أغلب الظن أن إسرائيل ستنفذ تهديدها باجتياح قطاع غزة، وذلك حالما تنتهي الترتيبات الميدانية مع إعطاء الوقت لسلاح الجو بمواصلة القصف الشديد لمربعات سكنية في مدينة غزة، لحمل القسم الأكبر من السكان على المغادرة إلى جنوبي منطقة وادي غزة.
هدف الإسرائيليين هو حشر معظم سكان القطاع في الوسط والجنوب وصولاً إلى الحدود مع مصر. لكن هذا لا يمنع أن المنطقة الجنوبية التي لن يتم اجتياحها ستتعرض باستمرار لقصف عنيف كلما لاحت “فرصة” استخبارية للإسرائيليين يمكنهم أن يسجلوا فيها ضربة ناجحة عسكرياً. بالطبع الثمن باهظ فلسطينياً بأرواح المدنيين العزل، لا سيما بين الأطفال والنساء والمسنين الذين لا يملكون أي مكان يلجأون إليه في هذه الحرب الدموية المخيفة. لذلك علينا أن نتوقع المزيد من الخسائر بين صفوف المدنيين حتى في المنطقة الجنوبية.
في المنطقة الشمالية تتحضر القوات الإسرائيلية لاجتياحها على دفعات عدة. الدخول يتوقع أن يكون متدرجاً نظراً لطبيعة مدينة غزة. فالقصف الحالي لا يمكن أن يدمر المدينة بأسرها إلى حد يمكن القوات البرية الإسرائيلية من التوغل بسهولة في غابة من الإسمنت القائم أو المدمر.
لن يكون التوغل الإسرائيلي نزهة. ستقع خسائر فادحة في صفوف المهاجمين إلى حدود لم تعهدها إسرائيل في مختلف الحروب التي خاضتها منذ نشوئها. ومع ذلك ستكون الخسائر في صفوف المقاومين مرتفعة للغاية. إلا أن هؤلاء لا يعبأون بالثمن البشري الذي سيدفعونه.
الهدف المنطقي للاجتياح البري الإسرائيلي سيقتصر على المنطقة الشمالية. ثمة استحالة لاجتياح كامل القطاع. كما أن العالم لن يقبل لا بترحيل السكان إلى خارج القطاع، ولا ببلوغ الفاتورة البشرية أرقاماً فلكية في حال محاولة اجتياح كامل القطاع. وللتذكير، فإن الموقف المصري الذي رفض استقبال سكان غزة تلافياً لتحويلهم إلى لاجئين دائمين قد لا يتمكنون من العودة إليها، أدى إلى إفشال المحاولة الإسرائيلية لدفعهم خارج حدود القطاع إلى سيناء. كما أن الأردن المتوتر جداً مما قد يحصل على مستوى الضفة الغربية، متصلب للغاية إزاء أي محاولة لترحيل جماعي للسكان من هناك.
قد تتمكن إسرائيل من تحقيق “إنجاز” بري بثمن باهظ جداً لها ولغزة وأهلها. لكن السؤال: ما هو الهدف النهائي الذي تريد تل أبيب الوصول إليه؟ ومتى يمكنها أن تقول إنها حققت الهدف؟ فاجتثاث حركة “حماس” والفصائل ليس بالمستطاع، لا سيما أن نصف القطاع لن يتعرض لاجتياح. ثم إن المدة الزمنية التي ستتطلبها العملية قد تطول إلى حد يصبح الدعم الغربي لإسرائيل أكثر تعقيداً مما هو الآن. فبدون الدعم الأميركي والغربي من المستحيل أن تخوض إسرائيل حرباً طويلة تراوح بين 30 و60 يوماً على التوالي.
أكثر من ذلك، يمثل اشتعال جبهات أخرى مثل لبنان تحدياً كبيراً على الرغم من الانتشار العسكري الأميركي الضخم قبالة شواطئ لبنان وسوريا وإسرائيل، لا سيما أن واشنطن تعتبر أن مهمة هذه القوات ردعية وليست قتالية. بمعنى أنها هنا من أجل منع توسع رقعة القتال لا توسيعه وفق الأجندة الإسرائيلية، لذلك سيقع على عاتق إسرائيل أن تتحمل مزيداً من التحرشات من خلف الحدود مع لبنان، وأن تتحلى بالصبر وألا تندفع فتستدرج إلى حرب لا مصلحة لها فيها.
يبقى عامل أخير شديد الأهمية لا يتم التركيز عليه، ألا وهو احتمال إشعال انتفاضة شاملة في الضفة الغربية. فقد نشهد فيها قتالاً مسلحاً مع القوات الإسرائيلية نظراً لوجود السلاح في مختلف المدن الفلسطينية.
نحن إذاً نرقص على حافة الحرب المتعددة الأوجه. وخيارات إسرائيل صعبة للغاية إلى حد قد لا تحقق الأهداف التي تسعى إليها.