي يعيشونه في الغربة. أما في روايته الثانية “عائد إلى حلب” فقد أشار إلى التداعيات المفجعة التي تمر بها البلاد والتشرد الذي يعيشه الشعب السوري في أصقاع العالم والمخيمات، ورصد حالة التشتت مذكرًا بما عاشه الفلسطينيون قبل السوريين في مخيمات اللجوء. ويصل بطل سيرته المتخيلة إلى بلدة “الريحانية” ويتعرض للاختطاف في دوامة عنف لا تنتهي ليشهد عوز اللاجئين في هذه المخيمات التي أُقيمت على عجل، وليعيش البرد والجوع والابتزاز والضياع.
“شكلت الرواية السورية وسيلة مهمة للتعبير عن التجربة الصادمة للجوء، ووصف آلام الرحيل والهجرة والمذابح، مع التركيز على قدرة اللاجئين على الصبر والتكيف والحنين للوطن”
وكتبت الكاتبة لينا هويان الحسن رواية “نساء وألماس” وهي أول رواية عن أوضاع اللاجئين في أميركا اللاتينية وفيها غاصت في التركيبة الاجتماعية لهم، وكيف يستحضرون تفاصيل حياتهم في المهجر، ويحنون إلى بلاد مزقتها الحرب وشتت أهلها في أماكن مختلفة.
أُقيمت مخيمات اللاجئين السوريين كأماكن إيواء مؤقتة للنازحين داخليًا وانتشرت في إدلب وحلب وأماكن أخرى، وضمت غرفًا إسمنتية وطينية وكرفانات بعد أن كانت خيامًا في مهب الريح، ومن هذه المخيمات نذكر:
مخيم الهول: يقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في الحسكة شمال سورية بالقرب من الحدود السورية العراقية، ويضم نازحين من الأراضي التي احتلتها داعش، ونساء وأطفالاً من عائلات مقاتلي هذا التنظيم الإرهابي، وعددًا كبيرًا من الأطفال الأجانب من جنسيات مختلفة. عاش اللاجئون فيه تحديات أمنية ومعيشية وإنسانية وصحية قاهرة، وعانوا من انتشار التطرف ونقص الموارد والخدمات. تم إنشاؤه في 1991 لإيواء النازحين العراقيين وخصوصًا الأكراد خلال حرب الخليج. تسيطر عليه قوات سورية الديمقراطية “قسد”. ووصفته الأمم المتحدة بـ”القنبلة الموقوتة”، شهد تحولاً كبيرًا في تركيبته السكانية بعد اندلاع الثورة السورية، وتتكرر فيه دائمًا جرائم القتل والاختفاء القسري والتهديدات.
مخيم الركبان: أُقيم على الحدود السورية الأردنية، ووصل عدد اللاجئين السوريين فيه إلى 75 ألف عام 2016، الظروف المعيشية فيه قاسية، وشهد حالات مرضية شديدة ووفيات للأطفال بسبب البرد ونقص الرعاية الطبية، وأشارت مصادر أردنية إلى وجود مخاوف أمنية بشأنه، وخلايا تابعة لداعش سابقًا.
ومن أبرز المخيمات في الدول المجاورة: مخيم الزعتري: وقد افتُتح في 2012 وضم حوالي 10% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في الأردن. معظم سكانه من درعا – القنيطرة – دمشق وريفها وحمص. ويُعتبر ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم، كان خيامًا في أرض خالية ثم استُبدلت ببيوت مسبقة الصنع، فيه بعض الخدمات كالمياه والكهرباء والتعليم والصحة. وإضافة إليه يوجد في الأردن: المخيم الإماراتي الأردني ومخيم الأزرق والحديقة بالرمثا ومخيمات أخرى غير رسمية.
وفي لبنان يعيش أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، 12% منهم في الخيام والمساكن الخشبية البلاستيكية، وفي تجمعات غير رسمية ومبان مهجورة ضيقة، أو يستأجرون مساحات ضيقة في المخيمات الفلسطينية. وتعرض السوريون هناك إلى أزمات معيشية صعبة وكبيرة وعانوا من العنف غير المسبوق، ومن الاستغلال وحرق خيامهم وانتهاكات كبيرة على يد حزب الله اللبناني وأطراف أخرى.
وفي العراق هناك 240 ألف لاجئ سوري تم تسجيلهم، 90 ألف منهم يقيمون في مخيمات تقع في كردستان العراق في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية. وهم يعانون من عدم توفر فرص العمل وانعدام الأمن الغذائي ويفتقدون كذلك إلى العناية الطبية والمساعدات.
وهناك مخيمات للاجئين السوريين في أوروبا في مقدونيا الشمالية واليونان وأماكن أخرى عديدة في أصقاع العالم.
بعد سقوط النظام السوري بدأ اللاجئون بالعودة إلى ديارهم، في الوقت الذي علقت فيه دول عديدة طلبات لجوئهم، وقد كشف تقرير لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة عن عودة 1.87 مليون نازح ولاجئ من الداخل والخارج إلى ديارهم.
“وأنت تعود للبيت. بيتك. فكر بغيرك. لا تنسى شعب الخيام. فكر بغيرك. ثمة من لم يجد حيزًا للمنام”.
مراجع:
وكالات
الأمم المتحدة
العربي الجديد
بوابة سورية