من الواضح أنَّ من حضر الملتقى هم آغوات الكُرد (بوصفهم يُمثلون أعلى الهرم في التركيبة العشائريّة الكُردية)، وشيوخ العشائر والقبائل العربية. إذاً هو ملتقى الآغوات والشيوخ مع مُمثلي الإدارة الذاتية وأجسامها الموازية (مجلس سوريا الديمقراطية على سبيل المثال)، وبرعاية رسمية من قوات سوريا الديمقراطية بوصفها الكيان العسكري المُسيطر على المنطقة.
استطاعت الحركة الفلاحيّة والعماليّة في المنطقة الكُردية بسوريا من خلال الحزب الشيوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين تفكيك المنظومة العشائريّة والقبليّة في المُجتمع الكُردي على نحو جيد، كما وانتفضت في وجه الآغوات والإقطاعيين الكُرد، وسحقتهم.
تنظم الإدارة الذاتية اليوم ملتقى للآغوات والشيوخ ومُمثلي المؤسسة الدينية، وكأنَّها تريد أن تعيد لهم مجدهم القديم، وتجعل منهم مصدراً للشرعية من جديد، بعد أن اختارتهم مُمثلين عن المُجتمع.
الإدارة الذاتية التي من المُفترض أنَّها مُتأثرة بالتراث الماركسي (اعتمادها على أعمال عبد الله أوجلان الفكرية في تأسيس هياكلها ورسم سياساتها) تعيد للآغا الكُردي مكانته وأمجاده، التي كانت قد تلاشت بفضل الحركة الفلاحيّة الكُردية. يا له من تناقضٍ صارخ!
نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، وما نزال ندعم ونولي اهتماماً بالغاً للهياكل العشائريّة وللآغوات والشيوخ ومُمثلي المؤسسة الدينيّة التقليديّة (الشيخ والقس).
العشيرة والآغا والشيخ والقس والمُلا، تخلفٌ وعودةٌ سريعة إلى الوراء، والتراث المقيت!
كان على الإدارة التي تتخذ من أوجلان مصدر إلهام لها أن تنظم ملتقى للعمال والفلاحين والطبقة المسحوقة والمُهمّشة في المُجتمع، لا أن تستدعي الآغوات والشيوخ، وتعيد لهم سلطتهم، وتمنحها شرعية إضافية.
كان لا بُدَّ أن يحضر هذا الملتقى الفلاح والعامل والمتسول ومن لا صوت له، فهي الشريحة الاجتماعية الأكبر.
في الوقت الذي يتوجب فيه على الإدارة الذاتية أن تدعم نقابات العمال والفلاحين، تتوجه إلى دعم وتعزيز المنظومة العشائريّة والقبليّة في المُجتمع. وما يبعث على السخرية هو حديث مُمثليها المُستمر عن طموحات الإدارة في بناء مُجتمعٍ عصري.
هنيئاً للآغوات الكُرد، فهم الآن في كنف سلطة تدعمهم، وهنيئاً للشيخ أيضاً، فهو الآن بات يملك شرعيةً إضافية، ومُباركة السلطة الحاكمة.
هنيئاً للآغا والشيخ، الذين هم سبب تخلفنا، وتخلف أجدادنا من قبلنا!