أزمةُ شرعية تلوح في إقليم كردستان العراق.
بإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عدم قدرتها على إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان خلال الموعد المُحدد في 25 شباط (فبراير) المقبل، تكون ملامح محنة سياسية قد تشكلت في الإقليم، لأن أصواتاً عديدة صارت ترتفع وتشكك بـ”شرعية” الحكومة الإقليمية.
مقاعد الأقليات القومية
المفوضية أوضحت في بيان رسمي أنها أرسلت خطاباً إلى رئاسة إقليم كردستان، بيّنت فيه عدم إمكان إجراء الانتخابات، بسبب انتظار قرار المحكمة الاتحادية العراقية، لحسم بعض التفاصيل الخاصة بتوزيع مقاعد “الأقليات القومية” في البرلمان، والذي من المنتظر أن يصدر في 21 من هذا الشهر، وتالياً توفر مهلة خمسة أسابيع فحسب، بين الإعلان النهائي وإجراء الانتخابات.
بهذا التأجيل، تكون انتخابات برلمان الإقليم قد أُجلت للمرة الثانية، بعدما كان البرلمان المحلي قد مدد لنفسه سنة كاملة، وصدر قرار من المحكمة الاتحادية بـ”عدم شرعية التمديد”، الأمر الذي أدى إلى حل البرلمان، من دون أن تكون القوى السياسية قد اتفقت على موعد وتفاصيل قانون أي انتخابات مقبلة، ما دفع بعض القوى السياسية الكردية إلى اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، للمطالبة بإقرار بعض التفاصيل وإضافتها إلى القانون الحالي للانتخابات في الإقليم.
تفاصيل حل البرلمان بقرار قضائي، وتأخر إجراء الانتخابات، وربما تعثر إجرائها بحسب بعض الأطراف، دفعت قوى المعارضة الكردية الداخلية إلى التشكيك بشرعية الحكومة الحالية، والمطالبة بتغييرها. الأمر نفسه صار يصدر في خطابات بعض القوى العراقية، المناهضة للحزبين الكرديين الرئيسيين، كما قال عضو البرلمان عن حركة “بابليون” دريد جميل، في تصريحات إعلامية.
مسألة التمويل
المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات لم تذكر في بيانها أي تفصيل يتعلق بضعف التمويل لانتخابات برلمان الإقليم، خصوصاً أنها تلقت في أواسط الشهر الماضي محفظة مالية قيمتها 43 مليار دينار (قرابة 30 مليون دولار) من الحكومة المركزية، كنفقات لإشرافها على إجراء انتخابات الإقليم، بالإضافة إلى نفقات من وزارة المالية المركزية (قرابة 4 ملايين دولار). كذلك أشارت المفوضية إلى أن بطاقة الناخب الصادرة عنها تُعتبر وثيقة رسمية.
وفقا للمجريات الحالية، فإن توافقاً رباعياً يجب أن يحدث في المستقبل القريب، لتحديد الموعد المقبل لانتخابات برلمان الإقليم. فبحسب أعراف الحياة السياسية، من المفترض برئيس الإقليم أن يجتمع ويتوافق مع القوى السياسية الرئيسية، وبالتنسيق مع الحكومة والمفوضية العراقية المستقلة، للاتفاق على موعد جديد.
في انتظار المحكمة الاتحادية
لكن مراقبين يعتقدون أن ذلك كله متوقف على طبيعة القرار الذي سيصدر عن المحكمة الاتحادية خلال الأسبوعين المقبلين. فإن كان قرارها غير مطابق مطلقاً لبعض تطلعات الأحزاب الرئيسية في الإقليم، وقضت بإعادة توزيع مقاعد الكوتا البرلمانية، أو الحفاظ عليها كما هي، فإن هذه الأحزاب ربما ترفض قرار المحكمة، وتعتبره مناهضاً لها وغير دستوري، وتالياً تبتعد من إمكان التوافق السياسي، وبذلك يتأخر إجراء الانتخابات.
الباحثة في الشؤون السياسية دانيا عدواني شرحت في حديث مع “النهار العربي” نتائج تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم وتأثيراته على الأوضاع الداخلية، وعلى علاقة الإقليم بالحكومة المركزية، قائلة: “في المحصلة، فإن الأوضاع العامة في الإقليم غير سليمة تماماً، ثمة أزمة اقتصادية وأشكال من التململ الإداري، خصوصاً في مجال التعليم، بسبب تأخر دفع الرواتب، ويتعرض الإقليم لأسوأ موجة من التحديات الأمنية، بسبب الهجمات على أراضيه من قِبل تركيا وفصائل معروفة التوجه، مع تعنت واضح من القوى السياسية والحكومة المركزية في حلحلة مسائله العالقة مع السلطة المركزية، بالذات حصته من الموازنة. وبذا فإن غياب برلمان شرعي منتخب وحكومة منبثقة منه تمثل إرادة السكان المحليين وشرعيتهم، لا يمكن التشكيك بها وبمصداقيتها، سيكون أداة ومصدر ضغط على الإقليم، خصوصاً في ظلل الأجواء السياسية غير الإيجابية في العراق، حيث الانقسام بشأن بقاء القوات الأميركية على أشده”.
وأضافت عدواني: “تعي القوى السياسية في كردستان ذلك تفصيلاً، لكنها في المقابل تعتبر إجراء الانتخابات ونتائجها مسألة مصيرية، لأنها تأتي هذه المرة في ظروف استثنائية. فالاتحاد الوطني الكردستاني بقيادته الجديد يريدها إعادة إحياء لنفسه، بعد نكوص سياسي استمر أكثر من عقد ونصف، فإن خسرت حركة التغيير الكردية (“غوران”) المعارضة هذه المرة فسيكون ذلك نهاية مشروعها السياسي، بعد فشلها في الحصول على أي مقعد في البرلمان الاتحادي أو مجالس المحافظات، أما “حراك الجيل الجديد” فيريدها بمثابة إثبات لما يدعيه من قوة كاسحة، وفوق الجميع يريد الحزب الديموقراطي الكردستاني الحفاظ على أغلبية البرلمان في الإقليم بأي ثمن. لأجل ذلك كله، فإن عدم توافق سياسي كردي ربما يحدث ويبقى طويلاً، مثلما كانت الأمور بشأن رئاسة الجمهورية وانتخابات مجالس المحافظات”.
من الجدير بالذكر أن قرار المحكمة الاتحادية المنتظر في 21 الشهر الجاري، سيحدد إبقاء التوزيع الحالي لمقاعد الكوتا التركمانية والآشورية الكلدانية في برلمان الإقليم (11 مقعداً من أصل 111 مقعداً برلمانياً)، وإلى جانبه تحديد آلية انتخابهم ضمن البرلمان، فهل ستتحول كردستان إلى دائرة واحدة، أم ستبقى دوائر عدة بالنسبة إلى كوتا الأقليات القومية هذه؟