الأسئلة التي طرحها إغتيال العاروري تطاول الجميع، لكن الأكثر حرجاً بينها يطال إسرائيل نفسها التي إرتكبت الإغتيال. الأطراف الآخرون قد يكونوا وجدوا مخرجاً، أو على الأقل هذا ما يعتقدونه، من الإحراج الذي وضعهم أمامه إغتيال الرجل. لكن السؤال الأهم والأصعب يبقى أمام إسرائيل: ما الذي حققته بهذا الإغتيال، ما التغيير الذي أحدثته في حربها على غزة ويقنع الإسرائيليين أن الحرب أصبحت أقصر وأقل كلفة؟
منذ اليوم الأول للحرب وإعلان إسرائيل أن هدفها الرئيسي القضاء على حماس كتنظيم وقيادة، والخبراء يعلنون أن الهدف غير قابل للتحقيق. ودليلهم على ذلك تجربة الولايات المتحدة التي حشدت إئتلافات دولية في الحرب على القاعدة وطالبان والدولة الإسلامية، وقضت على قيادات في هذه التنظيمات. والنتيجة تتحدث عن نفسها، مع فارق أن العالم كان يجمع على الطابع الإرهابي لهذه التنظيمات، بينما هو منقسم بشأن حماس.
موقع the insider الإلكتروني الروسي نشر في 2 الجاري نصاً للبروفسور في العلوم السياسية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية Zeev Hanin تابع فيه تطور الرأي العالمي بشأن الحرب في غزة منذ اندلاعها. لخص البروفسور في عنوان النص نتائج متابعته لموقف الرأي العام العالمي من إسرائيل في مراحل حربها على غزة، حيث كتب: “الراي العام العالمي. في شبكات التواصل الإجتماعي ينتقد إسرائيل في الغالب، أما على صعيد الدول فتدعمها في الغالب”.
موقع Zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية نشر في 2 الجاري أيضاً للكاتبة Irina Petrova كانت قد نشرته في موقع MIGnews الناطق بالروسية كذلك. رأت الكاتبة في عنوان النص أنه “لا يمكن هزيمة الإرهاب في معركة مفتوحة، بل يمكن إضعافه مؤقتا فقط. دعونا نواجه الأمر: نحن، إسرائيل، لا نستطيع أن نهزمه”
تستهل الكاتبة نصها بالإسئلة المعتادة هذه الأيام في الإعلام الإسرئيلي حول ما حصل، وكيف، ولماذا. وتقول ” هناك شيء واحد غير مفهوم: لماذا؟ هل كانت سلسلة من الأخطاء القاتلة أم نمطًا معتاداً؟”. وتتابع بأن التحقيق مؤجل بطبيعة الحال إلى أوقات أكثر سلماً، لكن الطريقة التي تسير بها العملية العسكرية الآن “تنبئنا، للأسف، بإجابة مخيبة للآمال”. فالدوائر العسكرية لا تخفي أن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه أدنى تصور عن هذه الشبكة الواسعة من الأنفاق والممرات. لكن الآن، وبعد أن اتضح حجم المهمة، تتساءل الكاتبة ما إن كان واقعياً العثور على كل الأنفاق وتدميرها، وما الثمن الذي سيدفعه العسكريون الذين يقاتلون، أو أنه ينبغي تغيير الإستراتيجية؟
وبعد أن تشير الكاتبة إلى المعطيات الإسرائيلية عما تم تدميره في غزة وقتله من قيادة حماس ومقاتليها، تقول، ومع ذلك لم يتم القضاء على المنظمة ولم تستسلم، بل وأكثر من ذلك، لا زالت تقاتل “جيشنا”، وكل يوم تقتل “جنودنا” وتقصف “أراضينا”. وبالتالي، يتبين أن “تقديرنا” لعدد مقاتلي حماس وكمية أسلحتهم كان خاطئاً ايضاً. وتضيف بأن الإسرائيليين يرددون بأنهم لن يوقفوا الهجوم وسوف ينتصرون، لكن “ملامح النصر القادم تتلاشى في غبار إنفجارات غزة”. وتقول بأن معطيات المنظمات الدولية تشير إلى أن 70% من الأبنية في غزة تم تدميرها، و”لم نسيطر على قطاع غزة،”ولم نقضِ على مقاومة حماس، ولم نعِد الرهائن”. فهل سيتم بلوغ هذه الأهداف “حين ندمر 100%” من كل ما هو قائم؟”.
بعد أن تسترسل الكاتبة في الحديث عن المفاجآت وخيبات أمل الجيش الإسرائيلي في غزة، تتساءل: إذا كان إحراز النصر على منظمة أنشأت جيشها سراً، ونقلت السلاح تحت الأرض، وجمعت الصواريخ يدوياً، قد كلف هذا الثمن، فما هي التضحيات الهائلة في الحرب مع حزب الله؟ بل ليس مع حزب الله، حتى مع السلطة الفلسطينية المنتفضة على مساحة أراضيها الشاسعة. وتضيف بأن القادة الإسرائيليين ربما كانوا محقين، حين كانوا يقتصرون الحرب مع “الإرهابيين” على عمليات محلية قصيرة الأجل، ويتجنبون الإشتباكات الكبرى.
تقول الكاتبة بأن القادة الإسرائيليين ما زالوا حتى الآن يعدون الإسرائيليين بأن القطاع سيكف عن أن يكون تهديداً لإسرائيل، لكن “تصديق ذلك يزداد صعوبة”. وتضيف بأنه حتى أولئك الذين يحلمون بغزة المحتلة المزدهرة اليهودية، يدركون أن تطهير هذه القطعة الصغيرة من الأرض سيتطلب أشهراً، بل سنوات. وبغض النظر عن من يحكم غزة، فهي لن تكون مسالمة وهادئة. وتفترض أن ما تتحدث عنه القيادة الإسرائيلية من إقامة منطقة عازلة في غزة على طول حدودها مع إسرائيل وحملات تأديبية دورية، هو بمثابة العودة إلى ما قبل إنسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. وترى أن كل ما ما يرافق ذلك الوضع من هجمات للفلسطينيين واشتباكات وحروب قصيرة الأجل، هو أفضل من الحرب طويلة الأمد بالنسبة للإسرائيليين.
موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 4 الجاري نصاً تحدث فيه عن تأثير إغتيال العاروري على القدرة القتالية للمقاتلين الفلسطينيين. وصف الموقع العاروري بالإستراتيجي والدبلوماسي، وقال بأن العالم بعد إغتياله عاد يتحدث من جديد عن خطر نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط. ويشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تنف أو تؤكد علاقتها باغتيال العاروري، لكن الحكومة اللبنانية على ثقة بأن هذا عمل أجهزة المخابرات الإسرائيلية. ووفقا لعدد من الخبراء العسكريين، فإن المحترفين فقط هم الذين يمكنهم الوصول إلى شخصية بهذا الحجم. لكن، وبغض النظر عمن يقف وراء الإغتيال، فقد ألحق أضراراً كبيرة بحماس. فقد فقدت حماس باغتيال العاروري أحد إسترتيجييها العسكريين الرئيسيين، حيث كان يقوم بدور نشط في توزيع التدفقات النقدية وإمدادات الأسلحة بين فروع حماس في قطاع غزة الدول الأخرى في الشرق الأوسط. وبقيادته أصبحت الجماعة أكثر إندماجاً في شبكة التشكيلات الإيرانية والموالية لإيران، والتي تهدف إلى قتال إسرائيل.
ينقل الموقع عن الخبير بشؤون الأمن في المعهد الدولي للأبحاث الإستراتيجية في لندن إميل حكيّم (Emily Hokaim) قوله بأنه كان يجيد إقامة علاقات دبلوماسية على أرفع المستويات، وفي الوقت نفسه كان يتمتع بهيبة القائد الميداني. ويرى أن موت العاروري سيؤدي “حتماً” إلى إضعاف حماس في قطاع غزة وخارجه.
وتتذكر Bronwen Maddox رئيسة المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية Chatham House كيف شرح لها العاروري إستراتيجية حماس البسيطة منذ 16 عاماً. وتقول بأن العاروري شرح لها بقوله ما معناه أن مهمة حماس تقوم في دعم المشاعر الراديكالية لدى الفلسطينيين، حيث أن معظمهم على استعداد للموافقة على معاهدة سلام، على “أي نوع من الاتفاق الذي يسمح لهم بالعيش في سلام”. في حين أن حماس ترى ضرورة الحفاظ على “مشاعر الغضب” لديهم. ولدى سؤاله ما إن كان بوسع حماس التخلي عن هدفها بتدمير دولة إسرائيل، قال العاروري بأن حماس ستنتصر في نهاية الأمر، و”نحن نخطط لألف سنة قادمة”.
يقول الموقع أن حماس لا تخفي بأن العاروري كان سيلعب دوراً مهماً في استعادة القوة العسكرية للجماعة، والتي دمرتها الحرب إلى حد كبير. فقد فقدت الجماعة إمكانية إنتاج الصواريخ بقواها الذاتية، وتجد نفسها مضطرة للبحث عن الدعم لدى شركائها الأجانب.
يرى الموقع أن حماس لن يكون بوسعها بعد التفجير في بيروت أن تعمل في لبنان كما في السابق. ويدرك كبار ممثليها في البلدان الأخرى أيضًا أنهم معرضون لخطر كبير.