تجاوزت الأحداث، نهاية حزيران الماضي، الموعد المفترض لتسليم «حزب العمال الكردستاني» سلاحه، وفقاً لما كانت وعدت به، قبل ثلاثة أشهر، بيرفين بولدان، عضو وفد «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» التفاوضي. ومع ذلك، ما يزال التفاؤل قائماً، بعدما اجتمع وفد من الحزب الكردي ضمّ بولدان ومدحت سنجار، بزعيم الحزب عبد الله أوجالان، الأحد الماضي، على مدى ساعتين ونصف ساعة، في لقاء شدد فيه الأخير على أن «مرحلة جديدة ثانية بدأت من العمل على حلّ المشكلة الكردية»، قاصداً بذلك الانتقال إلى تسليم السلاح.
وكان لافتاً أن أوجالان، كما الوفد الكردي، لم يغيّبا عن البيان الذي صدر عقب اللقاء، تقديم التعازي بالجنود الأتراك الخمسة (أصبحوا 12) الذين سقطوا السبت الماضي، خلال تمشيط مغارة في شمال العراق. ولعلّ هذه الإشارة إلى قتلى عسكريين أتراك كانوا يبحثون عن «أعداء أكراد»، تعدّ غير مسبوقة، وتعكس حجم الحرص الكردي على إنجاح مسار الحلّ، الذي تمثلت آخر خطواته في اجتماع الوفد الكردي، في اليوم التالي للقائه أوجالان، بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وتأكيده، في البيان الذي صدر بعد الاجتماع، وجود «إرادة متبادلة» للتقدُّم في المسار المذكور.
على أن الصورة الطاغية إلى الآن، في ما يتصل بهذه المسألة، عنوانها أن الدولة ما تزال تُحجم عن اتخاذ خطوات عملية في اتّجاه الحلّ، سوى سعيها إلى تشكيل لجنة دستورية للبتّ في بعض النقاط ذات الصلة. ووفقاً للأوساط الحاكمة، فإن أيّ خطوة لن تُتّخذ قبل أن يسلّم الأكراد سلاحهم بالكامل، علماً أن عنوان مشروع الحلّ الذي وضعته الدولة هو «تركيا بلا إرهاب»، في إشارة إلى كون المشكلة الكردية، «إرهابية»، وهو ما يمثّل استفزازاً واضحاً للأكراد. ومع ذلك، لا يمانع هؤلاء تقديم التنازلات، التي يأملون بموجبها جرّ السلطات إلى تنازلات مقابلها تعترف بموجبها بالهوية الكردية في الدستور، وبحقّ الأكراد في التعلّم بلغتهم، ومطالب أخرى تتعلّق بالإدارة المحلية في مناطقهم.
وفي ما يخصّ مسألة السلاح تحديداً، تسرّب، الأسبوع الماضي، أن تسليمه سيتمّ الأسبوع الجاري في السليمانية في شمال العراق، حيث ستعرض صور التسليم في المنطقة وفي مناطق أخرى أيضاً، كتأكيد لالتزام «الكردستاني» بوعوده. ووفقاً لصحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية، فإن «الاحتفال بالتسليم سيحصل رمزيّاً، وبحضور عدد كبير جداً من ممثّلي الصحافة وأحزاب تركية وكردية في شمال العراق، ليس من بينها حزب العدالة والتنمية ولا حزب الحركة القومية، ومنظمات المجتمع المدني».
«مع تسليم السلاح، ستزول آخر ذريعة أمام الحكومة لعدم اتّخاذ خطوات ديموقراطية لتسوية المشكلة الكردية»
لكن الأمر لن ينتهي هنا؛ فالحزب الكردي يريد تشكيل لجنة برلمانية تسمّى «لجنة الحلّ»، قبل الـ15 من تموز، موعد نهاية الدورة العادية للبرلمان، وقبل الدخول في عطلة تمتدّ حتى مطلع تشرين الأول المقبل. ويشي هذا المطلب بأن «العمال» ما يزال متشكّكاً حيال نوايا السلطة، وهو ما جلّته انتقادات وجّهتها قيادات «الكردستاني» في شمال العراق إلى تركيا؛ إذ اتهم القيادي مصطفى قره صو، أوساطاً داخل الدولة، بمحاولة «تخريب عملية الحلّ»، وزعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، بأنه «لم يفِ بوعوده التي قطعها»، داعياً السلطة إلى «بذل جهد أكبر لملاقاة نداء أوجالان للحلّ».
وقال إن «الدولة تريد تسليم السلاح. حسناً، ولكن أيّ ضمانات تعطيها في المقابل؟». وفي هذا الجانب، رأت «يني أوزغور بوليتيكا» أنه «مع تسليم السلاح، ستزول آخر ذريعة أمام الحكومة لعدم اتّخاذ خطوات ديموقراطية لتسوية المشكلة الكردية، ووقف عمليات محاكمة رؤساء البلديات الأكراد، أو أولئك المحسوبين على حزب الشعب الجمهوري».
ولفتت إلى أن «هناك مخاوف جدّية في المجتمع الكردي من عدم إقدام الحكومة على خطوات جدّية»، مضيفة أن ثمة تساؤلات تُطرح من مثل: «لقد حلّينا الحزب وألقينا السلاح، فماذا جنينا من هذه العملية؟، ومَن سيدافع عنّا في ظلّ إلقاء السلاح ومهاجمتنا من جديد؟». وفقاً للصحيفة، فإن على إردوغان أن «يختار بين بقاء الدولة والمضيّ في حلّ ديموقراطي للمشكلة الكردية، أو خسارة السلطة مع تلكّئه وافتضاح أكاذيبه أمام كل الشعب التركي». وقالت: «إذا لم يفعل إردوغان ما عليه، فسوف يواجَه بتحالف تركي – كردي يطيح به من البرلمان والرئاسة. هناك خياران: إمّا توافق مع الحكومة قبل الانتخابات، أو تحالف الأكراد والمعارضة في الانتخابات».
وفي الداخل، تعكس المواقف من التطوّرات السياسية تباينات وخلافات مرتبطة في النهاية بالموقف من عملية الحلّ. إذ أعلن إردوغان، قبل أيام، أن الاستطلاعات تشير إلى أن «العدالة والتنمية» هو الحزب الأول في البلاد، ليردّ عليه رئيس الحزب الكردي، تونجير باقر خان، بأن «الحزب الأول في تركيا اليوم، هو حزب الشعب الجمهوري».
وبالتوازي مع ذلك، زار وفد من «المساواة والديموقراطية للشعوب»، بقيادة رئيسته تولاي خاتم أوغوللاري، «الشعب الجمهوري»، والتقى رئيسه، أوزغور أوزيل، للتضامن مع رؤساء بلديات الحزب المعتقلين بتهم مختلفة، منها الفساد، والذين ما يزال بعضهم من دون محاكمة.