دعت منظمة العفو الدولية، اليوم الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الالتزام بنشر النتائج الكاملة لتحقيق لجنة تقصي الحقائق بشأن المجازر التي راح ضحيتها عشرات المدنيين في الساحل الشمالي الغربي من البلاد، لا سيما من أبناء الطائفة العلوية، وذلك عقب هجمات دموية شهدتها محافظتي اللاذقية وطرطوس في مارس/ آذار الماضي.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية كريستين بيكرلي، “على الرئيس أحمد الشرع أن يلتزم بنشر النتائج الكاملة لتحقيق لجنة تقصي الحقائق بشأن عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين العلويين في المناطق الساحلية، وأن يضمن تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. فمن حق الضحايا والرأي العام أن يطلعوا على المنهجية التي اتبعتها اللجنة، وعلى نتائجها”. وأضافت بيكرلي: “من حق الناجين وأسر الضحايا أن يعرفوا حقيقة ما جرى، ومن يتحمل المسؤولية، وما هي الخطوات العملية التي ستتخذ لضمان العدالة”.
وشددت على أن التحقيقات المستقلة والحيادية وحدها تفضي إلى محاكمات عادلة وذات مصداقية، مشيرة إلى أنه “يجب أن تتضمن الخطوات المقبلة تعويضات فعالة للناجين وأهالي الضحايا”. وكان الشرع قد تعهد، في أعقاب مجازر الساحل السوري، بمحاسبة الجناة “بكل إنصاف، ومن دون تساهل”. وتطالب منظمة العفو الدولية اليوم بترجمة هذا التعهد إلى إجراءات ملموسة، تعزز ثقة السوريين بالسلطة الانتقالية، وتؤكد أن استهداف المدنيين على أساس طائفي أو سياسي لن يمر دون عقاب.
وشهد يوم 6 مارس الماضي تصعيداً واسع النطاق، عقب شن مجموعات مسلحة موالية للنظام السابق هجمات منسقة على مواقع عسكرية وأمنية في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وردت قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية بهجوم مضاد، ما تسبب بموجة عنف واسعة النطاق أسفرت عن مئات القتلى. وفي تقرير نشرته وكالة رويترز في يونيو/ حزيران الماضي، قُدّر عدد القتلى من الطائفة العلوية خلال تلك الأحداث بنحو 1500 شخص، موزعين على 40 موقعاً مختلفاً في الساحل السوري.
قوات أمن في الساحل السوري، 9 مارس 2025 (Getty)
رصد
تحقيق لـ”رويترز”: 10 فصائل ارتكبت مجازر الساحل السوري في 40 موقعاً
وقال الناشط الحقوقي أحمد الحسيني لـ”العربي الجديد” إنه رغم مرور أربعة أشهر على تشكيل لجنة تقصي الحقائق في سورية، لم ينشر حتى الآن أي تقرير مفصل بشأن المجازر التي وقعت في الساحل السوري، ما يطرح علامات استفهام حول حجم الضغوط والعراقيل التي تواجهها اللجنة في أداء عملها.
وأشار إلى أن التداخل في المسؤولية بين قوى تفترض محاسبتها، وأخرى تحاول إعادة بناء الثقة مع المجتمع، يضع اللجنة في معركة مزدوجة، معركة للوصول إلى الأدلة في بيئة ملوثة بالترهيب والتلاعب، ومعركة سياسية ضد شبكات نفوذ لا تزال تتحرك داخل مفاصل الدولة. وبيّن أن الناجين والشهود، وهم غالباً من أبناء الطائفة العلوية، يترددون في الإدلاء بشهاداتهم خوفاً من الانتقام أو من اتهامهم بـ”الخيانة”، نظراً لأن الفاعلين يرفعون ذات الشعارات التي كانت تدّعي حماية “الطائفة” وتحتكر تمثيلها، وهو ما يعمّق الجرح، ويجعل الحقيقة أكثر هشاشة في وجه الأكاذيب المنظمة.
وأوضح أن التأخر في نشر التقرير الكامل، دون شفافية، قد ينسف ثقة الجمهور بمصداقية مؤسسات العدالة الجديدة، ويمنح الوقت لمرتكبي المجازر لتصفية الأدلة وتغيير الوقائع. لذلك، فإن مطالبة الرئيس أحمد الشرع بنشر نتائج التحقيق ليست فقط نداء للعدالة، بل اختبار حاسم لمدى قدرة الدولة الجديدة على تفكيك إرث القتل المنظم، وكسر حلقة التلاعب الطائفي.