يوما بعد يوم تزداد جرعة التصعيد على الحدود الجنوبية للبنان، مع ارتفاع وتيرة تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل واتساع رقعة الميدان، ما يرفع من مخاوف اللبنانيين من احتمال فتح “الجبهة الثانية” للحرب على غزة، ومن أن يكون شرارة فتيلها بدء الاجتياح البري للقطاع.
الخوف من اتساع الحرب لتشمل لبنان، لم يمنع مظاهر لتضامن لبنانيين مع أهل غزة، حيث نزل متظاهرون مع اللاجئين الفلسطينيين في الساعات الأولى من، الاثنين، إلى شوارع العاصمة بيروت وعدة مناطق لبنانية، في مسيرات تضامنية غاضبة مطالبين بوقف قصف القطاع، كما أطلق البعض الرصاص لإيقاظ السكان لمشاركتهم في المسيرات، في وقت علت التكبيرات في مساجد بعض المخيمات الفلسطينية.
وفي جديد التطورات الميدانية، الأحد، أعلن حزب الله استهداف آلية هامر للجيش الاسرائيلي في محيط ثكنة دوفيف بصواريخ موجهة، وعند تقدم دبابة باتجاه الموقع المستهدف قامت عناصره باستهدافها بالصواريخ الموجهة، كما أعلن عن مهاجمته موقعي بياض بليدا والمالكية، بالصواريخ الموجهة والقذائف المدفعية.
هذا التصعيد قابله قصف إسرائيلي طال القرى الحدودية اللبنانية، وهي بحسب “الوكالة الوطنية للإعلام”، محيط علما الشعب والضهيرة، ومحيط بلدات راميا وعيتا الشعب وبليدا وعيترون والبستان، ومزرعة بسطرة ورباع التبن في مزارع شبعا، ومنطقة “المرج” عند أطراف بلدة حولا، ويارين ووادي عويد، كما أفادت بأن حريقا اندلع بسبب القصف في ميس الجبل.
كما أشارت “الوكالة الوطنية” بأن الجيش الإسرائيلي “استهدف سيارة من نوع رابيد في خراج عيترون، كانت تقل عمالا سوريين ذهبوا ليتفقدوا مزرعة الدجاج التي يعملون فيها”، وبأن “قافلة إنسانية للصليب الأحمر اللبناني وقوات الطوارئ عملت على إجلاء الجثامين والجرحى”.
وفي وقت متأخر، الأحد، كشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي باستهداف “خليتيْن تخريبيتيْن تم رصدهما داخل لبنان حيث يشتبه في نية الخلية الأولى إطلاق صواريخ مضادة للدروع نحو الأراضي الإسرائيلية بينما الخلية الثانية كانت تنوي إطلاق قذائف صاروخية” وأنه “تم استهداف الخليتيْن قبل تنفيذهما عملية الرمي”.
وكان أدرعي نشر مقطع فيديو عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، يظهر قيام قوة إسرائيلية باستهداف “خلية مخربين تم رصدها تحاول إطلاق قذيفة مضادة للدروع نحو الأراضي الاسرائيلية في منطقة أفيفيم على الحدود اللبنانية”.
كما أعلن استهداف بنية تحتية لحزب الله بعد أن تم رصد محاولة لإطلاق قذيفة مضادة للدروع باتجاه اسرائيل بالقرب من بلدة ملكيا، مضيفا أن “مخربين أطلقوا قذائف مضادة للدروع نحو منطقة مفتوحة قرب منطقة بلدة عرب العرامشة، من دون أن توقع إصابات أو أضرار”.
وترافق القصف الإسرائيلي مع تحليق للطيران الحربي فوق العاصمة بيروت والمناطق الساحلية والبقاع الشمالي والهرمل، وإطلاق قنابل مضيئة فوق بلدات كفرشوبا والماري والمجيدية، وفي ميس الجبل ألقى الجيش الإسرائيلي كما ذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام” قنابل مضيئة و”قام بإطلاق النار من موقع العاصي باتجاه البلدة، مما أدى إلى إصابة مواطن بطلقة نارية نقل إلى المستشفى للمعالجة”.
تحذيرات وتهديدات متبادلة
بالتوازي مع التصعيد الميداني، رفعت إسرائيل وحزب الله من سقف التهديدات والتحذيرات المتبادلة، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كورنيكوس، الأحد، عبر منصة “إكس” بأن “حزب الله يعتدي ويجر لبنان إلى حرب لن يجني منها شيئاً، إنما قد يخسر فيها الكثير”.
وقال “سؤال كبير يتعين على لبنان الإجابة عليه: هل يستحق الأمر تعريض ما تبقى من الرخاء اللبناني للخطر من أجل داعش في غزة؟”، في إشارة لحركة حماس المصنفة على قائمة الإرهاب.
وفي السياق، أشار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو إلى أنه “إذا دخل حزب الله الحرب سيؤدي ذلك إلى دمار لا يمكن تخيله للحزب ولبنان”، وفي جولة له على الحدود مع لبنان، أضاف، “لست متأكداً بعد من نية حزب الله بشأن دخول الحرب”.
وكان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، حذر الأحد، من أن أميركا لن تتردد في التحرك عسكريا ضد أي منظمة أو بلد يسعى إلى توسيع النزاع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحماس.
التوتر الناري على الحدود الجنوبية للبنان رفع من حركة نزوح السكان في القرى المتاخمة للخط الازرق تجاه المناطق الأكثر أمنا، وبحسب “الوكالة الوطنية للإعلام”، يوجد في مدينة صور أكثر من 1500 عائلة لبنانية وسورية، توزعوا على عدد من مراكز الايواء في المدارس الرسمية والخاصة.
سباق الدبلوماسية والحرب
مواكبة لخطوط النار، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، اللبنانيين إلى الوثوق بأنه مستمر “في الجهد المطلوب لإبعاد كل أذى عن لبنان”، حيث شرح أن “الاتصالات الدبلوماسية التي نقوم بها دوليا وعربيا واللقاءات المحلية مستمرة في سبيل وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وجنوبه تحديدا، ومنع تمدد الحرب الدائرة في غزة إلى لبنان”.
وقال أمام زواره، الأحد، “إنني اتفهم شعور الخوف والقلق الذي ينتاب اللبنانيين جراء ما يحصل، ودعوات عدد من السفارات لرعاياها لمغادرة لبنان، لكنني لن أتوانى عن بذل كل الجهود لحماية لبنان”.
وتابع “إن الاجتماعات والاستعدادات التي نقوم بها من أجل وضع خطة طوارئ لمواجهة ما قد يحصل، هي خطوة وقائية أساسية من باب الحيطة”.
أضاف ميقاتي “كذلك فإن التدابير المتخذة في المطار ومن قبل شركة طيران الشرق الأوسط هي أيضا من باب الوقاية والحذر، والاعتبارات المتعلقة بإدارة المخاطر، ولم نتلق أي معطيات تفيد بأي أمر جلل قد يحصل في المطار، وبإذن الله ستكون التدابير الاستثنائية لفترة وجيزة ليعود بعدها الوضع إلى طبيعته”.
يذكر أن شركة “طيران الشرق الأوسط، أعلنت الجمعة في بيان، عن تخفيض عدد رحلاتها وإعادة جدولتها ابتداء من فجر يوم الأحد، وذلك “بسبب الظروف الّتي تمرّ بها المنطقة، ونتيجة تخفيض الغطاء التأميني ضد مخاطر الحرب على الطيران في لبنان”، كما باشرت الشركة بإجلاء طائرات مستأجرة إلى دول مجاورة.
وكشف رئيس مجلس إدارة الشركة محمد الحوت لصحفيين في مطار بيروت أنه “سيتم إلغاء أكثر من نصف رحلات الشركة” مع ضمان “استمرار تأمين التواصل بين لبنان والخارج”، مضيفاَ “ابتداء من الأحد سنعمل بحوالي ثماني طائرات فقط من أصل 22 طائرة تجارية”.
وتتوالى تحذيرات السفارات الأجنبية في لبنان لمواطنيها ورعاياها، منها من يطلب منهم المغادرة فوراً أو بأسرع وقت وكذلك عدم زيارة هذا البلد في ظل الظروف الحالية.
والأحد، أصدرت الخارجية الأميركية بيانا جديدا قالت فيه “على المواطنين الأميركيين الذين يرغبون بمغادرة لبنان، أن يفعلوا ذلك الآن، بسبب الوضع الأمني الذي لا يمكن التنبّؤ به”.
أضاف البيان “لا تزال هناك رحلات تجارية متاحة، ولكن هناك انخفاض في القدرة الاستيعابية. يرجى التحقّق من خيارات الرحلات الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي.
وسبق أن حثّت وزارة الخارجية المواطنين الأميركيين في لبنان على وضع خطط للمغادرة في أقرب وقت ممكن بينما لا تزال الخيارات التجارية متاحة، موصية الذين يختارون عدم المغادرة بإعداد خطط طوارئ لحالات الطوارئ.
تأهب رسمي
رغم أن لبنان على فوهة بركان النار، إلا أنه تم تغييبه عن “قمة القاهرة للسلام”، حيث لم يدع كما قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب “من دون معرفة السبب” معربا عن أنه كان يتمنى أن تنجح القمة وتخرج ببيان موحد، ومضيفا في حديث إعلامي محلي أن “على الأميركيين الضغط على إسرائيل منعا لحرب إقليمية”.
وكان ميقاتي تلقى، الأحد، اتصالا، من وزير خارجية مصر، سامح شكري، حيث تشاور معه في مجمل الأوضاع الراهنة في لبنان وغزة، والمساعي الجارية لوقف الحرب، ووضع الوزير شكري رئيس الحكومة في نتائج “قمة القاهرة للسلام” التي عقدت في العاصمة المصرية.
وقال بو حبيب إن “الاستفزاز يصدر عن المسؤولين الإسرائيليين فيما لم يصدر عن حزب الله أي خطاب استفزازي والدليل أن نصر الله لم يدل بأي تصريح بعد، ما يعني أنه ضد التصعيد وحوارنا دائم مع الحزب” معرباً عن خوفه على لبنان”.
وأضاف “حماس أبلغت إيران وحزب الله أنها قادرة على الصمود لأشهر خلال المعركة البرّية، لذا لن يتدخل الحزب بمجرد اجتياح غزة إلا إذا كان كبيرا أو بحال الاعتداء الكبير على لبنان”.
وتحسبا من انزلاق لبنان أكثر في النار المشتعلة على حدوده وخلفها، دعا نقيب الأطباء في بيروت البروفسور يوسف بخاش، إلى مؤتمر صحفي مشترك مع الهيئات الصحية المعنية، الإثنين، لإعلان تفاصيل خطة الطوارئ الطبية والتي تتضمن كيفية وضع الأطباء بتصرف المراكز الصحية والمستشفيات المعنية بالأزمة.
وفي السياق، أعلن وزير الشباب والرياضة، الدكتور جورج كلّاس، عن عقده اجتماع لاتحاد كشاف لبنان والجمعيات الشبابية، ولاتحاد بيوت الشباب والمسؤولين في الوزارة، وذلك التزاماً بتوجيهات ميقاتي، ومواكبة لعمل لجنة إدارة الكوارث في السرايا الحكومية، “بهدف وضع خطة ميدانية احترازية لمواجهة التحديات التي تستوجب اتخاذ خطوات سريعة في مجالات الإغاثة وتقديم الخدمات الصحية والطبية، وذلك العاشرة من صباح الثلاثاء”.
وجدد وزير التربية، الدكتور عباس الحلبي، إقفال المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس المهنية الرسمية والخاصة الواقعة في المناطق الحدودية الجنوبية، الاثنين، “أما المؤسسات المذكورة المتاخمة للمناطق الحدودية الجنوبية، فيترك التقدير للمدير لجهة قرار فتحها أو إقفالها” فيا تعمل المدارس في المناطق اللبنانية الأخرى بصورة طبيعية.
ودعا الحلبي إلى متابعة بيانات الوزارة يوما بيوم لمتابعة التطورات، والمحافظة على العام الدراسي.
يذكر أن التوتر على الحدود الجنوبية للبنان، بدأ مع الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر، حيث أعلن حزب الله أنه ليس على الحياد بخصوص ما يجري في قطاع غزة، وباشر بالعمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي الذي رد بقصف مواقف في الجنوب اللبناني.