ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”، السبت المنصرم، عن قرار إيران وحزب الله تأجيل الرد على إسرائيل، لم يحل دون مواصلة الإعلام في المنطقة والعالم الحديث عن الجو الملتهب في المنطقة وإمكانية تطوره إلى حرب شاملة. و”تأخر” الرد منذ آخر الشهر المنصرم، عندما هددت إيران وأذرعها بالثأر لإغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، ليفقد الناس، لا سيما في المنطقة، صبرهم بانتظار النهاية مهما كانت مأسوية، فانتظار الموت أصعب منه.
للإسرائيليين تفسيرهم الخاص لتأخر الرد الإيراني وحزب الله. صحافيون إسرائيليون رأوا أن تاخر الردّ الإيراني أصبح مثيراً للسخرية. وآخرون رأوا أن إيران تتعمد التأخير لمنح إسرائيل والولايات المتحدة الوقت الكافي لحشد المزيد من القوى، وذلك لصدّ ردها الحتمي كي لا يتسبب بأضرار قد تفضي إلى حرب شاملة لا تريدها.
موقع Zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية، نشر في 15 الجاري نصاً للكاتب Mikhail Shereshevsky كرر السؤال الذي يتردد منذ أسابيع ثلاثة، عما إذا كانت إيران ستضرب إسرائيل. قال الكاتب أن إيران وحزب الله أقسما على الثأر بعد الإغتيالات التي قامت بها إسرائيل في طهران وبيروت، “لكن ردهم حتى الآن لم يأتِ”. في هذا الوقت، التمهل الإيراني أتاح للولايات المتحدة فرصة حشد قوة بحرية إستثنائية في الشرق الأوسط تكفي، ليس لصد الهجمات الإيرانية فقط، بل ولتوجيه ضربات لإيران وحزب الله.
لكن الولايات المتحدة لا ترغب كلياً في الحرب الشاملة في الشرق الأوسط، خصوصاً بسبب الإنتخابات الرئاسية المرتقبة، ورغبة إدارة بايدن بتحاشي المخاطر. كما أن مثل هذه الحرب قد تؤدي إلى إرتفاع حاد في أسعار المحروقات في الولايات المتحدة نفسها، مما يسبب الركود وتقويض مواقع سلطة الديموقراطيين.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة غير معنية إطلاقاً بالحرب مع إيران، إلا أن طهران لا تعرف بالضبط إلى أي مدى ستذهب الولايات في دفاعها عن إسرائيل في حال نشوب حرب إيرانية إسرائيلية. ويرى الكاتب أن إيران في تمديد الوقت لردّها، تخفض من تاثيره العسكري المفترض، وترفع في الوقت عينه مخاطره العسكرية.
ويقول الكاتب أنه، في ظل التفوق الإسرائيلي الكبير في سلاح الطيران والدفاع الجوي، لا ترغب إيران في المخاطرة بإشعال حرب كبيرة. فعدم الإستقرار الداخلي يحد من إمكانيتها لمحاربة عدو خارجي، إذ أن حرباً فاشلة قد تشعل ثورة. من جانب آخر، لا تستطيع إيران ألا ترد على إغتيال إسرائيل لزعيم “حماس” في طهران. فالدقة الفائقة للضربة الإسرائيلية تمثل تهديداً للقادة الإيرانيين أنفسهم وتقوض هيبتهم.
يشير الكاتب إلى أن عدداً من الخبراء يرى أن إيران تماطل في ردها، من أجل أن تتيح للولايات المتحدة وإسرائيل حشد أكبرقوة ممكنة لصد هجومها وخفض الخسائر المفترضة. وهذا قد يتيح لإيران فرصة تفادي حرب كبيرة بالغة الخطورة بالنسبة إليها.
يضيف الكاتب أن الولايات المتحدة، إذ تحشد قواتها العسكرية التي تهدد طهران، تستخدم أسلوب العصا والجزرة. فهي تحاول بصورة علنية إقناع إيران بخفض حجم ردها، مؤكدة بذلك على قوة إيران العسكرية التي تتيح لطهران فرصة حفظ ماء الوجه. ويشير إلى تصريح للسفير الأميركي لدى تركيا، يطلب فيه من جميع الحلفاء، ومن ضمنهم تركيا، إقناع إيران بخفض التوتر في الشرق الأوسط. وبعد مثل هذه التصريحات، يستطيع قادة إيران أن يقولوا لسكان الشرق الأوسط البسطاء “أنظروا، إنهم يخشوننا”. لكن الخطر في أن يتسبب بعض الصواريخ الإيرانية في ضرر كبير لا تسطيع القيادة الإسرائيلية تجاهله، مما قد يؤدي إلى إندلاع الحرب.
موقع Vesti الأذري نشر في 16 الجاري نصاً يصف الوضع القائم بين إسرائيل وإيران مع أذرعها بأنه “حرب أعصاب”. يقول الموقع أنه، بعد إغتيال هنية في طهران، ما زال العالم ينتظر الأسوأ. ويشير إلى توعد إيران إسرائيل بردّ يجعلها تندم على ما ارتكبته. ويقول بأن إسرائيل لم تبق مكتوفة الأيدي، بل تحشد القوات وتهدد إيران بردّ أقسى، في حال أقدمت طهران على ضرب الأهداف العسكرية الإسرائيلية. لكن كل شيء يشير إلى أن الطرفين، في استعدادهما للنهاية الحاسمة، يحشدان القوات للمجابهة الأيديولوجية النفسية.
يشير الكاتب إلى أن الحرب واسعة النطاق، يتم التمهيد لها عادة بحرب الأعصاب، حيث يستمر الطرفان في تلمس مواطن الضعف في دفاعات بعضهما البعض. وترافق حرب الأعصاب، الحرب الإعلامية التي تكتسب أهمية كبيرة في الوضع الراهن.
ومما يقوله الموقع أن إسرائيل، وهي تراهن على حلفائها الأقوياء، تدرك أن إيران لا تشبه أياً من أعدائها الألداء. ليس لأنها لا تملك حدوداً مشتركة معها، بل لأن إيران تملك قوة عسكرية وصاروخية ضخمة، ولديها الإمكانية لخوض حرب طويلة الأجل. إسرائيل من هذه الزاوية، تبدو ضعيفة، بل عاجزة. فرهانها منصبّ على حملات عسكرية قصيرة الأجل، توجه خلالها ضربات كثيفة لمواقع العدو الرئيسية.
يتوقف الموقع عند الحرب اللبنانية الإسرائيلية العام 2006، ويرى أن نهايتها كانت نوعاً من الهدية الإيرانية لإسرائيل. وينتقل إلى العملية الإسرائيلية المديدة ضد غزة، ويرى أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أخطأت في حساباتها لجهة مدة الحرب وأهدافها.
تمهل إيران في ردّها على إسرائيل، تعتبره دوائر أجنبية، لا سيما الموالية لإسرائيل، تردداً يشير تلميحاً إلى عدم الحسم في إتخاذ القرار. ويقول الموقع بأن الخبراء يرون في الحشود العسكرية الأميركية في المنطقة العامل الحاسم في “التردد” الإيراني.
الطبعة الإسرئيلية من الموقع الروسي newsru، نشر في 19 الجاري نصاً للصحافية الروسية Marianna Belenkaya التي كانت تتابع شؤون الشرق الأوسط في إحدى كبريات الصحف الإتحادية الروسية قبل مغادرتها روسيا. ورأت الصحافية في عنوان نصها أن “طهران أمام خيار صعب: تثأر أو لا تثأر”. وتقول أن الوسطاء يواصلون العمل على إتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من إعلان حماس أن الإقتراحات التي خرجت بها المفاوضات في الدوحة الأسبوع المنصرم لا تناسبها. وإيران أجلت الثأر من إسرائيل لمقتل إسماعيل هنية، وذلك لإفساح المجال أمام المفاوضات بشأن غزة، لكنها لم تتخلّ عن أهدافها. وكما لدى الإسرائيليين، كذلك لدى الإيرانيين، لا إمكانية لإتخاذ قرارات جيدة.
تنقل الصحافية عن المقالة المشتركة لوزيري الخارجية البريطاني والفرنسي، في صحيفة الأوبزرفر، نهاية الأسبوع الماضي، في ختام زيارتهما إلى إسرائيل. فقد قال الوزيران أن خطأً واحداً يكفي ليتطور الوضع إلى صراع عميق غير قابل للحل. ويقولان أن الدورة الحالية من العنف المرشحة للتصعيد، تعقّد التقدم نحو الحل السياسي.
تشير الصحافية إلى أن الوزيرين الأوروبيين لم يقوما بزيارة مشتركة منذ العام 2011، لكن خطر الحرب الواسعة في الشرق الأوسط التي قد تنجر إليها الدول الإقليمية، بل والبلدان الأخرى، دفعهما إلى الوقوف جبهة واحدة. كما تشير الصحافية إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى إسرائيل التي أعقبت زيارة الوزيرين الأوروبيين. وتقول بأن هذه الزيارة التاسعة للوزير الأميركي إلى الشرق الأوسط بعد أكتوبر 2023، تمثل الفرصة الأخيرة أمام إدارة بايدن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة والهدوء على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وكذلك خفض التصعيد بين إيران وإسرائيل.
ترى الصحافية أن السلطات الإيرانية امام خيار صعب: من جهة، حرب واسعة مجهولة العواقب. ومن جهة اخرى، ضرورة الحفاظ على ماء الوجه، أي رفض ترك الكلمة الأخيرة لإسرائيل. كما أنه من المهم لطهران أيضاً الحفاظ على ولاء أذرعها في المنطقة، وهو ليس بالأمر السهل.