يؤكد مسؤول رفيع في الإدارة الذاتية أن “اللقاءات والمشاورات برعاية برّاك ستستمر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وصولاً إلى تنفيذ بنود اتفاق 10 آذار/ مارس.
احتضنت دمشق لقاءً رباعياً وصفته مصادر كردية بـ”المفصلي”، جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وممثلي الإدارة الذاتية و”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) في شمال شرق البلاد، بحضور السفير الأميركي في تركيا ومبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى سوريا توم برّاك.
اللقاء، الذي ناقش ملفات حساسة وشائكة، عُقد في قصر تشرين الرئاسي، ووُصف بأنه إيجابي.
رعاية أميركية
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها “النهار” من ثلاثة مصادر مقرّبة من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كان من المقرر عقد لقاء ثلاثي في عمّان، يجمع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي ومبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا توم برّاك. لكن طرأ تعديل على جدول اللقاء مع انضمام القائم بالأعمال الفرنسي في دمشق، ما استدعى نقل الاجتماع إلى العاصمة السورية، وتعديل تمثيل الجانب السوري بحيث لم ينضم الشرع إلى الاجتماع – وكان الوفد الكردي يتوقع حضوره – ومشاركة وفد من الإدارة الذاتية غادر القامشلي مساء الثلاثاء، ضمّ كلاً من الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية إلهام أحمد، والرئاسة المشتركة لوفد ممثلي شمال وشرق سوريا فوزة يوسف وعبد حامد مهباش.
ويؤكد مسؤول رفيع في الإدارة الذاتية أن “اللقاءات والمشاورات برعاية برّاك ستستمر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وصولاً إلى تنفيذ بنود اتفاق 10 آذار/ مارس، الذي يُعد ترجمة للرغبة الأميركية”.
ويقول المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”النهار”، إن “لقاء الأربعاء تم التحضير له على مدى أسابيع، وهدفه الرئيسي دفع اتفاق 10 آذار إلى الأمام، مع التركيز على نقاط الالتقاء بين الجانبين، والتي يُبنى عليها للتوصل إلى اتفاق شامل”.
وبحسب المعلومات، فإن اللقاء الرباعي بحث في أربعة محاور رئيسية: سياسي، اقتصادي، عسكري وإداري، مع تركيز خاص من قبل الإدارة الذاتية على شكل الدولة السورية مستقبلاً، وعلاقتها بدمشق، ومصير الموظفين والعناصر في مناطق شمال شرق البلاد.
الخلاف الدستوري بين دمشق والقامشلي
وتصرّ الإدارة الذاتية على تبني مبدأ اللامركزية في الحكم، وترفض الإعلان الدستوري الصادر عن السلطة الانتقالية، مؤكدة استعدادها للاندماج في المؤسسات السورية الجديدة على أساس تشاركي، دون إلغاء بنيتها المؤسساتية الإدارية والعسكرية.
في المقابل، تواصل السلطة تمسكها بالحكم المركزي، مطالبة الإدارة الذاتية بتسليم مناطق سيطرتها، بما في ذلك حقول الطاقة، وسجون ومخيمات عناصر “داعش” وعائلاتهم، إلى جانب المعابر البرية ومطار القامشلي.
ويشير المصدر إلى أن “الإدارة الذاتية ليست متمسكة بالتسميات، وتُبدي مرونة كبيرة في هذا السياق. ما يهمها هو الوصول إلى صيغة اتفاق تتيح لها إدارة شؤونها الإدارية والخدمية، وهذا المطلب لا يخص شمال وشرق سوريا فقط، بل يشمل الجنوب والغرب ومناطق أخرى”.
وتتقاطع مطالب الإدارة الذاتية مع مطالب الدروز في الجنوب السوري، الذين يشددون أيضاً على وحدة البلاد مع المطالبة بلامركزية إدارية، وهو توجه يلقى تأييداً ضمنياً من العلويين في الساحل السوري، رغم غياب القوى الفعلية والدعم الدولي في هاتين المنطقتين، على عكس الوضع في الشمال الشرقي.
بالمقابل، تحرص وسائل الإعلام والمنصات المقرّبة من الحكومة الانتقالية على تصوير مطلب اللامركزية على أنه مشروع انفصالي وتهديد لوحدة البلاد، في تصعيد للاستقطاب الداخلي، ما يفسر محاولات إيجاد تسميات بديلة لهذا المفهوم في النقاشات حول شكل نظام الحكم.
دمشق ترفض شكل “قسد” الحالي
إلى جانب الملف السياسي، يشكّل الوضع العسكري عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق، وسط ضغوط تركية متواصلة على دمشق لإنهاء وجود “قسد” التي تصنفها أنقرة امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني”.
تشير التقديرات غير الرسمية إلى وجود نحو 120 ألف عنصر ضمن صفوف “قسد”، بينما يقدر عدد العاملين في المؤسسات الإدارية والسياسية والأمنية التابعة للإدارة الذاتية بنحو 250 ألف شخص، تسعى الإدارة لإيجاد صيغة رسمية تضمن استمرار عملهم ومستحقاتهم.
ورغم رفض دمشق المعلن لاستمرار “قسد” بصيغتها الحالية، إلا أن “النهار” علمت بوجود مرونة من جانب الإدارة الذاتية في ما يتعلّق بتسميات القوات وشكل اندماجها، مع تمسكها بهيكليتها، بدعم من تمسك واشنطن بها كشريك رئيسي في التحالف الدولي ضد “داعش”.
وقبل أيام، أعلنت واشنطن تخصيص مبلغ 130 مليون دولار لـ”قسد” ضمن ميزانية عام 2026، في خطوة اعتبرتها مصادر مقرّبة من الإدارة الذاتية “رسالة رمزية تؤكد استمرار دعم البنتاغون لهذه القوات”.
وتسعى واشنطن للتوفيق بين مطالب أنقرة ومواقف الداعمين لـ”قسد” داخل المؤسسات الأميركية، لا سيما في وزارتي الدفاع والخارجية والكونغرس، بينما تستمر الضغوط الديبلوماسية عبر مبعوث ترامب توم باراك، والجناح الديبلوماسي في البيت الأبيض.
ويأتي هذا الحرص الأميركي على العلاقة مع “قسد” في ظل مخاوف من عودة تنظيم “داعش”، الذي تشير تقارير إلى تحضيره للانطلاق مجدداً من البادية السورية نحو محافظتي حمص وحماة.
وخلال الأسبوعين الماضيين، نفذت القوات الأميركية بالشراكة مع “قسد” عدة عمليات عسكرية ضد خلايا مرتبطة بـ”داعش”، إضافة إلى تحركات اعتُبرت أنها تستهدف نفوذاً مرتبطاً بالحرس الثوري الإيراني قرب الحدود السورية-العراقية.
وتنظر واشنطن إلى “قسد” كقوة منضبطة قادرة على المساهمة في التوازن داخل المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، في مواجهة فصائل أكثر تطرفاً تُعدّ خارج السيطرة الفعلية لحكومة دمشق، وسط تصاعد الحديث عن صراعات داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للسلطة الانتقالية.