بعد جمود سياسي استمر أكثر من تسعة أشهر، تمكنت القوى المدنية في السودان من إحداث اختراق جدي بعد اجتماعات مع قائد قوات الدعم السريع، ليصدر إعلانٌ عن سلسلة خطوات تقوم بها المجموعة العسكرية، فيما تتجه الأنظار إلى قيادة الجيش لرصد رد فعلها، وكذلك لـ”الإيغاد” التي تستعد لقمة تجمع جنرالي الحرب.
القوى المدنية تلتقي حميدتي
قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إنه جاهز لعقد اتفاق سلام في السودان اليوم قبل غدٍ، بحسب كلامه، ولكن “الطرف الآخر” ليس مستعداً لذلك. وأضاف، في مؤتمر صحافي جمعه الاثنين مع رئيس الوزراء السابق ورئيس تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (“تقدم”) عبد الله حمدوك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أنه قد عمل بكل ما يستطيع لعدم اندلاع الحرب في السودان قبل الخامس عشر من نيسان (أبريل) الفائت، متهماً من سماهم “عناصر من الفلول” بالتخطيط للحرب منذ زمن طويل.
وجاء المؤتمر الصحافي عقب إعلانٍ صادر عن اجتماعات على مدى يومين بين حمدوك ووفدٍ من القوى المدنية وحميدتي في أديس أبابا، للحديث عن خريطة طريقٍ لحل الأزمة السودانية. ووفقاً للبيان، أبدت قوات الدعم السريع استعدادها التام لوقف العدائيات وقفاً فورياً وغير مشروط “عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة، وتعمل “تقدّم” للوصول مع القوات المسلحة للالتزام بالإجراءات ذاتها، وذلك بهدف الوصول لاتفاق وقف عدائيات ملزم للطرفين برقابة وطنية وإقليمية ودولية تتحقق على الأرض”.
وأشار الإعلان لموافقة الدعم السريع على إطلاق سراح 451 من أسرى الحرب والمحتجزين كبادرة حسن نية، وذلك عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مع التعهد بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية وتهيئة الأجواء “لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب (الخرطوم، دارفور، كردفان، الجزيرة)، وذلك بتوفير الأمن عبر نشر قوات الشرطة في المناطق المدنية وتشغيل المرافق الخدمية والإنتاجية”.
واتفق الطرفان، وفقاً للبيان، على أن مشروع خريطة الطريق وإعلان المبادئ يشكلان أساساً جيداً للعملية السياسية التي تنهي الحرب وتؤسس للدولة السودانية. وكان لافتاً الحديث عن “القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة واسعة تستثني المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما”، مع التأكيد على ضرورة تمثيل المدنيين في اجتماع جيبوتي المرتقب، الذي تجهز له “الإيغاد” بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحميدتي، على أن “التفاهمات المتوصل إليها ستطرح بواسطة “تقدم” لقيادة القوات المسلحة لتكون أساساً للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب”.
تواصل مع الجيش
وعلم “النهار العربي” من مصادر سودانية أنه تم بالفعل التواصل مع شخصيات مقربة من الجيش لعرض الخطة عليهم، وتحدثت المصادر عن استعداد شخصيات من القوى المدنية للقاء مسؤولي القوات المسلحة، سواء في السودان أو في دولة أخرى. كما علم “النهار العربي” أن عبد الله حمدوك وتنسيقية “تقدم” قد تلقيا دعوة لزيارة جيبوتي غداً لبحث آفاق الحلول السياسية للحرب، مشيرة إلى زيارة حميدتي لجيبوتي قبل يومين أيضاً، والتي تعد العدة لقمة تجمع قادة الهيئة الحكومية للتنمية “الإيغاد” ومعها وزراء خارجية دول إقليمية لحضور اجتماع البرهان وحميدتي في الأسبوع المقبل.
الكرة في ملعب البرهان
وفقاً للكاتب والمحلل السياسي الفضل ياسر محمد، فإن المبادرة الآن قد انتقلت إلى الجيش بعد الإعلان الصادر عن الدعم السريع و”تقدم”. ويقول الكاتب لـ”النهار العربي”: “بعيداً من شرط البرهان للتفاوض والذي أعلنه في خطاب الاستقلال من ضرورة خروج قوات الدعم من ولاية الجزيرة والمدن السودانية، فإن مبادرة الدعم السريع قد نقلت الكرة جدياً إلى ملعب قيادة الجيش، فهي تتركز في كون “الدعم” هو صاحب النفوذ الأكبر على الأرض والمسيطر على مساحات حيوية تكاد تقسم السودان. ولكن حميدتي كان واضحاً حين قال إن المنتصر في هذه الحرب خاسر، لذلك يجب أن تتوقف المعارك وأن يتجاوب البرهان للبدء بالعملية السياسية”.
ويحذر الفضل من موقف الحركة الإسلامية وما يصفه بالمعاندة لكل البنود، ما سيعني “تدمير الكيان السوداني ومعه المؤسسة العسكرية، لأن الرهان من قبل أنصار الإسلاميين بات على تسليح الناس والقبائل، وهو سيقود لحرب أبشع بكثير مما يجري، يقف قادة الإسلاميين متفرجين أمامها بانتظار عودتهم للحكم”.
أولوية الرقابة الدولية
يبدي الباحث والمحلل السياسي عبد الله أحمد تفاؤلاً حذراً بمخرجات الاجتماع، مع المراهنة على آلية تنفيذها. ويقول في حديث لـ”النهار العربي”: “المبادئ جيدة جداً، وأي مسعى لوقف الحرب والتفاوض هو مسعى حميد يجب الوقوف عنده، ولكن ما هي آليات التنفيذ الحقيقة؟ فمخرجات منبر جدة نصت على خروج الدعم من منازل المدنيين وهو ما لم يحدث، وتلك كانت وساطة سعودية أميركية، فكيف بمبادرة فردية؟”. ومع ذلك، يلمح عبد الله في الوقت نفسه لفكرة الرقابة الوطنية والإقليمية والدولية التي وردت في إعلان أديس أبابا، باعتبارها “الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تضمن وقفاً للنار وجعل الخرطوم منزوعة السلاح برقابة دولية، وهذا أمر سبق أن تحدث عنه خبراء في مفاوضات جدة، وكذلك غمز نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في حديث سابق عن ضرورة فصل القوات. لذلك، فإن اتفقوا على هذا الإجراء، يمكن القول إن العد التنازلي لوقف الحرب قد بدأ”.