اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّ التحليلات العسكرية تشير إلى أنّ جولة الضربات بين إيران وإسرائيل قد انتهت، لكن ليس من المؤكد أن يكون هدف الدولة العبرية “قد تحقق”، موضحة أنّه بعد الهجوم الذي وقع قرب أصفهان يبدو أنّ ميزان الردع بين الجانبين “لا يزال مفتوحاً”.
وقال عاموس هرئيل، المحلل العسكري للصحيفة العبريّة، إنّ وسائل الإعلام الأميركية التي تعتمد على مصادر من البنتاغون وإسرائيل متحرّرة من الرقابة العسكرية، تُمكّن من فهم طبيعة الموقع العسكري الإيراني الذي هوجم في أصفهان. كان راداراً للدفاع الجوي، وهو جزء من منظومة الصواريخ الأرض – جو الروسية “اس300” التي ساعدت في حماية عدد من المواقع المهمة في المشروع النووي الإيراني.
وأضاف: “سبقت العملية أيام من التردد داخل المستوى السياسي والأمني في إسرائيل. اعتقد بعض الوزراء أن الهجوم تأجل بلا حاجة، وأنه كان يجب الرد بصورة أشد. إنّ تعلّق الأمر بهجوم مركّز ومحدود يسمح لنظام طهران أن يتظاهر بعدم حدوث شيء”.
ورأى هرئيل أنّ هذا “أسلوباً جيداً” لإنهاء جولة اللكمات الخطيرة وغير المسبوقة بين إسرائيل وإيران، لكنها تبقي ميزان الردع بينهما مفتوحاً تحت علامات استفهام ثقيلة: ما الذي سيحدث في المرة المقبلة؟ هل ستمتنع إسرائيل عن عملية اغتيال شخصيات إيرانية كبيرة أخرى أو مهاجمة قواعد الحرس الثوري في سوريا خوفاً من رد إيراني بآلاف الصواريخ والمسيرات نحو أراضيها؟ هل حصلت إيران على رسالة كافية تقول إن مثل هذا الهجوم على أراضي إسرائيل هو تجاوز مطلق لخط أحمر لإسرائيل؟ الدولتان تجاوزتا قواعد اللعب السابقة مع دفع ثمن محدود من ناحيتهما. وأرشار إلى أنّ “التطورات لا تبشّر بالخير بخصوص المتوقع لاحقاً”.
وتابع شرجه قائلاً إنّ الرادار المهاجم ينتمي لمنظومة الدفاع بمنشأة “نطنز” النووية، ويبعد عنها وعن منشأة قريبة لتخصيب اليورانيوم في أصفهان نفسها 120 كيلومتراً. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” بأنه تم استخدام صواريخ أطلقتها طائرات قتالية، ولم يجتز الطيارون الإسرائيليون مجال إيران الجوي. كذلك، تم قصف قاعدة دفاع جوي إيرانية في جنوب سوريا. أما المنشورات الأخرى عن الهجمات التي وجهت ضد مواقع عسكرية أخرى في إيران، فتبين أنها خاطئة.
وأردف هرئيل: “لم تنشر إسرائيل أي بيان رسمي تتحمل فيه مسؤوليتها عن الهجوم. ونشرت وسائل الإعلام الأميركية اقتباسات عن مصادر إسرائيلية مجهولة، أكدت أن الأمر يتعلق بهجوم لإسرائيل. هذه الأمور تظهر بشكل غير مباشر أيضاً في الرد الاستنكاري الذي نشره المؤشر اليميني في الحكومة الوزير إيتمار بن غفير، في حسابه على إكس، عندما كتب: “مسخرة”، موضحاً أنّ “الخارج اعتبر المنشور تحملاً غير مباشر للمسؤولية”.
وقال المحلّل السياسي في “هآرتس” إنّ الهجوم لا يمكن فصله عن 15 سنة من التقارير عن استعداد إسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، معتبراً أنّ “هذه عملية إسرائيلية مركزة وناجحة في وقت تم إحباط هجوم إيران، بمساعدة دول غربية ودول في المنطقة. وقد أثبتت قدرة على اختراق منظومات الدفاع الجوية في إيران والمس بهدف محدد بدقة كبيرة”.
وتابع هرئيل: “يبدو هذا مثل محاولة لإرسال رسالة مزدوجة. أولاً، الرد على هجوم الصواريخ والمسيرات الاستثنائي من إيران. ثانياً، التذكير بأن إسرائيل إذا قررت، فإنها تستطيع المس بالمشروع النووي. ومن غير المؤكد أن إيران ستفسر الأمور في الاتجاه المرغوب لإسرائيل. وأشارت جهات كبيرة في حرس الثورة الأسبوع الماضي إلى أن بلادها تفحص انعطافة نحو القدرة النووية الكاملة وبشكل علني بعد سنة ظهر فيها تقدم جديد نحو هذا الهدف”. وبحسب “نيويورك تايمز”، قد يسرع هجوم إسرائيل اتخاذ قرار إيراني للدفاع عن المنشآت النووية من خلال تحسين منظومة الدفاع الجوية، ونقل قدرات نووية أخرى إلى عمق الأرض وإلى وضع قيود أخرى أمام الرقابة الخارجية للوكالة الدولية للطاقة النووية.
وأضاف: “يبدو أنّ هجوم إسرائيل الأخير يؤكد الفجوة القائمة الآن في القدرة على المس الدقيق، بين إسرائيل وإيران. هذا لا يعني أن الإيرانيين مردوعون بالضرورة. فقد سبقت العملية أيام تردد في المستوى السياسي والأمني في إسرائيل. ومن المرجح الافتراض أن موقف بنيامين نتنياهو هو الذي حسم، الذي يبدو أنه استمع في هذا الشأن لتوصيات أميركا. فقد أرادت الإدارة الأميركية بدون شك إنهاء جولة اللكمات والعودة إلى سياسة الاحتواء”.
ولفت هرئيل إلى أنّ “إسرائيل ستحاول جباية الثمن من الأميركيين بالضغط من أجل فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية أكثر شدة على إيران، بعد أن ضعفت هذه العقوبات في الوقت الذي يعود فيه المضي بالمشروع النووي”.
وختم هرئيل: “حتى لو تحقّق الاحتواء المأمول، يبدو أنّ ما سيبقى في الذاكرة الإقليمية من أحداث نيسان (أبريل) هو أنّ إيران تجاوزت استراتيجيتها التي استمرت سنوات كثيرة واختارت الهجوم على إسرائيل. من السابق لأوانه معرفة إذا كان هذا استثناء مؤقتاً أو دليلاً على انعطافة شمولية. الوضع في الشرق الأوسط ما زال خطيراً جداً. وأي تطور آخر، مثلما في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، يقرب إلى حرب إقليمية شاملة، النهاية لا تظهر للعيان حتى في المعارك الأخرى التي تتورط فيها إسرائيل في غزة ولبنان والضفة الغربية”.