تواصل قيادة “هيئة تحرير الشام” بذل الجهود الرامية إلى احتواء ملف العملاء الذي انفجر في وجهها صيف العام الماضي، ولا تزال تداعياته تؤرقها، لا سيما بعد وصول مفاعيلها إلى درجة بالغة الخطورة، تمثلت في انشقاق القيادي أبو أحمد زكور، الذي يوصف بأنّه الرجل الثالث في الهيئة.
ومع أنّ جهاز الأمن العام التابع للهيئة أصدر في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي بياناً أعلن فيه طيّ ملف العملاء، وأكّد استكمال التحقيقات واستيفاء أركان القضية وشواهدها، إلّا أنّ ملابسات القضية واستمرار تفاعلها على المستويين الأمني والاجتماعي فرضا على الهيئة يوم الجمعة إصدار بيان آخر أعلنت فيه إغلاق ملف العمالة بعد تشكيل لجنة عليا نظرت في أعمال لجان التحقيق وانتهت إلى استخلاص بعض التوصيات.
وتحت عنوان “انتهاء أعمال التحقيقات المتعلقة بدعوى الخلية الأمنية” قالت الهيئة في بيانها الجديد، إنّه بعد اكتمال التحقيقات في دعوى الخلية الأمنية (التي أشار إليها بيان جهاز الأمن العام في منتصف كانون الأول- ديسمبر) أبدت القيادة العامة رغبتها في زيادة التدقيق والتحقيق المتعلق بالقضية، فشكّلت لجنة عليا برئاسة القيادة العامة للوقوف بنفسها على الأقوال والاعترافات وتقييم الأدلة والوقائع.
وبناءً عليه، عقدت اللجنة العليا جلسات مع فريق التحقيق المكلّف بالقضية، من أجل التدقيق في الإجراءات المتبعة وسلامتها اصولاً، كما قابلت عشرات الموقوفين واستمعت إلى أقوالهم ودفوعاتهم لتقييمها ضمن ظروف موضوعية، ونظرت كذلك في سلامة الأدلة المقدّمة من قِبل الجهة المدّعية، وتأكّدت من سلامة الاعترافات.
وخلصت اللجنة إلى بعض التوصيات والإجراءات من أبرزها: الإفراج عن الموقوفين الذين لم ترتق الأدلة لإدانتهم، وحفظ الدعاوى بحق بعض الموقوفين لعدم توفر أدلة ضدّهم، وإحالة بعض الموقوفين إلى القضاء، إضافة إلى إيقاف من ثبت بحقه تجاوز الإجراءات المسلكية ضدّ الموقوفين. وفي ختام البيان أعلنت الهيئة انتهاء أعمال القضية لدى المؤسسة الأمنية، مؤكّدة أنّ المشروع الثوري في المحرر (إدلب ومحيطها) مستمر.
وذكرت مصادر ميدانية في إدلب، أنّه من المتوقع أن يجري الإفراج عن عشرات المتهمين في ملف العمالة، ومن أبرز الشخصيات التي يجري الحديث عن إطلاق سراحها، أبو مسلم آفس، القيادي العسكري في الهيئة.
غير أنّ عدداً من القيادات الشرعية التي انشقت عن “هيئة تحرير الشام” في السنوات الماضية، ومن أبرزهم أبو الحارث المصري (اسمه الشقيري) وأبو الفتح الفرغلي وهو جنسي المصرية، وعبد الرزاق المهدي، سوري الجنسية، أصدروا بياناً حول خطورة ملف العمالة، مطالبين بتشكيل لجنة قضائية خاصة للنظر فيه.
وقال البيان إنّ الثورة الشامية لم تُصب بنازلة أشدّ وأنكى من فاجعة العملاء الأخيرة، وما تكشّف فيها من خيانات كبيرة عظيمة؛ جليلة الخطر فادحة الأثر في المعارك الأخيرة. وطالب الموقّعون على البيان “بأن يكون الحكم في قضية العملاء الكبرى ضمن لجنة قضائية يترأسها الدكتور إبراهيم شاشو؛ فهو محل ثقة وقَبول من جميع الأطراف، وهو أحد القضاة الكبار في المحرر، ويثق فيه عموم الناس، ويكون لهذه اللجنة كامل الصلاحيات بلا أي مراجعة أو توجيه أو ضغط، ويكون حكمها باتاً قاطعاً غير قابل للاستئناف بحال، وينفَّذُ فورَ صدوره؛ فما حكمت به اللجنة يكون محل ثقة وقبول من الجميع، سواءً حكمت بإدانة أو تبرئة.
وكان جهاز الأمن العام في الهيئة قد أصدر في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي بياناً أعلن فيه عن طي ملف العملاء داخل الهيئة لصالح جهات خارجية، وذلك عبر بيان نشره بعنوان “إحباط مخطط أمني وتعزيز القوة والاستقرار في المناطق المحرّرة”.
وذكر الجهاز في بيانه، أنّه تمكّن خلال الأشهر القليلة الماضية، من إحباط “مخطّط أمني تقف خلفه جهات معادية، يهدف إلى تجنيد بعض الأفراد والعمل من خلالهم على بث الفتنة وشق الصف وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطقنا المحررة”، وفق وصفه.
وأضاف: “مع إعلاننا استكمال التحقيقات واستيفاء أركان القضية وشواهدها، فإننا نطمئن الجميع بأننا شارفنا على إنهاء الأعمال الأمنية المتعلقة بها”.
وقد أثارت خطوة إغلاق ملف العمالة من قِبل القيادة العامة لهيئة تحرير الشام شكوك الكثير من المراقبين الذين رأوا فيه محاولة من أبو محمد الجولاني لاحتواء الموقف وتطويق تداعياته، بخاصة أنّ أبو أحمد زكور الذي انشق الشهر الماضي عن الهيئة قبل اعتقاله بتهم متعلقة بالفساد والعمالة، يهدّد بنشر شهادته الخاصة حول ملف الجهاد في العراق والشام، حيث من المتوقع أن يكشف عن الكثير من الأسرار والفضائح المتعلقة بالجولاني نفسه.