بات من الضروري لقيادة النظام التفكير في أهمية إعادة ترميم هذا الخط من أجل إبعاد شبح الحرب

 استهدفت القوات الأميركية مراكز ومقار تابعة لـ “الحشد الشعبي” العراقي والفصائل الإيرانية الرديفة في سوريا (أ ف ب)

فتحت العملية العسكرية التي قامت بها القوات الاميريكية على مراكز ومقار تابعة لـ الحشد الشعبي  العراقي االفصائل العراقية  الرديفة في سوريا قبل أيام جدلاً مختلفاً ومن نوع جديد داخل الأوساط الإيرانية، بخاصة بين جماعة النظام من جهة، والنخب السياسية المعترضة على تفاصيل وأخطار آليات عمل النظام داخل الإقليم من جهة أخرى.

ففي وقت يرى النظام أن الاشتباك الحاصل في الإقليم والذي تصاعد بصورة واسعة وكبيرة وخطرة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وعملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في قطاع غزة، يشكل فرصة تاريخية للدخول القوي على رسم المعادلات الإقليمية من موقع الشريك الفاعل والمؤثر وليس من موقع المتأثر أو المتلقي.

والمدخل إلى تأمين هذا الدور وتوسيع النفوذ بحسب رؤية النظام ومنظومة القرار يكون من خلال توظيف الاستثمار التاريخي في الأذرع أو القوى الموالية أو الرديفة التي أنشأها النظام في الإقليم، بحيث لا يكون مسؤولاً مباشراً عن هذا الدور مع إمكان التعامل مع الاتهام السياسي الذي قد يوجه إليه، وهو التوجه الذي عبر عنه كلام المرشد الأعلى في اليوم الثالث من بداية “طوفان الأقصى” بنفيه الاتهامات بمسؤولية نظامه وبلاده عن توقيت هذه العملية أو العلم المسبق بها من دون نفي الدعم المختلف لـ “حماس”.

وفي المقابل فإن نخباً سياسية لعبت وتلعب دوراً مؤثراً في الرأي العام الإيراني والمشهد السياسي من مواقع غير معادية للنظام، أو من صفوف الإصلاحيين، لم تعد تجد حرجاً في إعلان موقفها المعارض أو المخالف لآليات تعامل النظام مع الملف الإقليمي وإدارة النفوذ الإيراني، وعلاقته مع الفصائل الرديفة وحجم دورها وتأثيرها في مواقف النظام وسياساته، وقد ارتفع صوت هذه النخب بصورة واضحة بعد عملية استهداف القاعدة الأميركية داخل الأراضي الأردنية “البرج 22” ومقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح نحو 43 آخرين، واتهمت هذه الفصائل الرديفة بأنها تسعى إلى دفع إيران للدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في معركة لا يرغب فيها الطرفان الإيراني والأميركي، وتخدم مصالح من يرى استمراريته ومصالحه في توسيع دائرة هذه الحرب، واتهمت كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقوى المستفيدة من العقوبات المفروضة على إيران والمعتاشين على الحروب والأزمات.

وتعتقد هذه النخب أن ما قامت به الفصائل الرديفة لا يصب في مصلحة إيران بل في توريطها بمزيد من الأزمات والمشكلات خدمة لمصالحها الخاصة التي لا تصب في مصلحة طهران، وبالتالي فإن من أولى نتائجها أنها أسهمت في إنهاء ما تبقى من خيوط تواصل وحوار غير مباشر بوساطة عُمانية بين طهران وواشنطن، والتي كانت بمثابة الخط الساخن أو الهاتف الأحمر بين الطرفين، وبات من الضروري لقيادة النظام التفكير بأهمية إعادة ترميم هذا الخط من أجل إبعاد شبح الحرب والعودة لمستوى جديد من تبادل الرسائل وتمرير التفاهمات منعاً لأية تداعيات سلبية.

وأمام السؤال الداخلي لدى الأوساط الإيرانية عن جدوى ومصالح إيران في توسيع دائرة تورطها في ما يجري في الإقليم وتحوله إلى جدل حقيقي وصلت أصداؤه إلى آذان المرشد الأعلى للنظام، الذي أعاد التذكير بمهمة ودور النخب في الاجتماع الإنساني والسياسي الإيراني، إذ اعتبر أن “وظيفة النخب التعبير الصريح عن الحقائق والابتعاد من الكلام حمال الأوجه والمواقف المترددة، واليوم أمامها ميدان حقيقي للعب دور فاعل وهو موضوع غزة”.

وأمام أزمة النظام في الدفاع أمام الداخل الإيراني عن الدور الذي يمارسه في الإقليم ودعمه الفصائل الرديفة أو الموالية له، فإنه يسعى إلى التضخيم في ظل العجز الأميركي عن توجيه أية ضربة لإيران، أو حتى العجز الذي ظهر في الضربة التي قامت بها واشنطن ضد قواعد “الحشد الشعبي” والفصائل في العراق وسوريا، وأن هذه الضربة على رغم الخسائر التي سقطت لا تشكل تحولاً إستراتيجياً بل هي مجرد محاولة من البيت الأبيض لحفظ ماء الوجه.

وسعي طهران من وراء هذا الحديث عن العجز الأميركي في مقابل تنامي دور ونفوذ وقدرة إيران على التحكم في المعادلات الشرق أوسطية يشكل محاولة لصرف الأنظار وإبعادها من الضربات الإسرائيلية القاسية التي تعرضت لها “قوة القدس” التابعة لـ “حرس الثورة الإسلامية” على الأراضي السورية، والتي ألحقت بها خسائر كبيرة في صفوف مستشاريها العسكريين في سوريا، بدءاً من المسؤول التاريخي عن العمليات اللوجستية والتسليح رضي الموسوي، ومروراً بالمسؤول الأمني لـ “قوة القدس” في سوريا العراق صادق أميدوار، وليس انتهاء بسعيد علي دادي، وما يعنيه ذلك من ضرب وتفكيك لشبكة القيادة الميدانية التي استثمر فيها النظام لتعزيز نفوذه ووجوده على الساحتين السورية والعراقية، وبالتالي فقد تفرض عليه الانتقال إلى آليات جديدة من بينها تخفيف وجوده المباشر وتكليف حلفائه، وبخاصة “حزب الله” اللبناني، بلعب دور أوسع وأكبر، أو اللجوء إلى إعادة هيكلة هذا الوجود واتباع إجراءات أمنية أكثر تشدداً، بما فيها وضع خطة لإعادة انتشار مختلفة عن السابق.

وبعيداً من الخسائر الإيرانية في صفوف مستشاريها العسكريين في سوريا فإن طهران تنظر إلى الساحتين السورية والعراقية كدور وظيفي في دفع للمفاوضات القائمة بين واشنطن والحكومة العراقية حول انسحاب قوات التحالف، وأما الدور الثانوي فيمكن تصنيفه بالدور الداعم لجبهتي البحر الأحمر – باب المندب والجنوب اللبناني اللتين تشكلان المسرح الحقيقي لتبادل الرسائل، وهي رسائل يراهن النظام ومؤسسته العسكرية على لعب دور في إعادة فتح قنوات تواصل جديدة بينها وبين واشنطن، بحيث تمنع الانزلاق نحو مزيد من التصعيد والوقوع في الحرب، وتساعد في التأسيس لمرحلة من تفاهمات مختلفة حول مستقبل المنطقة لا تسمح بإخراج إيران من المعادلة.