تتسارع التطورات داخل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وتتفاقم خلافاتها بعد التداعيات التي خلّفها اعتقال القيادي البارز أبو ماريا القحطاني في آب (أغسطس) الماضي، وما نتج عنه من تعمّق للهوّة بين تيار الشرقية الذي كان يقوده مع زميله أبو أحمد زكور الذي أعلن انشقاقه عن الهيئة الخميس الماضي، وتيار بنش الذي يقوده المغيرة بنش وأبو حفص وأبو عبدالله عطون المفتي العام في الهيئة.
وفي وقت لا يزال مصير القائد العسكري العام للهيئة أبو حسن الحموي مجهولاً بعد تضارب الأنباء حول انشقاقه وهربه إلى منطقة درع الفرات، ورواية أخرى تؤكّد أنّه اعتُقل في سجون الهيئة قبل تمكّنه من الهرب، يبذل القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، جهوداً كبيرة من أجل احتواء موجة الانشقاقات التي طالت رموزاً هامة من كبار قادة الصف الأول، لئلا يؤدي ذلك إلى تفكّك الهيئة أو اتساع الشروخ بين أجنحتها وتياراتها، ما قد يعوق قدرتها على العمل بالكفاءة المطلوبة.
وفي محاولة منه لاحتواء انشقاق أبو أحمد زكور، صديقه القديم منذ أيام الجهاد في العراق ضدّ قوات الاحتلال الأميركي تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، ذكرت مصادر مطلعة في “هيئة تحرير الشام” أنّ أبو محمد الجولاني شكّل لجنة برئاسة أبو إبراهيم عندان كي تتولّى المهام التي كان يقوم بها زكور في إدارة ملف الفصائل المسلّحة في الشمال السوري وبخاصة في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون الواقعتين تحت الإحتلال التركي، وهو ملف يعتبره الجولاني ذا حساسية عالية لارتباطه بتمدّد نفوذه إلى مناطق جديدة، وكونه يمثل أحد الخيارات الاحتياطية التي يراهن عليها من أجل مواجهة ما يمكن أن يستجد في إدلب، في ضوء انطلاق مسار التطبيع بين سوريا وتركيا واحتمال تنشيطه في أي وقت.
وذكرت المصادر أنّ الجولاني اختار أبو إبراهيم سلامة لرئاسة اللجنة، ومن بين أعضائها كل من أبو عبيدة كفر حور، وأبو محمد أيمن، وأويس الشامي، لتحلّ مكان قيادة أبو أحمد زكور الذي كان يتولّى الملف خلال السنوات السابقة وحقّق فيها إنجازات هامة يخشى الجولاني أن يجيّرها زكور لمصلحته وأن يستخدمها في صراعه ضدّه، لا سيما في ظلّ توارد معلومات، لم تتأكّد صحتها بعد، عن نية زكور تشكيل جسم عسكري خاص به يعمل تحت راية الجيش الوطني السوري المموّل من تركيا.
وبعد سنوات طويلة من نشاطه العسكري الذي مكّنه من تولّي منصب “أمير قاطع حلب” في “جبهة النصرة سابقاً” (هيئة تحرير الشام حالياً)، أصبح أبو إبراهيم سلامة الذراع الاقتصادية الأهم التي يعتمد عليها الجولاني في السيطرة على الجوانب الاقتصادية في مناطق سيطرته وخصوصاً في مجال المقاولات الضخمة والتعهدات الكبيرة.
وبرز اسم أبو إبراهيم سلامة في السنتين الماضيتين باعتباره مدير شركة “الراقي للإنشاءات” التي تُعنى بتنفيذ مشاريع المقاولات المختلفة كإنشاء المجمعات السكنية في المخيمات وشق الطرق وإنشاء الخزانات العالية لتزويد المناطق بالمياه. وكان من أهم أنشطتها شق كل من طريق حلب – باب الهوى الواصل بين مدينتي سرمدا والدانا شمالي إدلب، وطريق باب الهوى- إدلب.
وشغل أبو إبراهيم سلامة منصب قائد “لواء عمر بن الخطاب” في “هيئة تحرير الشام”، وهو أثبت ولاءه المطلق للجولاني عندما وقف ضدّ الاتهامات التي وجهّها أبو العبد اشداء للهيئة قبل انشقاقه عنها عام 2019. وكان سلامة هو صاحب التوقيع على قرار عزل أشداء من اللواء الذي كان يشغل فيه منصب المسؤول الإداري.
ويتوخّى الجولاني من اختيار سلامة لتولّي مهام زكّور في إدارة ملف فصائل الشمال أمرين إثنين: الأول، الاستناد إلى قدراته الاقتصادية من أجل مواجهة ما يُعرف به زكور من إمكانات مادية قوية تمكّنه من تمويل الفصيل الذي ينوي إنشاءه من دون انتظار مساعدة من أي جهة. والثاني، أنّ سلامة يتحدّر من منطقة عندان في ريف حلب الشمالي، واسمه الحقيقي عبد الرحمن سلامة، ويتمتع بعلاقات واسعة مع أبناء المنطقة وعشائرها، ما يجعله قادراً على منافسة زكور الذي تربطه علاقات قوية مع عشائر المنطقة خصوصاً عشيرة البكارة.