
يقول الخبير في مجال علم النفس، محمد خاني، إن على المدارس الأهلية في إقليم كوردستان أن تهتم بتطوير لغة الأم قبل تطوير اللغات الأجنبية، وأن يتبع النظام التربوية أسلوب التعلم وليس التعليم.
محمد خاني الذي حل ضيفاً على برنامج (حدث اليوم) على شاشة رووداو، تحدث عن التربية الصحيحة للعائلة والمشاكل التربوية وآثارها على المشاكل الاجتماعية، وعن النظام التربوي في إقليم كوردستان والفرق بين عمليتي التربية والتعليم وأهمية تعزيز الثقافة واللغة وبيّن نتائج إهمال لغة الأم وخطره على المجتمع.
“تربية الأسرة”
حول الأساليب التربوية، قال هذا الخبير في علم النفس: التربية الممتعة والتربية الصحيحة شيئان مختلفان، التربية الممتعة هي التي يتمتع خلالها الطفل بالتربية لكن ليس لزاماً أن تكون تربية صحيحة، أما التربية الصحيحة فربما لا تكون ممتعة لكن الأبوين يريان أنها صحيحة. هذه النظرة إلى التربية تقودنا إلى أربعة أساليب في التربية، أفضلها التربية الممتعة الصحيحة، ثم التربية الصحيحة غير الممتعة، وثالثاً التربية الممتعة غير الصحيحة وهي ليست ملائمة، والأسوأ من كل الأساليب تربية غير ممتعة وغير صحيحة ومن المستحيل أن ينشأ في ظلها شخص جيد في كنف تلك الأسرة.
ويضرب محمد خاني مثلاً عن التربية الممتعة غير الصحيحة والتربية الصحيحة غير الممتعة، ويقول يتلقى طفل في فرنسا تربية ممتعة غير صحيحة، بينما يتلقى طفل في ألمانيا تربية صحيحة غير ممتعة، الطفل الذي في فرنسا لا يسمح والداه بأن يلاقي أي صعوبات ويؤمنان له كل ما يشاء لكنه عندما يبلغ وينخرط في صفوف المجتمع يجد نفسه عاجزاً عن مواجهة صعوبات الحياة فقد كانت تربيته ممتعة لكنها لم تكن صحيحة، لكن الطفل الذي تلقى في ألمانيا تربية صحيحة غير ممتعة وكان والداه يصحبانه لتلقي اللقاحات الشهرية التي كان يعاني من الألم بسببها، وكانا يأخذانه في موسم البرد إلى خارج البيت ويدعانه يمشي في الثلج ليسقط ويقوم من سقطته فيتعلم الصمود في الثلج، الألم يعتصر قلب الأم كلما سقط طفلها لكنها تعلم أن الحياة تحفل بالسقطات، وهكذا ينشأ الطفل ويتعلم من الأمور السيئة التي يواجهها، وهكذا تكون التربية غير ممتعة للطفل لكنها صحيحة وتنشئ فرداً صحيحاً.
وأضاف: لو أن أسلوبي التربية هذان اجتمعا، أي كانت التربية ممتعة وفي نفس الوقت صحيحة، يقال للأسرة التي تربي أطفالها بهذه الطريقة “الأسرة الخضراء”.
“المشاكل التربوية”
في جانب آخر من حديثه، تطرق محمد خاني إلى المشاكل التربوية في الأسرة في المراحل المختلفة من عمر الطفل، وقال: هنا أناس يصفون كل ما يحبون بالتربية الجيدة في حين يجب أن تكون التربية مدعومة بالمعرفة بالنظريات التربوية، ومن هذه النظريات نظرية المراحل العمرية ليس للأطفال وحدهم بل لكل إنسان، وتقسم 80 سنة من عمر الإنسان على ثمان مراحل، تختلف التصرفات في كل مرحلة عن التي سبقتها والتي تليها، أي أن رؤى وتصرفات الإنسان في عمر 50 سنة تحتل عن تلك التي كانت له عندما كان يبلغ 40 سنة والمراحل السابقة وعندما سيبلغ 60 سنة والمراحل التي تلي ذلك العمر.
“هناك نظرية تربوية أخرى خاصة بالأطفال من عمر شهر واحد إلى 18 سنة، وتقسم عمر الطفل إلى مراحل خلال هذه الفترة، من شهر إلى سنتين، ثم من سنتين إلى ست سنوات، وتحدد النظرية الاحتياجات التربوية لكل مرحلة، من حيث التربية والأخلاق والتطور الاجتماعي، وبعدهما مرحلة من ست سنوات إلى 12 سنة وهي مرحلة الدراسة وتحدد هذه النظرية الدروس التي يجب أن يتلقاها الطفل في مادة الرياضيات مثلاً بحيث يستوعبها الطفل”، حسب محمد خاني.
ومضى إلى القول: هناك أيضاً نظرية كولبرت التي تقسم الأخلاق إلى ثلاث مراحل، كل مرحلة تختلف عن الأخريين، ولهذا يجب تقسيم التربية الاجتماعية على أساس طريقة تطوير الأخلاق، في المرحلة الممتدة من الولادة حتى ست سنوات يتلقى الطفل الأخلاق على أساس العقاب والثواب، إذ يعرف الطفل أن كل ما يتلقى مكافأة عنه يعد من الأخلاق الحسنة وإن لم يكن كذلك، لهذا يجب على الوالدين أن يعرفا في هذه المرحلة التصرفات التي يجب أن يكافئا عليها الطفل ليعلم أنها من الأخلاق الحسنة.
لهذا لا يمكن لشخص أن يتحدث عن التربية وهو يجهل النظريات التربوية، فعندما يشعر الطفل بوجوده يبدأ في داخله بخوض معركة إرادته ووجوده، وعندما يقول له والداه شيئاً ولا يسمع لهما فإنه يريد أن يثبت لهما أنه موجود، لذا يفضل أن لا يلجأ الوالدان إلى القوة والعنف لفرض إرادتهما عليه، بل عليهما حل الخلاف معه من خلال الحوار وتوضيح كون خياره سيئاً وإقناعه بأن يسمع كلامهما بدون يشعر بنكران وجوده أو بكسر إرادته.
“النظام التربوي واللغة”
كان جزء آخر من برنامج (حدث اليوم) مخصصاً لمناقشة تأثير اللغة على الأمة، وبصورة خاصة مع وجود أنواع عديدة من برامج وأنظمة التعليم الأجنبية في المدارس الأهلية وقسم من المدارس الحكومية في إقليم كوردستان، ويرى محمد خاني أن أهم شيء يميز الإنسان هو لغته: اللغة صغرت العالم، ومعرفة اللغة هي التي جعلت الإنسان يصنع النقود ويصوغ القوانين، فاللغة هي التي تدير العلاقات الاجتماعية.
وحسب خاني، فإن أهم لغة يجب أن يتقنها الإنسان هي التي يتعلم بها العاطفة والفكر وهي لغة الأم، اللغة التي يجري التواصل بها مع وجود المرء، وحسب النظريات المتنوعة والمفكرين وعلماء اللغة لا توجد لغة مهما تم تطويرها تستطيع أن تصبح بديلاً عن لغة الأم.
“تمر اللغة بأربع مراحل، السماع والنطق والقراءة والكتابة”، فعندما يكون الطفل في المهد تهدهده أمه وتروي له القصص بينما هو عاجز عن النطق، لكنه يسمع، وهو حينها في المرحلة الأولى من تعلم لغة الأم، في هذه المرحلة يتعلم الطفل علو وانخفاض الحروف والذي يمثل أهم مميزات اللغة.
ويضرب محمد خاني مثلاً، ويقول، أنا عشت في بلد يوجد فيه الكثير من المنتمين للقومية الفارسية، ولدي ولدان “آسو، آلا” يعجزان عن نطق حرف الواو المرقق لأنهما لم يتعلما من أمهما علو وانخفاض هذين الحرفين.
“اللغة ليست ثقافة لكنها جزء من الثقافة، ولكل حرف أهميته، وعندما يموت حرف من هذه الحروف يموت معه جزء من هذه الثقافة”، هكذا قال محمد خاني.
وقال أيضاً: على سبيل المثال، لو محوت حرفاً من كتب المكتبة الكوردية كحرف الحاء أو الجيم المرققة أو الدال أو أي حرف، أنظر حينها إلى ما يحل بكل الكؤلفات والأشعار والقصص والكتب الكوردية.
اللغة الثانية هي اللغة التي يتعلمها الإنسان إضافة إلى لغة الأم، ومهما عمل على تطويرها وارتقى فيها لن يتعلم المشاعر والعواطف والحديث بها كلغة الأم، وإن جردت الإنسان من المشاعر والعواطف لن يبقى منه شيء يذكر.
“لا ينبغي السماح لأي مدرسة بأن تتخذ من لغة الأم لغة ثانية عندها”، هذا ما أكد عليه محمد خاني.
وقال أيضاً: كل شخص يتعلم لغة ثانية يستطيع تعلم المئات من اللغات الثانية، لكن من يفشل في تعلم اللغة الأولى التي هي لغة الأم لن يتعلم لغة ثانية.
ودعا محمد خاني الأمهات إلى الاهتمام باللغة الأولى لأولادهن لأنها هي الطريق لكسب الشخصية والمشاعر القومية والوطنية، ولغة الأم هي وجود الإنسان.
“التربية والتعليم”
القسم الأخير من الحوار في (حدث اليوم) خصص للحديث عن الفرق بين التربية والتعليم، وفي هذا الصدد قال محمد خاني: التربية تشبه قيامك بزراعة حبة قمح لتصبح حقل قمح، التربية هي تحليل ماهية الشيء وما يمكن أن يصير إليه، ومهمة التربوي هي المساعدة في تحويل الشيء الموجود إلى الشيء الذي يجب أن يكونه، هذه هي التربية، أما في التعليم فإنك تحوله إلى الشيء الذي تريده ولا تراعى فيه رغبات الشخص الذي يجري تعليمه وهل أنه يريد أن يصبح ذلك الشيء أم لا. هذا أسوأ صور التعليم عندما يشعر المتعلم بأنه حين يتعلم ما تريد أن يتعلمه فإنه سينجو من عقابك وإلا فسيعاقب، في التعليم يكون المعلم هو المرز والتلميذ صحيفة بيضاء تكتب عليها ما تريد. أما عندما يتحول التعليم إلى تعلم فإنه يصبح تربية، التعلم يعني الأخذ برغبات المتعلم ومراعاة نفسيته واحترام شخصيته قبل كل شيء، وإلا ستكون العملية عملية تعليم سميت بالتربية، وإن اقتصر الأمر على التعليم فإنه يشبه صناعة شيء من حجر أو من حديد، بنفس الطريقة يصنع من الإنسان شيئاً يريده هو.
ومضى يوضح: عندنا الآن مشروع “بنجوين مدينة التعلم” والفكرة أساساً فكرة يونسكو وقد نقلناها إلى بنجوين وهي فكرة عالمية يجري اتباعها في 195 مدينة في العالم، لهذا المشروع تكاليف وييحتاج إلى باحثين وسيكون أساساً لتغيير التربية، وتغيير النظام التربوي في أي بلد يستغرق 20 سنة ونحن اخترنا خوض هذا الطريق بنفس طويل.
طبيعة المشروع هي عرض إنجازاتك على يونسكو بعد سنتين لتقييمها، وفي حال قبولها من جانب يونسكو سيتم الاعتراف بك وإعلانك كمدينة للتعلم، وهذا المشروع في كوردستان قائم حالياً في مدينة بنجوين وحدها.
وعن مضمون المشروع، قال: مضمون هذا البرنامج العالمي هو أن الدراسة لا تقتصر على القراءة والكتابة، بل تعرض فيها 12 رؤية للقرن 21، فقد تغير تعريف المتعلم في العالم الآن، ويجب الأخذ بمعرفة الاقتصاد والثقافة والتربية والأسرة، ويجري تحديثها باستمرار.
والتربية في هذا البرنامج هي تعلم وليست تعليماً ووسائلها عصرية وطرق إجراء الاختبار والتقييم فيها مختلفة، وقد أكملنا حتى الآن أقل من نصف سنة وحققنا كثيراً من النتائج التي كنا نخطط لتحقيقها خلال سنتين.
محمد خاني:
ولد سنة 1970 في جوانرو بشرق كوردستان، وتخرج في قسم التربية والتعليم بجامع آزادي الإسلامية في سنندج، ونال درجة ماجستير في علم النفس من جامعة طهران، ثم درجة دكتوراه في علم النفس من جامعة العلامة الطباطبائي، ويدرس في جامعتي كرمانشاه وجوانرو ويلقي باستمرار محاضرات في علم النفس.