بين واشنطن وبيروت ترتسم معالم مرحلة تؤسّس لهدنة دائمة أو لا استقرار دائم في المنطقة، وربما إعادة كبس زر الحرب. في لقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب، اليوم، في واشنطن مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتياهو، يرفع ترامب ورقة “الفرصة الأخيرة” أمام حليفه، لإنهاء حرب غزة بدءًا من تكريس هدنة الـ 60 يوماً، وترسيم حدود النزاع مع إيران بعد الحرب الخاطفة. وفي بيروت، اليوم، لقاء للموفد الاميركي توماس باراك مع الرؤساء الثلاثة، الحامل بدوره عرض “الفرصة الأخيرة” من أجل تسليم الحزب سلاحه، وإنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.
في الساعات القليلة الفاصلة عن وصول مبعوث ترامب إلى سوريا، سفير الولايات المتحدة في تركيا توماس براك إلى بيروت، اكتملت معالم المُنازلة بين الحزب والمطالبين بنزع سلاحه في ظل ضغط أميركي-سعودي كبير، ومؤازرة من اللجنة الخماسية، وحضور الموفد السعودي الامير يزيد بن فرحان الذي، بالرغم من لقائه الرؤساء الثلاثة، غابت، بناء على طلبه، أخبار زيارته وكافة لقاءاته عن وسائل الإعلام السعودية، واللبنانية أيضاً. بينما تلهّى بعض إعلام الممانعة في الحديث عن “فيتو” وضعه المبعوث السعودي على أطراف لبنانية، وهو ما لم يتناوله في لقاءاته مع كل القوى السياسية.
تحت سقف هذه المنازلة التي بدا فيها الحزب، لأول مرة، من دون “ظهر” محلي وإقليمي، ووسط تصعيد إسرائيلي خطير في حجم الإعتداءات والاغتيالات، كانت تحاك آخر لمسات ورقة الردّ اللبنانية على المقترح الاميركي على ضوء تصريحات متتالية لقياديين في الحزب أطلقت ما يُشبه “الحرم” على تسليم السلاح، وتكريس أولوية الإنسحاب الإسرائيلي ووقف اعتداءات العدو اليومية على عناصر الحزب، ومن ثم النقاش في السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية. وصل الأمر إلى حدّ قول أحد نواب الحزب: “السلاح ليس مطروحاً للنقاش، ولم يكن يوماً شأناً خارجياً”.
في الساعات القليلة الفاصلة عن وصول مبعوث ترامب إلى سوريا، سفير الولايات المتحدة في تركيا توماس براك إلى بيروت، اكتملت معالم المُنازلة بين الحزب والمطالبين
أمس أعلن أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم “أن تهديد “إسرائيل” باتفاق جديد لا يعني أن حزب الله سيقبل بالاستسلام”، مؤكداً أن “العدوان يجب أن يتوقف، وأن يتم تطبيق الاتفاقات الموقعة بشكل كامل، حتى تتمكن لبنان من التحرك نحو مرحلة بناء الاستقرار في المنطقة”.
وقال: “لا تطلبوا منا ترك السلاح بل على من يضيّق علينا أن ينضم إلى منظومة الدفاع برعاية الدولة”.
مفاوضات ربع الساعة الأخير
وفق المعلومات، وبخلاف كافة التسريبات، لم يكن الحزب حتى صباح يوم الأحد قد سلّم الرئيس نبيه بري “صيغته” النهائية للردّ على “مقترح توماس”، وبالتالي لم تكن دوائر القصر الجمهوري قد استلمت بدورها الردّ النهائي من رئيس مجلس النواب، حيث لم يتمكن اجتماع يوم السبت بين مستشاري الرؤساء الثلاثة من التوصّل إلى صيغة نهائية للردّ بناءً على “تعديلات” عين التينة، المستندة إلى “ملاحظات ولاءات” الحزب على الورقة الاميركية.
بقيت المفاوضات قائمة حتى يوم الأحد، قبيل ساعات من وصول الموفد الاميركي إلى أن أنجزت الصيغة ضمن سياق حدّين: عدم الأخذ بتراتبية الأولويات، أو السقف العالي الذي حاول الحزب إلزام الجانب الرسمي به، والذي يؤدي إلى كباش حقيقي مع الاميركيين. وفي الوقت نفسه إحداث توازن مع موقف الحزب خصوصاً لجهة تأكيد إلتزام لبنان بكل مندرجات وقف إطلاق النار، والتمسّك باتفاق الطائف، إضافة إلى خطاب القسم والبيان الوزاري اللذين يشيران بوضوح إلى حصرية السلاح، وتحوّل جنوب الليطاني إلى شبه منطقة خالية من السلاح، والدفع باتجاه إلزام إسرائيل بالإنسحاب ووقف إعتداءاتها، وإعادة الأسرى، مع التأكيد على مضي لبنان في أجندته بسحب كل السلاح على أراضيه، بما يتوافق مع توجّهات الدولة اللبنانية، والتي لا يمكن تحقيقها كاملة من دون إنسحاب إسرائيل.
تقول مصادر مطلعة لـ “أساس”: “لم يكن الأمر سهلاً على الحزب، وقد تكون من أصعب المحطات في مسيرته الحزبية. قنوات التفاوض الوحيدة كانت بين الحزب والرئيس بري الذي منح موافقته على الصيغة الرئاسية، والتي ستكون محط نقاش اليوم مع الموفد الاميركي”.
وفق المعلومات، وبخلاف كافة التسريبات، لم يكن الحزب حتى صباح يوم الأحد قد سلّم الرئيس نبيه بري “صيغته” النهائية للردّ على “مقترح توماس”
تخلّل ذلك تسريبات عكست الموقف الحقيقي للحزب الذي تردّد صداه في عين التينة، وبعبدا، والقائم على المحاور الاتية:
-الحزب تعاون بالكامل في جنوب الليطاني، ولا تسليم لسلاحه خارج بقعة الـ 1701 قبل الانسحاب الإسرائيلي، واستناداً إلى حوار داخلي يناقش بهدوء بعد الإنسحاب.
-هناك اتفاق وقف إطلاق النار الذي التزم به الحزب بالكامل، ولم تلتزم إسرائيل بأي بند منه، مرتكبة جرائم متكرّرة على مرأى العالم، ولا إمكانية للنقاش بأي اتفاق آخر من دون ضمانات، وبإلتزام إسرائيل أولاً بالآلية التنفيذية لقرار وقف إطلاق النار، الذي تحدّث حصراً عن جنوب الليطاني.
-في ظل خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة، هناك رفض مطلق من الحزب بعقد جلسة وزارية مخصّصة لبند السلاح.
-هناك ضمانات يطلبها الحزب في ملف إعادة الإعمار، وهو يرى أنّها تتقدّم على ملف السلاح نفسه.
بين يزيد وباراك
غادر الامير يزيد بيروت السبت قبل أن يحصل اللقاء المفترض بينه وبين توماس باراك الذي يصل اليوم إلى لبنان، مستبقاً زيارته بشعار “الفرصة سانحة الآن”.
لكن المطلعين يتحدّثون عن تماهِ سعودي-أميركي في آلية العمل قد يكون الأكثر وضوحاً منذ تأليف اللجنة الخماسية، ومواكبتها لاستحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، ومن ثم إعادة إنعاش إجتماعاتها لمواكبة ملف تسليم الحزب سلاحه، وإقرار الإصلاحات المالية كشروط مُلزمة من ضمن دفتر شروط إعادة الإعمار.
تجزم المصادر بأن “مهما كان موقف الحزب، فالدولة، المعنية الأولى بالردّ على مقترح الموفد الاميركي، لها مقاربتها الوطنية والشاملة التي تنطلق من المصلحة الوطنية أولاً
هكذا في مقابل الضغط الدولي الذي انعكس بأحد أوجهه عبر زيارة الامير يزيد المفعمة بالرسائل المباشرة والداعمة للمنطق الاميركي في فرض مسار الحل “السريع والواضح” لتسليم السلاح، وتحديد آليته، جرت، وفق معلومات “أساس”، عدّة اجتماعات بين الرئيس نبيه بري والمساعد السابق لأمين عام الحزب الحاج حسين خليل في عين التينة، بحضور النائب علي حسن خليل، وقد بقيت الخطوط مفتوحة حتى الساعات الأخيرة الفاصلة عن وصول باراك إلى بيروت.
كما علم “أساس” أن كثير من التعديلات دخلت إلى “ورقة توماس”، التي بدت حتى بالنسبة للرؤساء الثلاثة، صعبة “البَلع” بسبب منحاها الذي قد يُسبّب احتقاناً داخلياً، لا أحد بوارد تشجيع مناخاته. فالرؤساء الثلاثة تمسّكوا بقرار حصر السلاح بيد الدولة، والذي تعيق إسرائيل تنفيذه.
علم “أساس” أن كثير من التعديلات دخلت إلى “ورقة توماس”، التي بدت حتى بالنسبة للرؤساء الثلاثة، صعبة “البَلع” بسبب منحاها الذي قد يُسبّب احتقاناً داخلياً
ردّ الدولة وليس ردّ “الحزب”
اللافت أنّه، وإثر زيارة الموفد الاميركي الأولى إلى بيروت، وبعدما سَرَت معلومات عن طلبه عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار بند نزع السلاح بموافقة من كافة أعضاء الحكومة، من ضمنهم وزيريّ الحزب، تبيّن لاحقاً أن التسريبة أتت ضمن سياق ممارسة مزيد من الضغط فقط. والدليل هو قفز مجلس الوزراء عن هذا الشرط، وعدم موافقة رئيس الجمهورية على هذه المقاربة، كذلك الحزب وبري، حيث يرى عون أن مطلبه بحصول الحوار حصل فعلاً، ولا يزال قائماً، وتُرجِم من خلال عمل اللجنة الثلاثية المُمثّلة للرؤساء عون وبري وسلام، ومن خلال الحوار المباشر بين بري والحزب، وبري والقصر الجمهوري.
في هذا السياق، تقول مصادر مطلعة على كواليس إعداد الردّ على المقترح الاميركي بأن “التفاهم الرئاسي الثلاثي انطلق من إعداد ردّ يعكس رسمياًَ “ردّ الدولة”، أي الرؤساء الثلاثة، وبشق منه يشمل طبعاً الرئيس بري، بصفته رئيس مجلس النواب وأحد ركني الثنائي الشيعي. وبالتالي، ملاحظات الحزب على وثيقة الردّ، معبرها الأساس الرئيس بري، الذي بدوره يشكّل أحد أركان ردّ الدولة”.
كان لافتاً، حديث الرئيس بري لـ “الشرق الأوسط” عن ضرورة “صدور ردّ موحد، مع أخذ موقف الحزب بالاعتبار”، لافتاً إلى أن “هذا ما طلبه باراك في ورقته”.
انطلاقاً من هنا، تجزم المصادر بأن “مهما كان موقف الحزب، فالدولة، المعنية الأولى بالردّ على مقترح الموفد الاميركي، لها مقاربتها الوطنية والشاملة التي تنطلق من المصلحة الوطنية أولاً، وهذه المصلحة لا يمكن أن تؤدي إلى إحداث شرخ داخلي، خصوصاً أن هناك قناعة رئاسية عامّة بأن الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات اليومية للعدو جعلت موقف لبنان أصلب في المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الفوري”.
إقرأ أيضاً: لبنان الرسمي يقرّر التفاوض تحت النّار
في هذا السياق، بدا لافتاً تأكيد الرئيس عون عشية وصول الموفد الاميركي بأن “استمرار الاحتلال الإسرائيلي، واعتداءاته المتكرّرة، يُصعّب على الدولة بسط سلطتها، وتطبيق قراراتها، ومنها حصرية السلاح”. هذا الموقف، وفق المعلومات، يُشكّل لبّ الردّ الرئاسي الرسمي على مقترح توماس باراك”، كما كان عون حاسماً بالتأكيد بأن “لن تكون هناك قوة مسلّحة في جنوب الليطاني سوى القوى الأمنية الشرعية واليونفيل”.
أمّا السلاح شمال الليطاني، وباقي المناطق، فحتماً سيكون قيد النقاش اللاحق، تحت سقف قرار رسمي لبناني حاسم بتكريس حصرية السلاح، لكن بالتزامن مع تكريس الانسحاب الإسرائيلي ووقف إعتداءاته نهائياً”.