دبابات إسرائيلية في قطاع غزة (أ ب)

دبابات إسرائيلية في قطاع غزة (أ ب)

الإسرائيليّون متفائلون، أو على الأقلّ، مسرورون بمسار غزوهم البرّيّ للنصف الشماليّ من قطاع غزّة. بدأ هذا الغزو منذ أكثر من أسبوعين بعد قصف جويّ غير مسبوق للقطاع وقد حقّق الجيش الإسرائيليّ تقدّماً “أكبر من المتوقّع”. هذا ما يقوله الإسرائيليّون عبر وسائل إعلاميّة مختلفة، من بينها ما هو محلّي. في تقرير لها نشرته يوم الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، قارنت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بين التوقّعات الإسرائيليّة للحرب البرّيّة وما تحقّق على الميدان:

التحذيرات الأساسيّة، إسرائيليّة كانت أم أميركيّة، تمحورت حول أنّ الحرب ستكون “فوضويّة جداً”. لكنّ السفير الإسرائيليّ السابق إلى أميركا مايكل أورين قال إنّه “متفاجئ جداً من كيفيّة سيرورة الغزو البرّيّ”. ونائب رئيس “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” إيران (Eran) ليرمان قال أيضاً إنّها تسير أفضل بقليل من توقّعاته.

تقدّمٌ “يُدرَّس”

في موقع “المونتيور “، ينقل بن كاسبيت عن مسؤولين إسرائيليّين إعجابهم بالتقدّم الميدانيّ. لقد سبق الجنود الإسرائيليّون الجدول الزمنيّ المحدّد وتعرب القيادة العسكريّة عن رضاها على التنسيق غير المسبوق بين القوّات الجويّة والبريّة والبحريّة. كما أنّ هناك توقّعات بأن يدرس المراقبون تلك المعركة لسنوات طويلة بالنظر إلى سرعة وخفّة اقتحام ثلاث فرق عسكريّة القطاع.

الخبراء العسكريّون الغربيّون يتحدّثون أيضاً عن سرعة في التقدّم العسكريّ. الضابط البريطانيّ السابق ريتشارد كمب كتب في “زا تلغراف” كيف طوّقت القوّات الإسرائيليّة مدينة غزّة وتلمّس إشارات عن خضوع مقاتلي “حماس” لضغط كبير، من بينها انخفاض وتيرة إطلاق الصواريخ إلى حدّها الأدنى منذ انطلاق الحرب، وحثّهم “حزب الله” على التدخّل في المعارك وقبولهم التفاوض لإطلاق سراح الرهائن مقابل وقف لإطلاق النار.

حتى الخبير في حروب المدن والرائد الأميركيّ المتقاعد جون سبنسر الذي كتب مطوّلاً عن مخاطر الحرب البريّة على الجيش الإسرائيليّ، لفت إلى أنّ حجم التقدم  الذي حقّقه الإسرائيليّون في أسبوع مع تفادي النقاط الحصينة لـ”حماس” مثير للاهتمام

عدد القتلى في صفوف جيشه

بات الجيش الإسرائيليّ على أبواب مستشفى الشفاء الذي يزعم أنّ قيادة “حماس” بنت مركزها تحته. بحسب اخر الانبا تدور اشتباكات عنيفةد داخل المدينة، بينما قالت “حماس” إنّها دمّرت أكثر من 25 مركبة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيليّ أنّ “حماس” فقدت السيطرة على شمال غزّة، مشيراً في الوقت عينه إلى مقتل 46 شخصاً من عناصره منذ بدء الغزو.

على الرغم من أنّ عدد القتلى الإسرائيليّين منذ بدء الغزو كبير، يبقى أنّ المقارنات والتوقّعات تخفّف من وطأة الخسائر على الإسرائيليّين. بحسب تقرير “تايمز أوف إسرائيل”، قالت القوّات الإسرائيليّة سنة 2014 إنّ جنودها سيتعرّضون للاختطاف على يد “حماس” وإنّ السيطرة على القطاع ستكلّفها الجيش خمسة أعوام من الجهد. كما قال جنرال إسرائيليّ متقاعد إنّ السيطرة على مدينة غزّة وحدها ستكلّف الجيش 700 قتيل. حتى الآن، لم يحدث أيّ من هذا. ربّما تفسّر هذه الأرقام سبب سرور الإسرائيليّين. لكن ثمّة جانباً آخر للرواية.

إقرار

إنّ التقدّم الإسرائيليّ السريع لا يعني بالضرورة تراجعاً مقابلاً في قدرات “حماس” ومقاتليها. “إنّهم يحتفظون بمعظم قوّتهم… هم مرنون وقادرون افتراضاً على التنقّل من الجنوب إلى الشمال”، على ما يقوله مصدر إسرائيليّ بارز ل المونتيور. كَمب، الضباط البريطانيّ السابق، يشير أيضاً إلى أنّ إسرائيل لم تحدّد أو تقتل أيّ قياديّ رفيع المستوى في “حماس”.

من جهة أخرى، لم تكشف كلّ الحرب أسرارها. حتى بعد السيطرة على مركز قيادة “حماس” المفترض في مدينة غزّة، ستتّجه الأنظار لمعرفة ما إذا كان ذلك كافياً لتفكيك سلسلة القيادة والإمرة لدى الحركة. من المنطقيّ توقّع أن تكون هناك مراكز أخرى للقيادة في الشمال أو الجنوب، بالإضافة على الأرجح، إلى الأنفاق التي تتفادى إسرائيل اقتحامها إن لم تضطرّ إلى ذلك. في السياق نفسه، إن كانت القوّات الإسرائيليّة تتجنّب أيضاً النقاط الحصينة فمعنى الأمر أنّ العديد من عناصر الحركة سيخرجون سالمين من الحرب.

قدّر خبراء عسكريّون وجود نحو 100 ألف مقاتل لدى “حماس” قياساً بالحجم الإجماليّ لسكّان غزّة. لا تعلن “حماس” عن خسائرها، بينما تتجنّب إسرائيل تقديم تقديراتها الخاصّة. لكن حتى مع افتراض أنّه مقابل كلّ مدنيّ من غزّة ثمّة مقاتل من “حماس” سقط معه بالنيران الإسرائيليّة، (أكثر من 11 ألفاً) يبقى تقدير أنّ الحركة لا تزال تحتفظ بقسم وازن من مقاتليها تقديراً معقولاً.

في جميع الأحوال، وبينما تظلّ المعطيات الميدانيّة غامضة وخاضعة للتكهّنات كما هو الأمر مع كلّ حرب، ثمّة معطيات سياسيّة أقلّ غموضاً في ما يتعلّق بانعكاسات الحرب. هنا، يصبح الإسرائيليّون كما الغربيّون أكثر تحفّظاً.

أوّل حرب… قد تخسرها

مدير برنامج الشرق الأوسط في “مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة” جون ألترمان لا يستبعد احتمال أن تخسر إسرائيل أوّل حرب لها. بحسب تحليلة تقوم استراتيجيّة “حماس” على تحويل القوّة الإسرائيليّة ضدّها عبر التركيز على حجم الدمار والمعاناة الإنسانيّة في غزّة لعزل إسرائيل عن حلفائها الغربيّين من واشنطن إلى بروكسل، كما لإحداث تآكل كبير في شعبيّة السلطة الفلسطينيّة. وبالنظر إلى أنّ “حماس” تنظر إلى الانتصار على المدى البعيد، فإنّ الحركة “لا تحتاج إلى أن تكون قويّة لاتّباع هذه الاستراتيجيّة؛ بل إلى مجرّد أن تكون ثابتة”.

بالفعل، قد تكون القدرة على هذا الثبات والصمود الخطّ الفاصل بين انتصار “حماس” وهزيمتها. المؤكّد لغاية الآن أنّ تبيّن وجود هذه القدرة من عدمه قد يحتاج إلى أشهر إن لم يكن إلى سنوات للظهور، بصرف النظر عن مدى سرعة أو بطء تقدّم الإسرائيليّين في غزّة.