بين فترة وأخرى، تجدد تركيا قصفها واستهدافها للبنية التحتية والمرافق الخدمية، في شمال شرقي سوريا، الأمر الذي ينعكس سلباً على سكان المنطقة، ويهدد أمنها واستقراراها، في ظل صمت دولي تجاه تلك الاعتداءات المستمرة.

ومنذ بداية العام الجاري، تشهد مناطق شمال شرقي سوريا، حالة من عدم الاستقرار بسبب استهداف تركيا 89 موقعاً، خلال النصف الأول الشهر الفائت, بـ 122 ضربة,62 منها عن طريق المسيرات و22 منها بالطيران الحربي.

وتركز القصف التركي على مواقع إنتاج وتحويل الكهرباء والوقود، ومراكز وحواجز لقوى الأمن الداخلي (الأسايش)، وشمل 4 مواقع أمنية وعسكرية تابعة للقوات الحكومية.

القصف التركي جاء وسط صمت دولي، بما فيه من الولايات المتحدة الأمريكية شريك قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا.

وعليه يبرز سؤال عن ما هي خيارات الإدارة في شمال شرقي سوريا وهل عليها إعادة النظر في تحالفاتها؟

“أميركا باقية”

يقول أحمد الدرزي وهو سياسي سوري، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى في المنطقة بشكل من الأشكال، وهو هدفها “الأساسي”. ومحاربة داعش هي “ذريعة”.

ويضيف “الدرزي” في حديث لنورث برس، أن “الأتراك لا يتحركون إلا بضوء أخضر أمريكي لأنهم الأهم في الاستراتيجية الأميركية وخاصة بعد معركة (طوفان الأقصى)، وما يمكن أن تقدمه تركيا في فلسطين لاستيعاب وتعويم حركة حماس في خطها السياسي”.

ويرى السياسي أنه وبناء على تلك التفاهمات، فإن أمام شمال شرقي سوريا، “فرصة كبيرة جداً” لإعادة الرؤية بشكل مختلف في العلاقة مع كل الأطراف المعنية بالشأن السوري والتمييز بين الأطراف الأخف ضرراً لها، والأكثر ربحاً على مستوى مستقبل الكرد في سوريا.

ويعتقد أن التماهي مع دمشق ومحاولة بناء تفاهم وإيجاد نقطة في منتصف الطريق بين الطرفين، “يمكن أن يخدم القضية الكردية أكثر من أي مكان آخر بالإضافة إلى أن يكون هناك وضوح بالصورة معها أكثر من النظام الغربي بشكل عام “فهو المسؤول عن كل نكبات المنطقة بدءاً من فلسطين إلى الكرد الذين حرموا من حقوقهم”.

وخلال القصف التركي على شمال شرقي سوريا، وانتهاك سيادة سوريا، تعاملت دمشق مع القصف وكأنها بعيدة عن الموضوع.

وحول صمت دمشق، أشار حسين نعسو، حقوقي سوري، في تصريح سابق لنورث برس، إلى أن ذلك السكوت هو “نية ضمنية لدى النظام السوري لإضعاف وابتزاز الإدارة الذاتية”.

احتمالات غامضة

يقول موفق نيربية وهو سياسي سوري، شغل عدة مناصب في المعارضة السورية، إنه من المحتمل أن تكون عمليات القصف التي جرت حتى الآن “أقلّ من الاحتمالات الداهمة لاحقاً، وهي احتمالات ما زالت غامضة في الواقع، قد يجعلها أكثر خطراً استقرار العلاقة الأمنية الأميركية – التركية بعد تنفيذ صفقة طائرات F16 أو الاتفاق حولها”.

ويضيف لنورث برس، أن هذه التطورات إما أن تكون لمصلحة استقرار المنطقة أو على حسابها كما جرى في السابق.

ويقول: “لا الوضع الطارئ ولا الوضع عموماً يمكن تجنب أخطاره من دون إعادة نظر في استراتيجية مسد والإدارة الذاتية”.

ويضيف: “بعد ذلك يجب الدخول مباشرة بحوار لتعزيز بنية المنطقة اجتماعياً وسياسياً مع المجلس الوطني الكردي والقوى العربية. كما أن على الإدارة فتح حوار سوري مع كل من يمكن التقارب معه سياسياً”.

وعليها أيضاً، بحسب “نيربية”، بناء استراتيجية مختلفة، لقطع الطريق التركي الحالي الساعي إلى تعزيز حالة الخراب الراهنة، والتأكيد على علاقة ثلاثية مع الولايات المتحدة وتركيا. في الوقت نفسه الاستعداد للمفاجآت المختبئة وراء الباب”.

قضم الأراضي السورية

يقول حمدان العبد، نائب الرئاسة المشتركة في المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إن الإدارة الذاتية لم تكن خطراً على أي مكون أو دولة جارة، وإنما حافظت على أمن واستقرار المنطقة.

ويضيف أن الإدارة الذاتية تتجه إلى جميع المحافل الدولية للحفاظ على السيادة السورية، مشيراً إلى أن دمشق عليها أيضاً أن تلعب هذا الدور.

ويشير “العبد” في حديث لنورث برس، إلى أن لدى تركيا مطامع في الأراضي السورية وهي تقوم ببناء جدران إسمنتية وحفر خنادق، آخرها بطول 15 كم بين سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، وهي نيّةٌ تركية لقضم هذه الأراضي وتكرار تجربة لواء اسكندرون.

وتعليقاً على موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القصف التركي، قال “العبد”، إن “المصالح الدولية أهم من حياة أي إنسان”، مشيراً إلى أن “قلق الولايات المتحدة غير كافٍ، لأن تركيا دمرت سبل العيش والبنى التحتية في المنطقة وهي ترتقي إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي. بالتالي يجب عليها تشديد خطابها تجاه أنقرة”.

وأمام كل هذه التجاذبات والانتهاكات التي حصلت ومحاولات تهجير السكان الأصليين والتغيير الديمغرافي، يقول المسؤول إن الإدارة الذاتية يجب عليها أن تعوِّل على وحدة الشعب وقبول السكان بها”.

ويطالب المسؤول المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يقوموا بواجبهم تجاه التعديات على شمال شرقي سوريا، كونها منطقة محاصرة وبحاجة إلى دعم اقتصادي لإعادة ترميم ما تبقى من البنية التحتية التي دمرتها الطائرات التركية.