رووداو ديجيتال
تضمنت حلقة برنامج “مع رنج” نقاشاً مكثفاً ومتعدد الجوانب حول مستقبل “عملية السلام” في تركيا ومصير حزب العمال الكوردستاني (PKK)، لا سيما بعد قرار الحزب بحل نفسه في مؤتمره الثاني عشر.
وقد قام الضيوف، الذين ينتمون إلى خلفيات ورؤى سياسية متباينة، بتحليل الأحداث من زوايا متعددة. وتمحور النقاش الرئيسي في البرنامج حول سؤال جوهري: هل تُعتبر خطوات حزب العمال الكوردستاني نحو إلقاء السلاح استسلاماً قسرياً أم تحولاً استراتيجياً وبداية لمرحلة جديدة من النضال السياسي؟
المحاور الرئيسية
إلقاء السلاح: استسلام أم تغيير في استراتيجية النضال؟
كانت إحدى النقاط الجوهرية في الحوار هي تفسير معنى “إلقاء السلاح”، وقد تباينت الآراء حول هذا الموضوع:
زريان روجهلاتي، مدير مركز رووداو للدراسات، أكد أنه من وجهة نظر حزب العمال الكوردستاني وعبد الله أوجلان، فإن إلقاء السلاح لا يعني “الاستسلام، بل هو تغيير في أسلوب العمل” ونقل الصراع من الميدان العسكري إلى الميدان السياسي.
مولود باوه مراد، المثقف والسياسي، نظر إلى الخطوة بتفاؤل أكبر، معتبراً أن “إلقاء السلاح يظهر استعداد حزب العمال الكوردستاني للسلام”.
لكن عبد السلام برواري، السياسي وعضو الدورة الثالثة لبرلمان كوردستان، نظر إلى القضية بشيء من الشك، مشيراً إلى أن “عملية إلقاء السلاح تختلف عن استعراض إلقاء السلاح”.
ورأى أن نزع السلاح الحقيقي كان يجب أن يتم بعد التوصل إلى اتفاق نهائي وكجزء من تنفيذه، لا أن يكون خطوة تكتيكية استباقية. ودعم برواري وجهة نظره بمقولة لأوجلان مفادها: “لم تعد هناك حاجة لبقاء حزب العمال الكوردستاني”.
مستقبل مقاتلي الحزب وجدية الدولة التركية
فيما يتعلق بموقف تركيا ومصير المقاتلين الموجودين في الجبال، اتضحت الرؤى المتباينة بشكل أكبر:
آريز عبد الله، السياسي، أشار إلى تغيير تاريخي داخل الدولة التركية نفسها، قائلاً: “في السابق، كانت الدولة العميقة في تركيا تعارض عملية السلام، لكنها الآن أصبحت جزءاً من العملية ذاتها”.
في المقابل، انتقد كل من عبد السلام برواري ومولود باوه مراد تقصير الجانب التركي. حيث صرح برواري: “تركيا لم تبدأ بعد خطوات عملية السلام”. فيما أوضح باوه مراد أن “تركيا لم تمهد الطريق لعودة المقاتلين”، داعياً البرلمان التركي إلى إصدار “قانون عفو عام”.
أشار زريان روجهلاتي إلى تردد أردوغان، قائلاً: “أردوغان متردد بشأن نجاح العملية” بسبب حساسية الوضع الإقليمي وعدم استقراره.
المعادلات الإقليمية وتأثيرها على العملية
تجاوز الحوار الإطار الداخلي التركي ليشمل الأبعاد الإقليمية:
حذر زريان روجهلاتي من أن “الوضع في المنطقة هش”، مشيراً إلى مخاوف تركيا من احتمال وقوع “هجوم إسرائيلي” وتوقع نشوء توترات مشابهة لتلك التي حدثت بين إيران وإسرائيل.
وتحدث عن ماضي حزب العمال الكوردستاني كـ”جزء من محور المقاومة”، حيث حظي بدعم سوريا لمدة 15 عاماً وإيران لمدة 9 أعوام.
ومن هذا المنطلق، ربط الأحداث الأخيرة بهذه التحولات قائلاً: “استهداف السليمانية في الأيام الأخيرة [في إشارة إلى إسقاط عدة طائرات مسيرة بالقرب من تاسلوجه] ليس من قبيل الصدفة”.
ورداً على ذلك، أرجع آريز عبد الله التوترات بين أنقرة والسليمانية إلى أن “الاتحاد الوطني الكردستاني لم يذعن لأوامر أنقرة”.
هل ستحل العملية القضية الكوردية؟
كان أحد أبرز دواعي القلق هو ما إذا كانت هذه العملية ستضمن في نهايتها الحقوق المشروعة للكورد:
وصرح عبد السلام برواري بتشاؤم: “هذه العملية ليست عملية لنيل الحقوق الكردية”. وبرأيه، “حزب العمال الكردستاني كان يُستخدم كذريعة لعدم منح الكورد حقوقهم”، والآن “يريد الكورد التخلص من هذه الذريعة”، لكنه حذر من أن “الظلم الواقع على الكورد سيستمر حتى في مرحلة ما بعد الحزب”.
لكن مولود باوه مراد كان أكثر تفاؤلاً، معتبراً أن “الكورد هم الرابح الأكبر في العملية الديمقراطية”. وأكد أن “مطالب حزب العمال الكوردستاني ليست صعبة لدرجة أن تشكل عائقاً أمام السلام”، وأن الحل النهائي “يتم عبر البرلمان، وليس فقط من خلال الحكومة”، مما يتيح فرصة أفضل للكورد.
أهمية عملية السلام لإقليم كوردستان والعراق
اتفق جميع الضيوف على أن السلام في تركيا سيكون له تأثير حيوي واستراتيجي على إقليم كوردستان والعراق:
وقال آريز عبد الله بوضوح: “عملية السلام مهمة جداً لإقليم كوردستان، لأن الحرب بين حزب العمال الكردستاني وتركيا ألحقت أضراراً جسيمة بالإقليم”. كما أكد أنه “لا يوجد أي حزب في إقليم كردستان يعارض عملية السلام”.
من جانبه، أشار مولود باوه مراد من منظور اقتصادي إلى أنه “بدون سلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، لن ينجح مشروع طريق التنمية في العراق”، وهو ما يبرز الأهمية الاستراتيجية للعملية للمنطقة بأكملها.
خلاصة واستنتاجات
قدم البرنامج تحليلاً متعدد الأبعاد للمرحلة الجديدة من عملية السلام في تركيا. وأظهرت النقاشات وجود وجهات نظر متباينة، بل ومتضاربة، حول نوايا وجدية الأطراف (حزب العمال الكوردستاني وتركيا) وآليات تنفيذ العملية. ففي حين ينظر البعض بتفاؤل إلى هذه الخطوات ويعتبرونها بداية لمرحلة سياسية جديدة، ينظر آخرون بشك إلى مستقبل حقوق الكورد ويعتقدون أن العملية ذات طابع تكتيكي أكثر منه استراتيجي. ومع ذلك، أجمع كافة الضيوف على أن نجاح عملية السلام سيكون له تأثير إيجابي ومباشر على استقرار وتنمية إقليم كوردستان والعراق اقتصادياً.